الخميس 21 يناير 2021 / 15:03

كيف تؤثر أزمة العراق الاقتصادية على قطاعه الأمني؟

رأت الباحثة العراقية في معهد "بروكينغز" الأمريكي مارسين الشمري أن انعدام الأمن الإقتصادي في العراق يؤدي إلى عجز المُواطنين ويُغذي الفساد ويُقوّض الديموقراطية، مشيرة إلى أنه على الرغم من الضغوط المالية، فإن هنالك زيادات في ميزانيات قطاع الأمن بما يزيد من المحسوبيات.

بينما طالب النشطاء السياسيون القدامى بإصلاحات انتخابية وسياسية، يُطالب المتظاهرون مثل الكثير من العراقيين بمستقبل اقتصادي آمن. وهؤلاء مُعرّضون لأن يقعوا فرائس للأحزاب السياسية ذات الموارد الجيدة

وكتب الشمري أن العراق دخل عام 2021، وهو يُعاني أزمة اقتصادية تفاقمت بسبب جائحة كوفيد-19 وانخفاض أسعار النفط. ومنذ أشهر، بدأت مظاهر هذه الأزمة تطفو على السطح، من خلال التأخّر في دفع رواتب المُوظّفين الحكوميين والمتقاعدين، وقرار المصرف المركزي العراقي تخفيض قيمة الدينار العراقي المرتبط بالدولار الأمريكي بمعدل 23%. التوتر في الشارع بارز، وعلى الرغم من الضغوط المالية، فإن ميزانية الحكومة المُقترحة تُعادل تقريباً الميزانية الأخيرة التي أُقرَّت عام 2019.

ومع ذلك، هناك زيادة في ميزانيات قطاع الأمن، بما فيها تلك المُرتبطة بوزارات الدفاع والداخلية، وقوات مُكافحة الإرهاب، وقوات "الحشد الشعبي"- وهي مجموعة من الميليشيات تأسّست بهدف المُساعدة في هزيمة "داعش" عام 2014- ما يجعل هذه الميليشيات والكيانات السياسية المرتبطة بها، جهات مؤثرة بقوّة وسط أزمة اقتصادية يكون فيها الشباب العراقي، المُحاصر اقتصادياً، معرضاً أكثر للمحسوبيات.

نتائج عنيفة

وأضافت أنه على مدى عقود، أظهرت أبحاث العلوم السياسية أن المظالم الإقتصادية -خصوصاً عندما تُصيب الشباب- يُمكن أن تؤدي إلى نتائج عنيفة، بما في ذلك الحرب الأهلية. وبالإضافة إلى الخوف من عودة العنف، فإن الظروف الاقتصادية الصعبة توفر فرصاً للمحسوبية التي تقوم على تبادل المصالح والخدمات مقابل الدعم الإنتخابي والسياسي. وقد أظهرت الإحتجاجات التي اندلعت في عام 2019، أن مطالب المحتجين تتمحور حول العمل والاستقرار المالي، أثناء الأزمات الاقتصادية وقبل الانتخابات، وهذا الأمر يجعلهم أهدافاً سهلة للزبائنية التي ينتهجها بعض السياسيين.

الزبائنية السياسية
لا يعاني العراق نقصاً في السياسيين الزبائنيين، خصوصاً أولئك الذين يستنزفون موارد الدولة (بدلاً من ثرواتهم الشخصية) ويُسخّرونها لمُؤيديهم. يُشير الانخفاض الأخير في أسعار النفط، وتراجع ثروة الدولة بشكل عام، من الناحية النظرية، إلى أن الكيانات السياسية القريبة من الدولة ستُعاني تراجعاً في قوتها. إلى ذلك، فإن الإنخفاض في أسعار النفط سيؤدي إلى إضعاف الحالة الإقتصادية للموظفين الحكوميين، وهذا ما يُمكن أن يُقلّل من كلفة شراء الأصوات، خصوصاً بين الأحزاب السياسية والفصائل التي لن تتأثر ثروتها كما هو واضح في الميزانية المقترحة.

الميزانية المقترحة
زادت الميزانية الاتحادية لعام 2021- التي تنتظر مُوافقة البرلمان- من مُخصّصات وزارة الدفاع بنسبة 9.9%، ووزارة الداخلية بنسبة 9.7%، وجهاز مكافحة الإرهاب بنسبة 10.1%، وقوات "الحشد الشعبي" بنسبة 45.7%، مقارنة مع ميزانية عام 2019. لم تُقرّ الحكومة العراقية ميزانية لعام 2020، بسبب الإضطرابات السياسية في حينه.

وبالنظر إلى أن أحزاب سياسية مُعينة تُسيطر على الوزارات العراقية، فإن هذه الزيادات تعني تسخير ثروة الدولة لصالح مجموعة من النخب المُتجذّرة في النظام السياسي، في وقتٍ يُعاني فيه المُواطن العراقي العادي ضغوطاً اقتصادية كبيرة. علاوة على ذلك، وكما يُوضح تقرير معهد "بروكينغز"، فإن بعض الميليشيات تتحكّم بالمناطق الحدودية، ومشاريع إعادة الإعمار، ما يسمح لها بتأمين أموال إضافية من الأسواق غير المشروعة، وتقديم فرص عمل غير رسمية في أوقات تفشّي البطالة.

كسب المؤيدين
وتتزايد هذه الحوافز مع اقتراب الإنتخابات، التي اقترح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، عقدها في يونيو (حزيران) 2021 (قبل إرجائها إلى أكتوبر). ومع اقتراب هذا الموعد سوف تتّجه الجهات السياسية -بما فيها قوات "الحشد الشعبي"- إلى الجمهور العراقي لمحاولة كسب المزيد من المؤيدين، كما فعلت في الانتخابات السابقة عام 2018. في الواقع، فإن ندرة فرص العمل، بالإضافة إلى بروز "داعش" في عام 2014، دفعا الآلاف من العراقيين للانضمام إلى قوات "الحشد الشعبي" كمُتطوّعين. وقد تضخّمت قوات "الحشد الشعبي" بفضل قدرتها على توفير فرص العمل، خصوصاً للشباب.

علاقة عدائية
وانتقد نشطاء المجتمع المدني المجموعات شبه العسكرية، لانخراطها في أعمال عنف عشوائية ضدّ المتظاهرين عام 2019، بالإضافة إلى تورّطها في أعمال ترهيب واغتيالات في وقتٍ لاحق. وفي الواقع، كان كبح نفوذ هذه المجموعات، وحصر السلاح في يد الجهات الأمنية التقليدية، من بين مطالب المتظاهرين الرئيسية. ومع ذلك، فإن هذه العلاقة العدائية بين المتظاهرين والمجموعات شبه العسكرية، لا تضمن أن المواطن العادي لن يكون هدفاً للمحسوبية.

فرائس للأحزاب
وبينما طالب النشطاء السياسيون القدامى بإصلاحات انتخابية وسياسية، يُطالب المتظاهرون مثل الكثير من العراقيين بمستقبل اقتصادي آمن. وهؤلاء مُعرّضون لأن يقعوا فرائس للأحزاب السياسية ذات الموارد الجيدة.

ورأت الباحثة أنه لا يُمكن فصل المخاوف من استمرارية المجموعات شبه العسكرية وعلاقاتها بالدولة وسيطرتها عليها، عن مناقشة مستقبل العراق الإقتصادي، وقدرته على توفير احتياجات مواطنيه المتزايدة باستمرار.

واستشهدت الشمري بأن استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة "أراب باروميتر" أظهرت أن نحو 80% من العراقيين، الذي شملهم الاستطلاع، وصفوا الوضع الاقتصادي في بلادهم بأنه "سيء" أو "سيء جداً". وفي الاستطلاع نفسه، كانت الإجابة الأكثر شيوعاً حول أهم التحدّيات التي تُواجه العراق إما "الإقتصاد" وإما "الفساد المالي والإداري".