قوارب تحمل مهاجرين لبنانيين (أرشيف)
قوارب تحمل مهاجرين لبنانيين (أرشيف)
الجمعة 25 سبتمبر 2020 / 13:59

هاربون من انهيار لبنان... ألم يُطالبنا الرئيس عون بالهجرة؟

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تقريراً عن الأوضاع المعيشية السيئة للشعب اللبناني، مسلطة الضوء على مهاجرين هربوا بحراً من اليأس والجوع بحثاً عن حياة أفضل.

في 7 سبتمبر(أيلول) الجاري، صعد محمد حسني واثنان من أصدقائه المقربين في قارب متهالك مع عشرات آخرين متجهين إلى قبرص، العضو في الاتحاد الأوروبي، على بعد 100 ميل فقط.

ودفع كل منهم للمهربين 5 ملايين ليرة لبنانية (650 دولاراً) مقابل الوعد بحياة جديدة في أوروبا، إذ باع البعض منازلهم وآخرون ممتلكاتهم الشخصية ومجوهراتهم، إذ لا أحداً ينوي العودة.

وتضرر حسني، 24 عاماً، بشدة من الأزمة الاقتصادية في لبنان، وكان بلا عمل منذ أشهر، وتناوب مع شقيقه على قيادة سيارة أجرة كانا يتقاضيان 50 ألف ليرة في اليوم (أي بقيمة 30 دولاراً) في أكتوبر(تشرين الأول) 2019، ولكنهما يتقاضيان 7 دولارات فقط اليوم، في حين لا يعمل أي من إخوتهما الخمسة الآخرين في وقت تضاعفت فيه أسعار أدوية والدته 3 مرات.

وقال شقيقه علي: "كنا نأمل أن يصل إلى أوروبا، ويحصل على وظيفة ويرسل الأموال لمساعدتنا جميعاً"، ولكن في الأسبوع الماضي انتُشلت جثة محمد حسني من البحر في جنوب بيروت.

فلبنان الذي لطالما كان وجهة أكثر من مليون لاجئ فلسطيني وسوري، يبدو الآن مستعداً ليصبح مُصدِراً للمهاجرين، إذ أدى الانهيار الاقتصادي في البلاد والشلل السياسي الذي تفاقم بعد انفجار بيروت في الشهر الماضي، إلى انهيار أي آمال في المستقبل.

وفي الحرب الأهلية اللبنانية بين 1975 و1990، فر مئات الآلاف هرباً من العنف، والقتل، والتدمير، لكن الأمر مختلف هذه المرة، إنهم يفرون من اليأس.

وأحصت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 18 قارباً مثل قارب حسني غادر لبنان بين 29 أغسطس(آب) الماضي و14 سبتمبر(أيلول) الجاري، أي من عدد القوارب التي غادرت على امتداد العام الماضي بأكمله.

والهروب من لبنان، تتويج لسلسلة كوارث منذ فترة طويلة، لكنها تفاقمت في العام الماضي، إذ بدأ النظام المالي في البلاد في الانهيار ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم مع بقاء الرواتب ثابتة.

وتضاعفت أسعار المواد الغذائية بل تضاعفت ثلاث مرات، وتقلصت الطبقة الوسطى بينما يعيش أكثر من نصف السكان الآن تحت خط الفقر، وفيما كان الأمن الغذائي يمثل مشكلة حتى قبل انفجار آلاف الأطنان من نترات الأمونيوم في 4 أغسطس (آب) الماضي في ميناء بيروت، أدى إلى تدمير صومع الحبوب في الميناء إلى مضاعفة المشكلة.  

وأبرز الانفجار إهمال وعجز الحكومة اللبنانية التي استقالت بعد الكارثة، وجاء الموعد النهائي الفرنسي لتشكيل حكومة جديدة يمكنها إجراء إصلاحات تشتد الحاجة إليها، في وقت سابق من هذا الشهر.

ويجري لبنان محادثات مع صندوق النقد الدولي منذ شهور لتخفيف عبء ديونه الثقيل، لكن زعماء الطوائف اختلفوا بدل إدخال إصلاحات جادة، وفي المقابل دعا الأكثر تضرراً من الانفجار الدول الأجنبية إلى تجنب وضع أموال المساعدات في أيدي الحكومة اللبنانية، خوفاً تحويل وجهتها وسوء إدارتها.

ولأشهر عديدة كان حسن جنج، يبحث عن طريقة للسفر إلى الخارج، بعد أن فقد الأمل بمستقبل له في بيروت المدمرة.

وانضم كنج إلى مجموعة على الواتس آب للبنانيين متجهين إلى فرنسا، ويتبادلون معلومات لوجستية ونصائح لمغادرة لبنان، وبعد أسبوع من صعود حسني على متن القارب في طرابلس، انطلق كنج، 24 عاماً في رحلة  إلى فرنسا.

وقال كنج من منزله الجديد: "كانت الخطة هي قبول للحصول على ماجستير في الخارج، لبداية حياة بعيداً عن لبنان".

أما أمثال حسني، فإن الطريق إلى حياة جديدة أطول وأكثر خطورة، ذلك أن قوارب قليلة تصل إلى أوروبا، والكثير منها يُعاد إلى لبنان على الفور.

وقال خالد حنوف، مدير مشروع في طرابلس في مؤسسة الصفدي، المنظمة التنموية: " ليس للهجرة  حل أمني"، وأضاف "المزيد من الدوريات والمزيد من رجال الشرطة؟.. هذا ليس حلاً فعالاً، الشباب يأتون إلينا ويطلبون تدريباً وظيفياً لإكسابهم مهارات العمل في الخارج، لا في لبنان، الجميع يريد الخروج".

وأوضح قائلاً: "نحن في حاجة إلى مزيد من الإجراءات على مستوى السياسات، لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية العديدة في لبنان، المشكلة ليست في البحر فقط".

وبالعودة إلى حسني، فبعد يوم من مغادرته الشاطئ في رحلة كانت ستطول 40 ساعة قبل الوصول إلى قبرص، كان من الواضح أن قاربه ضاع في البحر، ونفد وقوده من القارب، ولم يبق طعام أو ماء.

وعندما بدأ الموت يفتك بالركاب، وبينهم طفلان، تُركت جثثهم طافية في البحر الأبيض المتوسط، وربط الناجون رسالة على جثة أحد الضحايا، على أمل أن يتمكن أحدهم من رؤيتها لتحديد مكانهم وإنقاذهم.

وأنقذ القارب في النهاية بعد 8 أيام في البحر، لكن بعد أن قفز حسني قفز منه وحاول السباحة طلباً للمساعدة، وتوفي 4، ولا يزال آخرون في عداد المفقودين.

وقالت ليزا أبو خالد من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: "إنهم يتفهمون المخاطر، ولا يزالون على استعداد لتحمل هذه المخاطر".

وحملت زينب كعك، جثة رضيعها، 18 شهراً، بين ذراعيها 3 أيام بعد وفاته على نفس القارب، وفي النهاية، أقنعها زوجها بوضع جثته في الماء.

وعندما أعيدت مع الناجين إلى لبنان، رفضت زينب النزول من القارب، وتشبثت به.

وقالت وهي جالسة في شقة والد زوجها في طرابلس هذا الأسبوع: "ليس لدينا شيء هنا"، في انتظار اختبار الحمض النووي للتأكد من جثة الصغير التي سُحبت من البحر.

وأضافت "تحاول الأسرة منذ فترة طويلة الهجرة، لكن بعد انفجار 4 أغسطس(آب) الماضي، أصبحت يائسة، نشعر الآن أنه لا يوجد أمان هنا".

وأشارت شقيقة كعك إلى تصريحات الرئيس عون في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي، قائلة: "ألم يقل الرئيس أن على الذين لا يحبون هذا البلد، أن يهاجروا؟"، مشيرةً إلى أنهم حاولوا الهجرة "ولكن الله لم يساعدنا وفقدنا ولداً".

وأضافت "لا نلوم المهربين على ما حدث، بل نلوم الحكومة على الظروف التي خلقتها، فالمهربين يفعلون ما في وسعهم للحصول على بعض المال".

وأعيد جثمان حسني إلى طرابلس بعد أسبوعين تقريباً من مغادرته، وتجمع الأصدقاء والأقارب قرب سيارة الإسعاف التي تنقل جثمانه، وفي اليوم التالي أقام شقيقه علي، ما أسماه حفل زفاف وليس جنازة.

وقال علي إنه أقام حفل زفاف لأنه كان سعيداً، وأراد رؤية أخيه "يغادر لبنان إلى مكان أفضل، أعطاه الله ذلك، الآن هو في الجنة".