دبابة تركية في مدينة عفرين السورية (أرشيف)
دبابة تركية في مدينة عفرين السورية (أرشيف)
الأربعاء 30 سبتمبر 2020 / 21:07

أنقرة تُرغم 600 ألف طفل سوري على تبنّي أيديولوجيا حزب أردوغان

24 - باريس - إعداد: عبدالناصر نهار

فيما يواصل أطفال سوريون العيش في مخيمات اللاجئين بتركيا، التي جاؤوها صغاراً أو ولدوا فيها، تجاهل الحكومة التركية مصير ما يزيد عن 375 ألف طفل سوري في عُمر الدراسة لا يتلقون اليوم أي تعليم، رغم تمويل الاتحاد الأوروبي لمدارس يُفترض أنها لهم.

ويتزامن ذلك مع تغنّي حزب العدالة والتنمية الحاكم ببوجود أكثر من 600 ألف طفل سوري في المدارس الحكومية ومراكز التعليم المؤقتة في المخيمات، وسط اتهامات بتغذية الفكر المُتطرف بالتركيز على التعليم الديني، وزرع أفكار حزب العدالة وتنظيم الإخوان المسلمين في عقولهم، وتجنيدهم مرتزقة للقتال في ليبيا ودول أخرى رغم صغر سنّهم.

إغلاق مدارس 
وشهد النظام التعليمي التركي قرارات متناقضة ومزاجية في سنوات الحرب السورية، وصل إلى درجة إغلاق مدارس مُعتمدة محلياً ودولياً أسسها سوريون، بجهودهم وأموالهم، خلال 24 ساعة دون اكتراث بمصير الطلبة السوريين وإيجاد بدائل لهم، بحجة دمجهم في النظام التعليمي التركي.

وفيما يعيش في تركيا اليوم فعلياً قرابة 3 ملايين سوري، حوالي مليون منهم في سن الدراسة، ولا تتجاوز تبلغ نسبة المُلتحقين منهم بالمدارس 60% فقط، ويتلقى أغلبهم التعليم بجهود خاصة وليس بدعم حكومي كما تدعي حكومة حزب العدالة.

ورغم أنّ الاتحاد الأوروبي يسعى بدوره للتصدي لخطر ضياع أجيال من الأطفال السوريين اللاجئين في تركيا، بتخصيص ما يزيد عن 900 مليون يورو لتعليمهم من أصل 6 مليارات يورو منحتها أوروبا لتركيا لصرفها على اللاجئين في أراضيها، إلا أنّه من غير المعروف إن كانت تركيا تستثمر هذه الأموال بالشكل الصحيح وسط مُطالبة أنقرة بالمزيد من الأموال الأوروبية.

ولا يتطرق المسؤولون الأتراك، خاصة في وزارة التربية التركية إلى مصير أكثر من 375 ألف طفل سوري في سن الدراسة، ولكنهم لا يُتابعونها، فيما تُشدّد الاتفاقيات المُبرمة بين تركيا والاتحاد الأوروبي على إيصال الدعم المالي لتعليم أطفال اللاجئين السوريين، وذلك عبر دمجهم في المدارس الحكومية التركية.

استقطاب للاستغلال
ودأبت تركيا منذ 2011 على استقطاب اللاجئين السوريين وفتح الحدود لهم بُحرّية واسعة، وبنت لهم مخيمات حتى قبل وصولهم بأسابيع تحريضاً وإيهاماً بالوقوف إلى جانبهم في وجه النظام السوري، وذلك لاستخدامهم ورقة ضغط سياسية مع دول المنطقة، فضلاً عن تهديد الاتحاد الأوروبي بفتح المجال لهم للهجرة نحو أوروبا، كما حدث في مناسبات كثيرة آخرها في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين.

وتُواجه خطوات السلطات التركية لدمج الطلاب السوريين مع نظرائهم الأتراك بناء على اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، الكثير من العقبات أهمها صعوبة التفاهم بين الشريحتين وتنامي مشاعر العنصرية التركية والعُثمانية.

تتريك وتعليم ديني
وأدرجت تركيا محور الدين ضمن خُططها الأهم والأخطر لتتريك المناطق السورية التي تُسيطر عليها عبر فصائل سورية مسلحة موالية لها تماماً، بالتوازي مع تغيير ديموغرافي واسعة في تلك المناطق المُحتلة، بينما تفرض اللغة والتاريخ التركيين على الطلبة السوريين بكل ما يحمله ذلك من تزوير للحقائق والوقائع التاريخية والثقافية.

ويُشرف مُدرسّون أتراك على تنسيق توزيع الكتب التركية على المدارس في مدن عفرين، وجرابلس، والباب، وإعزاز، والراعي، وأخترين ومارع، وتل أبيض، ورأس العين، ضمن مناطق ما يُسمّى "نبع السلام".

وفي إطار فرض الفكر الديني على السوريين، تقدم جمعية "شباب الهدى" السورية الأهلية، خدمات اجتماعية وأنشطة دينية في منطقة عفرين بمحافظة حلب السورية، شمال غرب البلاد، بالتعاون مع وقف الديانة التركي. وتنظم الجمعية دورات دينية للأطفال والبالغين في عفرين والبلدات والقرى المجاورة، وفي بلدة الراعي في محافظة حلب، وتزعم أنها تُقيم حلقات توعية ضد المنظمات "الإرهابية" والفكر المتطرف.

سيطرة دينية
وتلعب رئاسة الشؤون الدينية التركية "ديانت" دوراً مُثيراً للجدل في المناطق التي تمكّن الجيش التركي من السيطرة عليها في شمال سوريا، إذ تُشرف على تنفيذ خطط استراتيجية لنشر عقيدة إسلامية مُستنسخة من أفكار حزب العدالة، ومُعتقدات تنحدر من أدبيات تنظيم الإخوان المسلمين، التي تشكل أحد المكونات الرئيسة لفكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي عمل من خلال "ديانت" على خلق قوة دينية للسيطرة على المسلمين داخل وخارج البلاد بالتعاون مع وكالة الاستخبارات التركية.

وعلى سبيل المثال، أصبحت المؤسسات التعليمية والدينية والصحية كافة في ريف حلب الشمالي تحت سيطرة "ديانت"، وشبكة كبيرة من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية التابعة لها، والتي تدور في فلكها، فيما بات أئمة المساجد ورجال الدين تابعين لـِ "ديانت" بشكل مباشر، والتي عملت على بثّ تسجيلات تلفزيونية بالعربية لنشر تعاليم دينية هدفها تغيير الطابع الفكري والعقائدي التاريخي للسكان المسلمين السنة في مناطق الاحتلال التركي شمال سوريا.

وكشفت تقارير محلية أن هناك أكثر من 14 ألف طالب سوري في الشمال يتلقون تعليمهم تحت إشراف مباشر من "ديانت"، بينما تؤكد مصادر من المعارضة السورية أن الكثير من المُنضمين للعمل في صفوفها شمال سوريا، من المدرسين والإداريين، هم أعضاء حاليون أو سابقون في تنظيم الإخوان المسلمين ومؤيدون للفصائل المُسلحة التي تدور في فلكه.

ولا يتوقف العمل الأيديولوجي لأنقرة على نشر الفكر الديني فقط بين السوريين، بل يمتد لعامل القومية التركية، بما يقود بالتالي إلى عقيدة "الغزو العثماني" القائمة على المُعتقدات الدينية التي يؤمن بها أردوغان، وتسويق أنّ الإسلام هو تركيا، وتركيا هي الإسلام.