الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الزامبي إدغار لونغو (أرشيف)
الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الزامبي إدغار لونغو (أرشيف)
الأربعاء 22 يوليو 2020 / 15:50

القروض الصينية... كابوس يهدد اقتصادات أفريقيا

لا يزال المستثمر الزامبي ديباك باتيل يتذكر تلك الزيارة العظيمة للعاصمة الصينية بكين، واستقباله مع باقي أعضاء الوفد في قاعة الشعب الكبرى وصفوف الحرس الصيني، والعشاء الفاخر وعزف فرقة الموسيقى العسكرية الصينية للعديد من الأغاني الزامبية المحلية.

في ذلك الوقت، كان باتيل وزيراً للتجارة في زامبيا وشارك في الوفد الذي زار الصين لتعزيز العلاقات بين البلدين وتأمين التمويل الصيني لمشاريع البنية التحتية في زامبيا.

وفي حين كان أغلب أعضاء الوفد مستعدين للقبول بأي شيء يعرض عليهم لتمويل مشاريع  مثل إقامة سد لتوليد الكهرباء وملعب لكرة القدم يسع حوالي 50 ألف متفرج، كان باتيل يدعو إلى الحذر.

شراكة استراتيجية
ويقول باتيل في تصريحات لوكالة بلومبرغ للأنباء: "كانت وجهة نظري، أننا نحتاج إلى شراكة استراتيجية مع الصين مع ضرورة التفكير في استمرار في ذلك، لكني كنت مجرد صوت واحد في الحكومة".

تقول وكالة بلومبرغ للأنباء، إن تحذير باتيل ذهب أدراج الرياح وبدأت زامبيا تقترض من البنوك الصينية لتمويل إقامة المطارات، والمستشفيات، والمشاريع السكنية، والطرق التي تربط بينها.

وأصبحت الديون الصينية تمثل حوالي ثلث إجمالي الديون الخارجية لزامبيا، والتي زادات بمقدار 7 أمثال خلال العقد الماضي، ما أجبر الحكومة على طلب إعادة جدولة هذه الديون هذا العام.

والآن أصبح باتيل مستثمراً في قطاع العقارات وأقام دعوى قضائية للطعن في قانونية مليارات الدولارات التي اقترضتها زامبيا دون موافقة البرلمان.

وقال باتيل: "لا أحد غير الحكومة يعرف شروط هذه القروض" والحكومة تقول إنها لا تحتاج إلى موافقة البرلمان على الاقتراض.

والآن أصبح باتيل واحداً من عدد متزايد من النشطاء وصناع السياسة في أفريقيا الذين يشككون في جدوى القروض الصينية للقارة الأفريقية والتي وصلت إلى حوالي 180 مليار دولار في 2018، حسب الباحثين في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية.

ويراجع البرلمان النيجيري حالياً القروض الصينية التي يقول أعضاؤه إن شروطها لم تكن في صالح البلاد. 

ويطالب النشطاء في كينيا الحكومة بإعلان شروط القروض الصينية المستخدمة في إقامة خط سكك حديدية بطول 470 كيلومتراً.

وقال الرئيس التنزاني جون ماغوفولي عن اتفاقية وقعها سلفه مع مستثمرين صينيين لإقامة ميناء ومنطقة اقتصادية بقيمة 10 مليارات دولار إنها اتفاقية "لا يوقعها إلا مجنون".

نفوذ صيني
سيكون من الصعب جداً على الحكومات الأفريقية التي تعاني صعوبات مالية بالغة الحصول على الكثير من التنازلات من الجانب الصيني، لكن الموجة الوشيكة للعجز عن سداد القروض في أفريقيا، ستمثل أكبر اختبار للنفوذ الصيني في المنطقة.

ويقول كريس ألدين أستاذ الشؤون الدولية في كلية لندن للاقتصاد: "هذا يمكن أن يؤدي إلى أكبر تغيير في العلاقات منذ أصبحت الصين لاعباً اقتصادياً أساسياً في القارة... الحكومات والمجتمعات الأفريقية تطالب الصين بصورة متزايدة بحلول لهذه المشكلة"، في إشارة إلى مشكلة تراكم الديون والعجز عن سدادها.

وتشير وكالة بلومبرغ للأنباء إلى أنه يمكن بسهولة ملاحظة الوجود الصيني في أفريقيا. ففي دولة غينيا بيساو الصغيرة، توجد لافتات إرشادية بالصينية على أحد مباني الحكومة.

وفي موزامبيق تمول الصين مشروع الجسر المعلق الذي يبلغ طوله ميلين اثنين وهو أطول جسر معلق في القارة، ويربط بين العاصمة والمنتجعات الساحلية وجنوب أفريقيا المجاورة.

كما ساهمت الصين في تمويل مشروع متحف الحضارات السمراء في السنغال والذي يضم جناحا للفنون الصينية.

وأصبحت الصين أكبر ممول للبنية التحتية في أفريقيا عبر مؤسسات مثل بنك التصدير والاستيراد الصيني وبنك الصين للتنمية والتي تمول نحو 20% من المشاريع الكبرى في القارة حسب مؤسسة ديلوت للاستشارات الاقتصادية.

في الوقت نفسه، رهنت الحكومات الافريقية العائدات المستقبلية لصادرات البلاد من السلع الخام مثل النفط، والكاكاو، والنحاس، ضمانة لنحو ربع القروض الصينية.

ديون كبيرة
وحسب تقديرات معهد كايل الألماني للدراسات الاقتصادية فإن نصيب الصين من ديون القارة الأفريقية الآن أصبح يزيد عن إجمالي نصيب صندوق النقد والبنك الدوليين، ودول نادي باريس مجتمعة، رغم أن مؤسسات التمويل الخاصة من مختلف أنحاء العالم لا تزال تمثل نحو نصف إجمالي الدين الخارجي للدول الأفريقية.

ونظراً لأنه لا يعلن عن الكثير من القروض الصينية للدول الأفريقية فهناك شكوك قوية في أن ديون أفريقيا للصين أكبر من التقديرات.

وذكر معهد كايل أن نحو نصف القروض التي قدمتها الصين للدول النامية أي نحو 200 مليار دولار لم تسجل لدى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حتى 2016.

ويعني غياب إعلان القروض أن الكثير منها لا تخضع للتدقيق والمحاسبة، ما يثير المخاوف من وصول أغلب هذه الأموال في النهاية إلى جيوب المسؤولين الفاسدين، أو الوسطاء.

وهناك رجل أعمال من هونغ كونغ يدعى سام با ويعتقد أنه كان وسيطاً في قروض بمليارات الدولارات في أفريقيا، واعتقل في الصين في 2015 في إطار حملة ضد الفساد.

وتتهم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصين بأنها تثقل كاهل الدول الفقيرة بديون لا يمكن سدادها، للاستيلاء على أصولها القيمة وتعزيز نفوذها لدى حكوماتها.

ولكن بعض الباحثين قالوا إن المخاوف من تداعيات القروض الصينية لدول أفريقيا مبالغ فيها.

ووفقاً لدراسة أعدتها مبادرة بحث الصين وأفريقيا في جامعة جونز هوبكنز، فإن الصين لم تستحوذ على أصول ولم تلجأ إلى المحاكم لإجبار الدول المدينة على سداد ديونها.

وبحسب معدي الدراسة، فإن الصين تفضل انتظار الدول المدينة حتى تطرح أصولها للخصخصة فتشتريها الشركات الصينية لسداد الديون، كما حدث عندما باعت سريلانكا حصة الأغلبية في أحد الموانئ إلى شركة صينية في 2017 لسداد ديون مستحقة للصين.