عبد الله بن زايد متوسطاً البحرين وإسرائيل خلال مراسيم التوقيع في البيت الأبيض (وام)
عبد الله بن زايد متوسطاً البحرين وإسرائيل خلال مراسيم التوقيع في البيت الأبيض (وام)
السبت 26 سبتمبر 2020 / 11:31

السلام والتحولات العالمية

محمد خليفة - الخليج

اتفاقية السلام سيكون لها مردود سياسي واقتصادي كبير على كافة الشعوب المحبة للسلام.

حاولت اتفاقية السلام تقديم تصور شامل للحقيقة الكامنة على مستوى الأنساق الكبرى للتاريخ والمجتمع والإنسان. وسعت إلى تحقيق استقلالية الدول في اتخاذ قراراتها السيادية، وضمان استقلاليتها في التعبير عن مصالحها الخاصة.

وهو الأمر الذي يعتبر انتصاراً للإنسان الحديث، وهو معيار الحداثة الفكرية والنضوج العقلي، عبر أسئلة كثيرة، تكشفها إجابات عميقة، بعد سبر أغوار تاريخ الإنسان والإنسانية. فالإيمان بإله واحد خالق انطلقت منه شتى الاعتقادات، ومنها الدين التوحيدي "الإبراهيمية"، أصل الأديان السماوية، الذي يمنح للإنسان صورة موضوعية عن الحقيقة والصدق التاريخي وتوظيفه لمصلحة البشرية كافة، لأن الديانات التوحيدية ديانات إلهية الاعتقاد والمصدر من خلال الوحي المنزل على كافة الأنبياء والرسل، من أجل تنظيم الحياة الإنسانية في العلاقة بالناس والكون والحياة.

وتفرز العقيدة في الشريعة مجموعات من القيم الأخلاقية المرتبطة بالدين، وجوهر الإسلام هو تحقيق طاعة الإنسان لله، وإعلان خضوع الإرادة الإنسانية لإرادة الخير والسلام. فالطبيعة الإنسانية خيّرة بالفطرة والحياة الإنسانية خيّرة. وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية والتعاون الدولي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، في واشنطن من أن "السلام يحتاج إلى شجاعة، وصناعة المستقبل تحتاج إلى معرفة، والنهوض بالأمم يحتاج إلى إخلاص ومثابرة".

وأضاف: "لقد أتينا اليوم لنقول للعالم إن هذا نهجنا والسلام مبدأنا، ومن كانت بداياته صحيحة ستكون إنجازاته مشرقة"، خصوصاً بعد أن برزت تحولات عالمية جذرية على المستويين السياسي والأصوليات على الصعيد العالمي والأخلاقي بهدف تدمير النزعة التضامنية، ما يجعل العالم في حاجة إلى السلام وإعادة النظر في التعريفات الإيديولوجية، لأن التطور والتقدم متماثلان، والتحولات هي الوسيلة المشروعة التي يتحقق بها التقدم الضروري.

ولا خلاف على أن الحتمية السياسية هي أحد الأركان الأساسية للمادية الجدلية والمادية التاريخية معاً؛ حيث يتوجب على الجميع في هذه الحقبة العودة إلى العقل، وألا نكتفي بالبحث عن معاني الأحداث؛ بل يجب أن نعطي الأحداث معانيها، من خلال معرفة مرتكزات الحقيقة الجديدة التي تدخل بنا هذا القرن، حيث الحدود المفتوحة وقوانين السوق وشيوع الليبيرالية الجديدة في الميادين السياسية والاقتصادية، ومركزية الثقافة الواحدة، وغلبة التكنولوجيا، وإلغاء المسافات الذهنية، والفوارق السياسية بين الشعوب والأمم، واحترام القوانين الدولية.

ولن يرتقي العالم إلى تلك الأهداف ما لم تكن أفكارنا معاصرة ومتواصلة مع تاريخها، وأن نتشرب المعرفة العملية والعلمية والعوامل الأساسية التي تحكم سير الوقائع، وأن نقوم باستنباط القوانين الثابتة التي بموجبها تتطور الأمم والدول بالسلام. فالسلام حاجة أساسية لبناء المجتمعات البشرية، فلا يمكن تحقيق التنمية في أي دولة طالما أنها في حالة عداءٍ أو حرب مع دولة أخرى. وما تجنيه الشعوب من السلام هو أكبر بكثير مما تجنيه من خلال الحروب، خصوصاً في هذا العصر الذي باتت فيه الحروب تعني الفناء للإنسان ولكل مقومات الطبيعة.

وقد أسس المغفور له الراحل الشيخ زايد، طيب الله ثراه، دولة الإمارات العربية المتحدة على أساس السلام، واحترام مختلف الدول والشعوب.

وقد سارت القيادة الحكيمة على هذا النهج، فكانت دولة الإمارات ولا تزال مثالاً للدولة الصادقة المتسامحة، تفتح ذراعيها لكل قادم إليها دون تمييز، وفق ثقافة تنزع إلى حب الآخر واحترامه وتقديره، تدافع عن الحق، وكانت ولا تزال أكثر المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني، وإيمانها بعدالة قضية فلسطين هو أمر لا يمكن المساومة عليه أبداً، غير أن الظروف الدولية لا تسمح باستمرار هذا الصراع مفتوحاً؛ ولذلك فالسلام هو الحل، واتفاقية السلام سيكون لها مردود سياسي واقتصادي كبير على كافة الشعوب المحبة للسلام. والإمارات بقرارها إقامة علاقات سلام مع إسرائيل إنما تترسم طريقها بدقة لتحقيق غايتها المرجوّة في الوصول إلى التنمية المستدامة، وتحقيق السعادة لشعبها ولجميع المقيمين على أرضها.

وهذا النهج الأصيل هو الذي يجعلها دولة ناجحة ومحبوبة على نطاق عالمي واسع. وطالما أن مفردات العالم اليوم تقوم على التعاون الجماعي، فإن أي صوت يعارض ذلك هو صوت غير مقبول، ولا مكان له على الخريطة السياسية والاقتصادية؛ فالتعاون بات قدر الشعوب للتغلب على المشاكل الكثيرة التي تعترض طريقها، في سبيل تحقيق التنمية، خاصة الأمراض الخطيرة التي أصبحت واقعاً ينبغي التأقلم معه في عالم اليوم.