وزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل في حواره مع الصحافية الأمريكية في دافوس (أرشيف)
وزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل في حواره مع الصحافية الأمريكية في دافوس (أرشيف)
الثلاثاء 22 سبتمبر 2020 / 11:03

عطر التواضع وفوح النجاح

سمير عطا الله - الشرق الأوسط

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن اللبنانيين يريدون أن يحلّوا مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي وقضية الشرق الأوسط والخلافات العربية العربية، والأفضل لهم أن يجروا بعض الإصلاحات في بلدهم، بدءاً بمشكلة الكهرباء.

ويعذرنا الرئيس ماكرون، ولكن نحن شعب لم يكن لدينا مرة الوقت للقضايا الثانوية مثل الكهرباء، وسعر الليرة، والاقتصاد، وأقساط المدارس، ورواتب المعلمين، وحال الطرقات، والمستشفيات المفلسة، والشوارع المليئة بالزبالة، وأزمة الوقود.

أجل يعذرنا المسيو ماكرون، لأنه لا يتابع كما ينبغي أخبار المشاريع التي نقوم بها. وإلا لتذكر مشروع "مركز الحوار العالمي" في لبنان الذي قدمه الرئيس ميشال عون للأمم المتحدة.

صحيح أن الحوار بين اللبنانيين أنفسهم مقطوع، وأننا غير قادرين على تشكيل حكومة، وعلى تنظيف عنبر في الميناء من مفجرات بقوة نووية، ولكن، كما يقال عندنا في البسطا التحتا: "هيدا شيه، وهيدا شيه".

نحن خُلقنا للقضايا الكبرى، ولذلك سمانا شاعرنا سعيد عقل: "شعب لبنان العظيم". وأطلق التسمية من ساحة قصر بعبدا الذي منه قاد قائد الجيش الجنرال عون، حرب تحرير لبنان.

وعندما أطلق عقل تلك التسمية علينا، لم يكن عدد ضحايا الحرب الأهلية قد بلغ 150 ألفاً ومليون مهاجر. هذه أرقام بلغت فيما بعد. وهي من أسباب ما شجع الرئيس عون على اقتراح فكرة "مركز الحوار".

إن تعلق الجنرال عون بمبدأ الحوار أسطوري، أو خيالي، على الأقل.

التواضع طبع في اللبنانيين، يتجلى عادة في اللحظات العالمية الكبرى. كيف يريدنا ماكرون أن ننصرف إلى إصلاح التيار الكهربائي فيما التيار الوطني الحر محاصر "بمؤامرة كونية"؟ هل تقصد بذلك الكون برمّته، المجرة والكواكب السيارة والقطبين... وسلسلة جبال الأنديز؟ أنا قلت لك "كونية" وأنت حدد.

أنت وتواضعك. ولا تنسَ في "تواضع كونيتاك" أننا بلد الشاعر يونس الابن: "لبنان، شو لبنان، هالكَم أرزة العاجقين الكون- هاد قبل ما في كون- كانوا هون".

كان هذا شعراً ممتعاً. ويحق للشاعر، فصحى أو عامية، أن "يعجق" الكون في لزوم قافية. لكن المأساة تقع عندما يصل التواضع إلى ال"سي إن إن"، فقبل عامين كان وزير خارجية الجمهورية اللبنانية جبران باسيل يحضر مؤتمر دافوس الاقتصادي "الكوني"، وبصفته هذه، سألته مراسلة الشبكة: كيف يستطيع لبنان الاستمرار دون موازنة في حين أن بلداً في حجم أمريكا وبريطانيا لا يستطيع ذلك؟ تبسم معاليه ابتسامته اللماعة نفسها، وأجاب: فلتأتيان، أي أمريكا وبريطانيا، لنعلمهما!!

انتهى الاقتباس. ومنذ ذلك التواضع "المهضوم" ونحن نعلم بريطانيا وأمريكا والكون برمته دروس المال والاقتصاد والتواضع. بدل أن يعطينا الرئيس ماكرون النصائح، فليسجل نفسه في دائرة الدروس الخصوصية في الحكم الباهر والتواضع العاطر.