بايدن وترامب خلال مناظرة تلفزيونية (أرشيف)
بايدن وترامب خلال مناظرة تلفزيونية (أرشيف)
الإثنين 26 أكتوبر 2020 / 11:20

الشرق الأوسط الغائب عن المناظرة

مأمون فندي - الشرق الأوسط

طوال ساعة ونصف من المناظرة الرئاسية الأخيرة المثيرة والحاسمة في تحديد الأجندة والأولويات المحرِّكة للناخب الأمريكي لم تُذكر عبارة الشرق الأوسط ولو مرة واحدة.

فماذا يعني غياب الشرق الأوسط عن المناظرة الرئاسية الأخيرة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومنافسه نائب الرئيس السابق جوزيف بايدن؟ الناظر من منطقتنا ربما يتصور أن ما يحدث في الشرق الأوسط من حرب أو سلام قد يؤثر على قرار الناخب الأمريكي، لكن الحقيقة مخالفة لذلك تماماً، إذ لم يجد الشرق الأوسط كله لنفسه مكاناً في حبكة القصة الأمريكية التي تشكِّل وعي الناخب الأمريكي في التصويت لصالح ترامب أو بايدن.

بداهةً هذا لا يعني أن الشرق الأوسط ليس بالمنطقة المهمة في الواقع، فالشرق الأوسط منطقة بالغة الأهمية لأمن الطاقة العالمي وقضايا كثيرة أخرى، لكنّ هذه الأهمية لا تقترب أبداً من أولويات الناخب الأمريكي الذي تحرِّكه قضايا الصحة والتعليم والبطالة والاقتصاد بشكل عام.

هنا قد يتساءل القارئ: إذا كان الأمر كذلك وأن القضايا الخارجية ليست مهمة فلماذا تنفق اللوبيات المختلفة أموالاً طائلة لدعم حملات المرشحين، فلماذا تدعم اللوبيات اليهودية مثل "إيباك" مثلاً هذه الحملات إذا كان الشرق الأوسط كله ليس مهماً؟ هذا سؤال سأجيب عنه في نهاية هذا المقال.

النقطة الرئيسية هنا هي أن الناخب الأمريكي يصوّت للقضايا الداخلية، والحرب والسلم مهم بالنسبة إليه إذا كان يمسه بشكل شخصي ومباشر، بمعنى إرسال ابنه لدخول حرب خارج الحدود قد يخسر فيها حياته. غير ذلك تبقى قضايا الخارج محدودة أو عديمة التأثير في اختيار الناخب الأمريكي لرئيسه.

يمكنك أن تقول إن الناخب الأمريكي منغلق على نفسه ولا يهتم بالسياسة الخارجية، أو إن من اتفقوا على أسئلة المناظرة الأخيرة لا يهتمون بما يحدث خارج أمريكا، كل هذا جائز، ولكن ما نعرفه حقيقة عن السياسة أنها في معظمها محلية وأن الأطراف الخارجية مهما كانت قدراتها، فإن تأثيرها محدود على خيارات الناخب الأمريكي.

يمكن مناقشة الدور الخارجي في إطار قضايا الأمن القومي، وهو الجزء الذي خصصت فيه مديرة المناظرة كرستين والكر، وقتاً لتدخل روسيا والصين وأُضيفت إليهما إيران هذه المرة، وهي الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي ذُكرت بشكل عابر ولمرة واحدة في المناظرة، غير ذلك لم تُذكر عبارة الشرق الأوسط في المناظرة الرئاسية الأخيرة ولو مرة واحدة.

إذ تركز الحديث في محور السياسة الخارجية على الصين وروسيا وكوريا الشمالية، فإنه حتى في هذا الأمر كان المرشحان يعودان مرة أخرى إلى السياسة الداخلية، وأي الدول التي دفعت أموالاً لابن جو بايدن، أو هل كان لترامب حساب سري في بنوك الصين.

على الرغم من أن الانتخابات الأمريكية تحظى باهتمام عالمي بصفة أمريكا قوة عظمى تؤثر سياساتها على معظم مناطق العالم، فإن هذا العالم لا يحظى بذات الأهمية في ذهن الناخب الأمريكي. أي أن السياسة الخارجية تبقى دوماً هامشية في الانتخابات الأمريكية، مهما تصورت الأطراف الخارجية أنها مهمة كحليف أو عدو لأمريكا.

انتخابات الرئاسة الأمريكية يكسبها أو يخسرها المرشحون بناءً على أجندتهم الداخلية. إذ خسر بوش الأب الانتخابات رغم انتصاره في تحرير الكويت، وكان شعار حملة كلينتون يومها "إنه الاقتصاد يا غبي" هو الشعار الحاسم في مصير الانتخابات الرئاسية. الرئيس الأسبق جيمي كارتر أيضاً خسر الانتخابات رغم إشرافه على معاهدة سلام تاريخية بين مصر وإسرائيل كانت الأولى من نوعها.

فهل بعد هذا يتصور البعض أنه قادر على أن يرجّح كفة مرشح رئاسة أمريكي على كفة الآخر بناءً على دعم سياسي خارجي؟ الدعم الذي يؤثر في الانتخابات الأمريكية هو الدعم المالي لا الدعم السياسي، وفي هذا تتفوق اللوبيات خصوصاً اليهودية منها، فهم يدعمون حملة المرشح بغضّ النظر عن القضايا المطروحة محلياً، يساعدون المرشح في الترويج لحملته بناءً على أجندته الداخلية والتي ستأخذه إلى البيت الأبيض، ومتى ما وصل الرئيس إلى البيت الأبيض وشكّل حكومته، هنا تبدأ عملية الحساب والفواتير التي يجب على الإدارة الجديدة تسديدها للوبيات التي دعمتها لتصل إلى البيت الأبيض.

إذن دعم المرشح لا يكون لتبني قضايا خارجية في حملة داخلية، ولكن من أجل دعم رئيس تبادلهم حكومته فيما بعد المصالح من خلال قرارات تصبّ في صالحهم، مثل قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الذي اتخذته إدارة دونالد ترامب.

دعم الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة يتطلب فهماً لميكانزمات المجتمع الأمريكي وكيف يعمل عقل الناخب الأمريكي والعوامل التي تؤثر في قراره.

احتل "كوفيد – "9» مركز الدائرة في المناظرة الأخيرة في ناشفيل بولاية تينيسي في الجنوب الأمريكي، وبعدها أو معها جاء الاقتصاد. كانت أيضاً صفات القيادة أساسية في تلك المناظرة، وكانت الأسئلة تصب في معرفة القدرات العقلية لرجلَين تخطى كل منهما سن السبعين ومدى صلاحيتهما الذهنية لقيادة القوة العظمى التي تنافسها الصين بشراسة على قيادة العالم.

الخارج بالنسبة للانتخابات الأمريكية يبقى خارج اهتمامات الناخب الأمريكي أياً كانت تصوراتنا عن مدى أهمية قضايانا.

إذن غياب الشرق الأوسط عن المناظرة الأخيرة يأتي ليس لأنه ليس مهماً، فقد غابت أوروبا وغابت أمريكا اللاتينية باستثناء قضايا الهجرة التي هي داخلية في الأساس. غياب الشرق الأوسط يبقى ضمن غياب الخارج في انتخابات أساسها كانت دوماً القضايا الداخلية ولا شيء غيرها.