طالبة في فصل دراسي عن بعد (أرشيف)
طالبة في فصل دراسي عن بعد (أرشيف)
الجمعة 17 يوليو 2020 / 19:09

التعليم في زمن كورونا وما بعده...

فاجأ الفيروس الصغير المجهري العالم، بسبب سرعة انتشاره وآثاره على الصحة والاقتصاد والتعليم والحياة في شتى مجالاتها.

وأذا ركزت الأشهر الماضية على معالجة آثار الجائحة، فإن الظروف الحالية تستلزم وضع تصور لملامح العالم بعد جائحة كورونا، لأن الحاجة ملحة للتخطيط، من أجل استعادة جودة الحياة ويسرها وهنائها، خاصةً مع تسارع وتيرة الأبحاث في عدة دول، لاكتشاف دواء علاجي ولقاح واق من المرض، وهي كلها أمور مبشرة، إذ يعكف كثير من شركات الأدوية على ذلك.

ومن الإيجابيات خلال فترة الجائحة تعزز القيم في ثقافة المجتمع، أهمها الوعي، والالتزام بالإجراءات التي يجب اتباعها، من تعقيم وتباعد جسدي بين، لضمان سلامة الفرد والمجتمع، ومنع تفشي المرض، الذي حد من انتشاره، ولله الحمد، الوعي بالإجراءات وتطبيقها من كلّ فئات المجتمع.

الحياة ستعود، إن شاء الله، إلى مسارها الطبيعي بقوة وأمل وعزم، بعد أن علمت الإنسان القدرة على التكيف مع ظروف جديدة عليه، فرضتها الجائحة، مؤكدةً أن العنصر الأهم هو سلامة الإنسان وصحته، مع الاستمرار في ممارسة الأعمال، والتواصل الإنساني، وإقامة الأنشطة افتراضياً في مختلف المجالات الثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والندوات الرياضية وغيرها، من خلال التطبيقات المختلفة مثل تييمز، و زووم وغيرها.

وأكدت الجائحة أيضاً أمرين مهمين، أولهما البعد الوطني، وأن على كل دولة بتأمين احتياجاتها الطبية والغذائية على مدار العام، والثاني ضرورة التعاون بين الدول، خاصةً في الأزمات والجوائح، وضربت الإمارات مثالاً مشرقاً ومبهراً في ذلك، إذ وصلت مساعداتها لدعم الكوادر الطبية إلى معظم دول العالم.

مع بداية الجائحة تحولت معظم دول العالم إلى التعليم عن بعد، من خلال التواصل الالكتروني، بين الطلبة ومعلميهم، باستخدام التطبيقات المختلفة.

واعتمد نجاح هذه التجربة بالدرجة الأولى على مدى وصول خدمات الانترنت للمناطق المختلفة في كل دولة، ومدى إلمام المعلمين وتفاعلهم السريع مع وسائل التقنية المعاصرة، وتجاربهم السابقة، فمن اعتاد على العمل الالكتروني مسبقاً استطاع أن يتجاوز التكيف، والنجاح، إلى الإبداع والابتكار.

ومن إيجابيات هذه التجربة توفير الوقت على الطالب والمعلم، فالتعليم من المنزل، قصّر اليوم الدراسي، بسبب كثرة المواد الدراسية، ما حدا بإدارات المدارس الحكومية والخاصة إلى التركيز على المواد الأساسية، والمواضيع المهمة، مع الابتعاد عن الحشو الزائد، وبذلك أتاحت الجائحة فرصة لتطبيق التعليم الالكتروني بشكل فعال، بوصفه الخيار الوحيد لبقية العام الدراسي 2019-2020.

ورغم معاناة بعض الآباء والأمهات من الضغط بسبب جدّة التجربة، سواءً كان في التعليم أم العمل عن بعد لأحد الوالدين أو كليهما، إلا أنها كانت فرصة ذهبية للطلبة لتحمل مسؤولياتهم، من حيث مواعيد النوم والاستيقاظ، والانتباه، والتركيز خلال الحصة الالكترونية، وما يتبعها من واجبات، وتجارب أوغيرها من أنشطة.

ولكن من السلبيات التي ترافقت مع التعليم الالكتروني حرمان الطلبة من التواصل الاجتماعي فيما بينهم، لما له من دور فعّال في صقل شخصياتهم، وتطوير مهاراتهم، إضافةً إلى حرمانهم من الأنشطة المختلفة، وإجراء التجارب العلمية، التي كانوا يمارسونها خلال تواجدهم الفعلي في المدرسة.

ولكن إدارات المدارس تجاوزت ذلك، بأن أرسلت لطلبتها النشاط وتعليمات لكيفية توظيفه، لإنجازه مع أفراد أسرتهم، أضف لذلك تأثير البقاء في المنزل، لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، على نفسية الطلاب والطالبات. غير أن بعض إدرات المدارس، ولتخفيف حدّة هذا الأمر، خصصت حصة أسبوعية، غالبا ما كانت الأخيرة، قبل إجازة نهاية الأسبوع، لتتيح المجال للطلاب والطالبات للحوار حول المواضيع المختلفة، في جوّ مرح.

كما أرسلت فيديوهات لممارسة الرياضة واليوغا، مع حث الطلبة على ممارستها، من خلال الحديث عنها، وعن كيفية قضاء وقت ممتع ومفيد في بداية الحصة في أول الأسبوع مثلا. في حين نشرت تجارب الطلبة العلمية وأنشطتهم في إحدى التطبيقات، بوضع حساب لكل شعبة ولكل صفّ، ليرى كل طالب ما أنجزه زملاؤه.

إن التعليم في زمن ما بعد كورونا لابد أن يتجاوز مشاكل التعليم بشكل عام، ليصير هجينا من تعليم تقليدي يستلزم حضور الطالب الفعلي للمدرسة، والكتروني يصبح فيه حضور الطالب افتراضياً، ما يجعل التعليم الالكتروني جزءاً أساسياً من منظومة التعليم، من ثم يستدعي هذا ضرورة الاستثمار فيه، من خلال مناهج مبتكرة، تستفيد من الإمكانيات الهائلة للذكاء الصناعي، وتوفر للطلبة مسارات متنوعة في التحصيل الدراسي، حتى لا يكون أداة للتواصل فحسب، إنما للابتكار والاستمتاع بالتعلم، مخففة بذلك بعض أعباء المعلمين والمعلمات، حيث العمل الجماعي لإعداد الدروس بين معلمي المدرسة الواحدة، ويمكن عرض الفيديوهات التعليمية المميزة لطلبة مدارس أخرى، فيخف بذلك عبء تحضيير المواد العلمية، وتصحيح بعضها من خلال الاختبارات الالكترونية التي ترسل النتيجة مباشرة للمعلم والطالب.

ولابد من تشجيع الجامعات والمراكز العلمية والثقافية والمتخصصة على النشر الالكتروني، لأنها توفر بذلك مصادر متنوعة، يسهل الوصول إليها، للاطلاع والبحث العلمي. كما أن هذا التعليم يمكن أن يحل مشكلة زيادة عدد الطلبة وقلة عدد المدارس في بعض الدول ذات الإمكانيات الضعيفة.

ولابد من تقليص ساعات اليوم الدراسي في التعليم التقليدي، بتحويل بعض المواد إلى التعليم الالكتروني، لإتاحة الفرصة للطلبة لممارسة الرياضة، والهوايات الأخرى، لأن رحلة الذهاب والعودة تأخذ وقتاً من يوم الطالب، الذي يستخدم الحافلات المدرسية، أوبسبب السكن بعيداً عن المدرسة، مع تقليل الامتحانات خاصة اليومية، فبعضها يتجاوز ثلاثة اختبارات في اليوم ذاته، ناهيك عن بقية الأسبوع، ما يتسبب فيه من ضغوطات نفسية، مع استثمار بعض الأنشطة المدرسية في تنمية المواهب، وتطبيق بعض المشاريع العملية.

أما بالنسبة للمنصات والتطبيقات فهي في حاجة إلى زيادة الخصوصية، منعاً لاختراقها أو إزعاج الطلبة بصور أو فيديوهات غير آمنة، ما يتطلب من شركات التطبيقات التحسين المستمر، مثلما فعلت الشركة المالكة لتطبيق زووم، بتحديثه بعد ما حدث في حصة جامعية في إحدى دول جنوب شرق آسيا.

وعلى الحكومات أيضاً أن تشجع الشركات الصغيرة والمتوسطة على ابتكار منصات وتطبيقات للتعلم، أو حتى للثقافة المحلية. أما دور القائمين على المدارس فأساسه اختيار أفضل هذه المنصات والتطبيقات، وتدريب معلميها عليها.

لقد كانت تجربة التعليم الالكتروني بشكل كامل أمراً مفاجئاً للعالم كلّه، بوصفها الوسيلة الوحيدة التي كانت متاحةً خلال الجائحة، وتجربة مهمة وفاعلة، سرعت تطبيقه، وكانت فيها إيجابيات نحتاج لاستثمارها وزيادتها، وسلبيات تحتاج إلى تحسينها وتعديلها.