الثلاثاء 29 سبتمبر 2020 / 00:55

حصن كيفا التركية...مدينة تاريخية أغرقها سد إيليسو

لا شيء يذكر بأن مدينة حصن كيفا التركية التاريخية، تقبع تحت بحيرة اصطناعية ابتلعتها بعد إقامة سدّ مثير للجدل، سوى سطحين وحيدين يظهران من تحت مياه هذا الحوض.

وتقع مدينة حصن كيفا على ضفاف نهر دجلة في جنوب شرق تركيا، وكانت في الماضي تستقطب أعداداً كبيرة من السياح يأتون ليشاهدوا معالمها التاريخية من العصر الروماني إلى العثماني، مروراً بالبيزنطي.

وأدى بناء سدّ إيليسو المثير للجدل إلى نزوح سكان حصن كيفا، وغالبيتهم من الأكراد، إلى منطقة أخرى، ونُقِلَت بعض المعالم الأثرية التاريخية.

تبدو حصن كيفا الجديدة اليوم ورشة، لا يهدأ فيها صوت الحفارة والمطرقة الهزازة، ويغطي الغبار سوقها التجارية وطرقها غير المكتملة.

ولم يتوانَ بعض أبناء حصن كيفا عن نقل قبور أقربائهم إلى الموقع الجديد عندما اضطروا إلى مغادرة مدينتهم التي يعود تاريخها إلى 12 ألف عاماً.

ونُقِلَ 500 قبر إلى حصن كيفا الجديدة في سبتمبر (أيلول)، فيما غمرت المياه القبور المتبقية التي لم يتسنَ نقلها في الوقت المناسب.

ويشكّل سدّ إيليسو ركناً رئيسياً في "مشروع جنوب شرق الأناضول"، وهو خطة لترتيب الأراضي، تهدف إلى تنشيط اقتصاد هذه المنطقة ارتكازاً على الطاقة والريّ، بعدما بقيت طويلاً عرضةً للإهمال.

وحاول عدد من السكان والمدافعين عن الإرث الثقافي إقناع الحكومة بصرف النظر عن إقامة السدّ وإنقاذ المدينة الأثرية، ولكن عبثاً.

واختفت أعمدة الجسر القديم التي كانت تجذب هواة التصوير، والكهوف المحفورة في الصخور الكلسية عبر العصور للإقامة فيها.

ويقول المتحدث باسم جمعية "إنقاذ حصن كيفا" رضوان أيهان: "إنه أمر مأسوي جداً، فكل ماضيك، وأجدادك، وتاريخك، تغمرها المياه فجأة".

وشنت الجمعية حملة ضد السدّ، لكنّ الحكومة التركية ترفض أي انتقاد، مؤكدة أن معظم المعالم الأثرية في حصن كيفا نُقِلَت، وأن مدينة جديدة شيّدت في موقع قريب لإعادة إسكان أهالي المدينة التاريخية البالغ عددهم نحو ثلاثة آلاف.

وتؤكد السلطات أن المدينة الجديدة ستصبح مركز استقطاب للسياح، إذ سيتاح لهم التنزه في بحيرة السدّ بالقارب، وزيارة "حديقة الآثار" التي نقلت إليها المعالم الأثرية من موقعها الأصلي، وبينها حمام تركي ومسجد من القرن الرابع عشر.

وينقل التاجر بولند بصران، عن السلطات تأكيدها أن حصن كيفا سيكون بمثابة "بودروم أو مرمريس الشرق"، في إشارة إلى المدينتين السياحتين الشعبيتين على الساحل الغربي لتركيا.

لكن غياب السياح بسبب جائحة كورونا، وتأخر اكتمال إنجاز البنية التحتية للمدينة الجديدة لا يدفع بصران إلى التفاؤل إطلاقاً، ويقول: "في الوقت الراهن، لا أرى الضوء في نهاية النفق. ربما بعد خمس سنوات، عندما تُحلّ هذه المشاكل، ستصبح الأمور مختلفة".

ويرى رضوان أيهان من جمعية "إنقاذ حصن كيف" أن من "السخيف" انتظار عودة السياح إلى حصن كيفا التي كان يزورها في السابق سياح للاطلاع على معالمها التاريخية والتمتع بالمنظر من أعلى القلعة الرومانية، ويلاحظ أن "الدافع للمجيء إلى حصن كيفا لم يعد قائماً لأن أي أثر لتاريخها لم يعد موجوداً".

ويتوقع أن يقتصر الزوار على "الذين يأتون مرة واحدة بدافع الفضول، ليروا كيف اختفت المدينة".