الأحد 28 فبراير 2021 / 12:21

تداعيات خطيرة لتوغل تركي محتمل في سنجار

دعت الباحثة الزائرة في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" نُسيبة يونس الدول الأوروبية إلى منع تركيا من شن عملية عسكرية في جبال سنجار شمالي العراق. ستطلق خطوة كهذه نتائج عكسية وتضعف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي يواجه معاناة في إدخال إصلاحات سياسية واقتصادية ملحة بينما ستمكن فصائل الحشد الشعبي من تعزيز وضعها السياسي والعسكري.

سيقوض التوغل التركي الانتصار السياسي الذي أمنه اتفاق سنجار للكاظمي ويعيد تلميع صورة ميليشيات الحشد الشعبي وغيرها على أنها تدافع عن العراق بدلاً من الحكومة المركزية

علاوة على ذلك، من غير المرجح أن تحقق تركيا مكاسب مستدامة ضد حزب العمال الكردستاني الذي سيحظى بمساندة المجموعات الإيرانية الموجودة في المنطقة.

تحديات
أسس حزب العمال الكردستاني المصنف على لائحة الإرهاب الأوروبية قاعدة عسكرية في سنجار سنة 2015 بعد سنة على مساعدته الأيزيديين في الهرب من تقدم داعش. سعى حزب العمال إلى ترسيخ نفسه داخل المجتمع الأيزيدي الأمر الذي انتقدته أنقرة بشدة لأنها تنظر إلى المجموعة على أنها تهديد لأمنها القومي. ويفرض الحزب تحديات على الحكومة الفيديرالية العراقية والسكان المحليين. سنجار هي واحدة من مناطق عدة تطالب بغداد وحكومة كردستان الإقليمية ببسط سيطرتها عليها. وتم إجبار الحزب الديموقراطي الكردستاني على الانسحاب من المنطقة بعد رد عسكري فيديرالي على تنظيم الحكومة الإقليمية لاستفتاء الاستقلال. منذ ذلك الحين، سيطرت مجموعات من الحشد الشعبي ذات صلات بحزب العمال وإيران على المنطقة.

انتصار سياسي
وقعت الحكومة العراقية اتفاق سنجار مع حكومة إقليم كردستان في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2020. اتفق الطرفان على إزالة حزب العمال من المنطقة وإعادة السيطرة للقوات الفيديرالية العراقية عليها، بما فيها اللجنة التي تراقب قوات الحشد. وصفت يونس الاتفاق بأنه انتصار سياسي للكاظمي لأنه ضمن موافقة رسمية من حكومة إقليم كردستان على بسط بغداد سيطرتها على تلك المنطقة. مع ذلك، وجدت بغداد صعوبة في إدخال تغييرات إلى البنية التحتية الأمنية المحلية. السبب الجزئي في ذلك هو ترسيخ حزب العمال نفسه في وحدات مقاومة سنجار التي ارتبطت رسمياً بالحشد الشعبي منذ 2015 وتواصل العمل بعيداً من سيطرة الحكومة المركزية.

أردوغان يهدد
في هذا الوقت، ازداد إحباط أنقرة من غياب التقدم في طرد حزب العمال الكردستاني من سنجار وهي تجد في تعزيز المجموعة لحضورها في المنطقة تهديداً مباشراً لمصالحها الداخلية والخارجية في سوريا والعراق. تخشى أنقرة بالتحديد إمكانية ربط حزب العمال عملياته في شمال شرق سوريا مع إمكاناته في تركيا وفي جبال قنديل العراقية. في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي، زار وزير الدفاع التركي خلوصي آكار العراق طالباً موافقة بغداد على العمليات التركية في سنجار. بعد يومين، حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أن بلاده ستحتل سنجار "فجأة" و"بين ليلة وضحاها". لكنه قال أيضاً إن التدخل سيكون عبارة عن عملية مشتركة مع العراق.

وصمة عار
ثمة احتمال ضئيل للغاية بأن توافق الحكومة العراقية على هذه العملية المشتركة. سينظر العراقيون بشكل واسع إلى هذه الخطوة كإهانة لقوة الجيش العراقي وانتهاك لسيادة البلاد. علاوة على ذلك، لا ينظر العراقيون إلى تركيا كلاعب سياسي محايد وغالباً ما كانت العلاقات مشحونة بين البلدين بسبب العمليات العسكرية الأحادية لتركيا داخل الأراضي العراقية. ويخشى القادة العراقيون توسع تركيا ورغبتها بنفوذ أعظم في السياسة العراقية. بحسب يونس، يصعب تصور قبول الكاظمي بوصمة عار سياسية من خلال التعاون مع تركيا في عملية عسكرية مشتركة قبل انتخابات أكتوبر 2021.

الضغط يزداد
على الرغم من الرفض العراقي، يمكن أن تختار تركيا شن عملية منفردة ضد حزب العمال، بموافقة ضمنية من حكومة إقليم كردستان، كما فعلت طوال سنوات في جبال قنديل. في العاشر من فبراير أوقف مسؤولون استخباريون أتراك رجلاً في سنجار بتهمة تقديم لوجستيات لحزب العمال وهو أمر يظهر قدرات تركيا في المنطقة. بالمقابل، فشل هجوم تركي في منطقة غارا العراقية حيث انتهى بإعدام حزب العمال 13 رهينة تركية. زاد هذا الحادث الضغط على أنقرة كي تهاجم أهداف الحزب. بعد عملية الإعدام، قال أردوغان: "من الآن وصاعداً، ما من مكان آمن للإرهابيين، لا قنديل ولا سنجار ولا سوريا".

مصلحة إيرانية

أغضب احتمال التوغل التركي الميليشيات المدعومة من إيران في العراق. أصدرت فصائل من الحشد الشعبي وميليشيات أخرى مثل منظمة بدر وعصائب أهل الحق وأصحاب الكهف بيانات تعهدت فيها بالدفاع عن البلاد في مواجهة الاحتلال التركي. وتشير التقارير إلى انتشار 10 آلاف عنصر ميليشيوي من بينهم مقاتلون من عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله في سنجار خلال الأسابيع الماضية. وهددت حركة حزب الله النجباء بالتحرك ضد تركيا إن لم تفعل ذلك الحكومة العراقية. وتشجع إيران هذه المجموعات المسلحة على الدفاع عن سنجار لأن المنطقة ذات أهمية استراتيجية كنقطة للوصول إلى سوريا.

أسباب الفشل
ترجح يونس ألا تنجح العملية التركية ضد سنجار. فعلى الرغم من أن استغلال تركيا لحرب المسيّرات أضعف حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل بشكل كبير، يبقى أنها لم تنجح بإخراجه من تلك المنطقة بصرف النظر عن الجهود التي بذلتها طوال سنوات. وسيكون من الأصعب تحقيق انتصار مستدام ضد حزب العمال في جبال سنجار لأن الهجوم التركي سيلاقي مقاومة قوية من الميليشيات المدعومة إيرانياً. وبما أن الحزب الديموقراطي الكردستاني فشل في طرد حزب العمال من المنطقة، يظل الدليل على أن تعاوناً بين أنقرة والديموقراطي الكردستاني سينجح بالتخلص من حزب العمال دليلاً ضعيفاً.

تداعيات خطيرة
سينتج التوغل التركي المحتمل في سنجار تداعيات سياسية خطيرة خصوصاً مع استعداد العراق لتنظيم انتخاباته التشريعية. سيقوض ذلك الانتصار السياسي الذي أمنه اتفاق سنجار للكاظمي ويعيد تلميع صورة ميليشيات الحشد الشعبي وغيرها على أنها تدافع عن العراق بدلاً من الحكومة المركزية. وسيعيق الهجوم عودة النازحين الأيزيديين المستضعفين إلى سنجار. كذلك، ستتلقى سمعة تركيا ضرراً خطيراً في العراق. وحضت يونس الحكومات الأوروبية على إيصال رسالة واضحة إلى تركيا عن معارضتها للتوغل المحتمل والتشديد على تداعياته السلبية. فالدول الأوروبية في وضع جيد لدعم الكاظمي على طريق تنفيذ اتفاق سنجار وإعادة فرض سيطرة بغداد على المنطقة.