الإثنين 21 سبتمبر 2020 / 19:33

الثقافة مدخل للتقارب والتعايش والسلام

كان التبادل بين الثقافات عاملاً مهماً في التقريب بين الشعوب وتطور المجتمعات؛ فمن خلاله كانت المجتمعات قادرة على اكتساب المعرفة وإثراء ثقافتها. ونحن عندما نتحدث عن التبادل الثقافي فإننا نتحدث عن جوانبه المختلفة، سواء كان ذلك في الأدب والفكر، أو الفنون والموسيقى، أو العادات والتقاليد، أو الأطعمة والألبسة.
يوفر التبادل الثقافي فرصة لاستكشاف الثقافات والتقاليد والعادات والمعتقدات والمجتمعات واللغات الأخرى وغير ذلك الكثير. ومن ثم، فإن مثل هذه الفرص تجعلك تنظر إلى العالم من منظور مختلف، فكأنها تمنحك عيوناً جديدة ترى العالم من خلالها، وهذا ما يمنح المرء وجهات نظر بديلة ويوسع آفاقه، ويزيد من ميله لقبول الآخر.
إن تجربة شيء ما بشكل مباشر هي أفضل طريقة لفهمه. لذلك، يسمح لنا التبادل الثقافي بمعرفة الثقافات الأخرى، من خلال الإقامة في مجتمعات تلك الثقافات، وتعلم اللغات، والاطلاع على العادات والتقاليد وأنماط الحياة والطعام والهياكل الاجتماعية وما إلى ذلك، وهذا كله يسهّل علينا التعايش مع الآخر، إذ يجعلنا أكثر تقبلاً له، وفي الوقت نفسه أكثر قبولاً لديه. إننا حن ننفتح على الثقافات الأخرى ونتفاعل معها نفهم جوهر التنوع، وهذه نقطة مهمة في التأقلم والتعايش مع الآخرين، وتحقيق السلام.
وإذا كنا منصفين فسنقول إن الأجيال الحالية، وبفضل التبادل الثقافي، تخلصت من الصور النمطية المتعلقة بالدول والشعوب الأخرى، وابتعدت عن التعميم والخوف واستبعاد "الآخر" أكثر من الأجيال السابقة. وهذا بلا شك تحوّل إيجابي يسهم في تعزيز السلام بين الدول والمجتمعات والشعوب.
إن الصورة المشرقة التي تقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة عن العرب والمسلمين أسهمت، ولا تزال تسهم، في تغيير الصورة النمطية عن المجتمعات العربية والإسلامية في الغرب. وكلنا نعلم أن تغيير قناعات الناس وانطباعاتهم لا يكون بالكلام فقط، بل يحتاج إلى تطبيق فعلي على أرض الواقع، ولا شك أن ملايين الزوار الذين يأتون إلى الإمارات سنوياً يعاينون بأنفسهم ما يتحلى به مجتمعنا من ثقافة الاعتدال والتسامح والوسطية، وينقلون هذا الانطباع إلى بلدانهم ومجتمعاتهم.
لقد نشأ مجتمعنا على قيم التسامح والمحبة التي غرسها فينا الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي علّمنا "أن التسامح بين البشر يؤدي إلى التراحم، فالإنسان يجب أن يكون رحيماً ومسالماً مع أخيه الإنسان". وهذا ما حّوله، رحمه الله، إلى واقع عملي حين بنى دولة تؤمن بأهمية الصداقة والتعايش مع جميع الثقافات والشعوب، وضرورة التعاون المتبادل في المنفعة مع جميع الدول لتحقيق الاستقرار والسلام العالمي.
وتفخر الإمارات اليوم بأنها دولة مزدهرة قائمة على التسامح، يقطن فيها أكثر من 200 جنسية، ويزورها سنوياً نحو 15 مليون سائح. كما تفخر بأنها مدت جسور المحبة والتسامح بين الشعوب من خلال المشاريع والأنشطة الثقافية المختلفة التي تنفذها إيماناً منها بأن الثقافة هي أحد المكونات الأساسية لقوتها الناعمة.
تستضيف أبوظبي كل عام القمة الثقافية التي تعد مناسبة مهمة لاجتماع الأطر القيادية التي تعمل في مجال الفنون والتراث والإعلام والمتاحف والسياسة العامة والتكنولوجيا، حيث تكون الفرصة مواتية لبحث دور الثقافة في زيادة التواصل بين الشعوب.

وشهدت أبوظبي في العام الماضي توقيع "وثيقة الأخوة الإنسانية" في اللقاء التاريخي الذي جمع قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف. وتهدف الوثيقة إلى تعزيز العلاقات الإنسانية وبناء جسور التواصل والتآلف والمحبة بين الشعوب إلى جانب التصدي للتطرف وسلبياته.
كما احتضنت أبوظبي اجتماعات "اللجنة العليا للأخوة الإنسانية"، التي تتابع مبادرات وثيقة الأخوة الإنسانية، وفي مقدمتها مشروع "بيت العائلة الإبراهيمية"، المقرر إقامته في جزيرة السعديات بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، والذي سيتم افتتاحه في عام 2022.
وتمثل المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات ملتقى عالمياً للحضارات والثقافات إذ تضم متحف زايد الوطني ومتحف اللوفر أبوظبي ومتحف جوجنهايم أبوظبي والمتحف البحري، ووجود هذه المتاحف، سواء ما أنجز منها وما هو قيد الاستكمال، بقرب بعضها بعضاً يعكس نظرة دولة الإمارات إلى دور الثقافة في تقارب الشعوب.
ويسهم مركز أبوظبي للغة العربية الذي أنشئ مؤخراً في إثراء التبادل الثقافي من خلال طموحه إلى تجسيد وإبراز التنوع في اللغة بوصفها خزيناً للثقافات والتنوع الإنساني. وينطلق مشروع "كلمة" للترجمة، الذي ينهض به المركز من إيمان عميق بأن للترجمة دوراً كبيراً في تشكيل الوعي، والربط بين المجتمعات وتعزيز التقارب بين الشعوب والحضارات. فيما تقوم جائزة الشيخ زايد للكتاب، التي تضم فرعاً للثقافة العربية باللغات الأخرى، بدور مهم في التقارب بين ثقافات العالم المختلفة ومد جسور التواصل والتحاور بينها.
وتسهم المهرجانات الفنية والموسيقية التي تقام في العاصمة أبوظبي وسائر الإمارات الأخرى مختلف، وتستضيف سنوياً عشرات الفرق الفنية التراثية والمعاصرة من مختلف دول العالم، في التعريف بفن وثقافة بلدانها.
لقد أثمرت هذه المشاريع والأنشطة في رسم صورة مُثلى للإمارات في عيون العالم قاطبة، وبناء سمعة رفيعة المستوى مكنتها من إقامات علاقة متميزة مع جميع الدول العالم، وكرّستها دولة سلام ومحبة ووئام.