الأربعاء 28 أبريل 2021 / 12:02

لقد آن لهذه السلطة أن ترحل، ولفارس الفشل أن يترجل

علي الصراف - العرب اللندنية

مثلما فاض الكيل بالرئيس الفلسطيني محمود عباس حد أنه صار يخاطب اجتماعات قيادة "فتح" بالسباب والشتائم، فقد فاض به الكيل حد أنه صار يبحث عن ذرائع لتأجيل الانتخابات.

إسرائيل قد ترفض إجراء الانتخابات في القدس، ولكن ما نقصت على المقدسيين الوسائل لكي يحموا انتخاباتهم من دون الحاجة إلى الحصول على إذن من قوات الاحتلال. إلا أن الرئيس عباس يريد أن يحرق المراكب، بهذه الذريعة أو بغيرها، لأن مركبه هو الذي يغرق.

يعرف الرئيس عباس تماماً، أن سلطته زائلة، وهو يبحث عن قشة لكي يتعلق بها. ويعرف أيضاً أنه ما من فصيل فلسطيني إلا ويريد للانتخابات أن تجري في موعدها المحدد، رضيت إسرائيل أم لم ترض. وباستثناء بعض الذين يتصرفون كمطايا له، وهم قلة، فإن قيادة "فتح" نفسها لن تغامر بالوقوف ضد إرادة شعبها. الكل يعرف أن هذه مغامرة سوف تؤدي ليس إلى غرق سلطة الرئيس عباس، بل إلى غرق مكانة حركة "فتح" بين أبناء شعبها.

والصامتون الصابرون على الرئيس عباس في قيادة "فتح"، لن يصمتوا إلى الأبد. سوف يخرج من يقول له كفى، ولقد حان الوقت لكي ترحل. ماذا بقي للاحتلال أن يفعل إذا بات الفلسطيني، وفق سلطة الفشل، بحاجة إلى أن يطلب الإذن من الاحتلال لكي يمارس أدنى حقوقه المشروعة؟.

المقدسيون الذين وقفوا بوجه الاحتلال من أجل استئناف حقهم في التجمع في ساحة باب العامود، لن تنقصهم الوسائل لكي يواجهوا الاحتلال في كل مكان توضع فيه صناديق الاقتراع. سوف يخوضون معركة حرية أمام أنظار العالم بأسره، ولتكون فضيحة ما بعدها فضيحة لمهزلة "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" التي تحرم مواطنين من حقهم في الانتخاب. هذه، بالأحرى، فرصة.

ما من رئيس وزراء إسرائيلي سوف يجرؤ على خوض معركة مع ناخبين لكي يمنعهم من حقهم في ممارسة الديمقراطية. وفي الواقع فإن معركة كهذه يجب أن تكون أمنية من أسمى الأماني لكل الذين يريدون أن يكشفوا للعالم ما هي طبيعة هذا الاحتلال الفاشية. وحده رئيس الفشل هو الذي يريد أن يأخذ الأمور "من قصيرها"، لكي ينجو برئاسته، ولكي يواصل مسالك النرفزة.

تأجيل الانتخابات مغامرة سوف تؤدي ليس إلى غرق سلطة الرئيس عباس، بل إلى غرق مكانة حركة “فتح” بين أبناء شعبها، لو شاء الرئيس عباس أن ينتحر على رؤوس الأشهاد، فالطريق هي أن يعلن تأجيل الانتخابات بذريعة أن إسرائيل ترفض إجراء الانتخابات في القدس.

السؤال الذي يطرحه فتحاويون من "تيار الإصلاح الديمقراطي"، ومن مختلف أطراف الحركة الوطنية الفلسطينية، هو: لماذا نحن بحاجة إلى موافقة إسرائيل على ممارسة حق من حقوقنا الشرعية؟ لماذا الإذعان لإرادة الاحتلال؟ أليس من واجب كل حركة وطنية أن تذعن لإرادة شعبها أولاً؟ أم أن الرئيس عباس يخاف من قوائم "فتح" الأخرى التي لا سيطرة له عليها؟ أفهل يرى في "قائمة المستقبل" التي يدعمها محمد دحلان العدوّ الأول الذي لا عدوّ من بعده ولا قبله؟ أم تراه يخاف من قائمة ناصر القدوة، القيادي الذي طرده من مركزية فتح كما فعل مع دحلان؟ أم هل بات يرى في الأسير مروان البرغوثي شبحاً يهدد رئاسته؟.

ما من شيء في كل هذا يجعله رئيساً صالحاً لقضية مقدسة كالقضية الفلسطينية. هذا رجل لم يعد قادراً على الترفع، فنزل إلى أدنى صغائر المشاعر ليجعل منها هي محركه الأول، محرك لسانه، ومحرك أعصابه الفائرة. ومن ورائه، فيما يبدو، مطايا يجرؤون على إطلاق النار أيضاً، لكي يبلغ الخزي بالخزي حدّا لم يجرّبه أحد.

يوم تعرض منزل ومكتب المحامي الفلسطيني حاتم شاهين في مدينة الخليل عضو قائمة المستقبل للانتخابات ثارت كل براكين الأسئلة: أفهل صارت حركة "فتح" تخشى من حركة "فتح" إلى هذه الدرجة؟ وهل ضاقت السبل على الخائفين من الخسارة بحيث رفعوا السلاح؟ وهل خسروا النقاش لكي يربحوا أصداء الرصاص؟.

الفلسطيني الذي يهاجم فلسطينياً لأنه يمارس حقه المشروع، ماذا يُبقي للاحتلال من صفات الجريمة؟ وإذا ما نظر إلى نفسه أفهل يرى ما ينتسب لفلسطين؟.

المقدسيون الذين وقفوا بوجه الاحتلال من أجل استئناف حقهم في التجمع في ساحة باب العامود، لن تنقصهم الوسائل لكي يواجهوا الاحتلال في كل مكان توضع فيه صناديق الاقتراع، شاهين وصف مرتكبي الاعتداء بأنهم من خفافيش الظلام، إلا أن هناك من خفافيش النهار مَنْ جعلوا التحريض ضد التغيير صنعةَ بغضاءٍ تَغمسُ بالدم كفّاً كان من الأولى أن تعرف الفرق، على الأقل، بين السلطة والاحتلال، لا أن تجعلَ الاحتلالَ سلطةً، ولا السلطةَ احتلالاً.

فهل بلغ التردي، هذا المنحدر، لكي يكشفَ عن عطب في السياسة والقيم؟ أم هل بلغ الهاويةَ حتى جاز للفلسطيني أن يضرب فلسطينياً لعله يكسب مقعداً في برلمانٍ قد لا يأتي؟ أم تراه يدافع عن سلطة لم تُثبت جدارتها في السياسة قدر ما أثبتتْ جدارتها في الترهيب؟.

وهل كثيرٌ على الفلسطيني أن يختار لنفسه قولاً آخر، أو قائمة أخرى، أو مستقبلا آخر؟ هل كثيرٌ عليه أن يخرجَ من دائرة القطيع؟.

ما من فلسطيني إلا ويعرف أن أصابع الجريمة تمتد إلى حيثما يعرف الجميع. وما من فلسطينيٍ إلا ويُدرك أن النهايات التي تبرّأتْ من ملح الأرض، شاءت أن تنتسبَ إلى الفضة، وأن تنتمي إلى كيس الدراهم كي تبيع الأرضَ والأخلاقَ والناسَ والمسيح معاً.

تلك هي القضية. إنها قضيةُ الفضة التي أصبحت سلطةً على فشل. فاختارت الجريمة لتكون دليلاً على طبيعتها.
ولكنها سلطةُ خوف. تحاولُ أن تجعله وسيلتها، إنما لأنها غارقةٌ فيه. ترتعدُ فرائصُها من كل قولٍ آخر فتطلق النار ارتجافاً نحو أيّ هدف. وما من سياسةٍ في هذه السياسة. فلما ضاقت عليها السبل أطلقت النار على نفسها، بما فضحتْ نفسَها فيه.

وليست "قائمةُ المستقبل" إلا واحدة من قوائمَ شتى، ولكنها نالت ما تستحق من شرف المباهاة بأنها هي الدليل. إنها "فتح" التي تجاور "فتحاً"، فصارت تخاف منها "فتح" الثالثة الأخرى.

ولكن، لا خاف مَنْ قصد الاعتداءُ أن يُخيفهم. ولا هم تخلوا عن صدرهم المفتوح لكلّ قول أو موقف أو حتى رصاص.

إسرائيل قد ترفض إجراء الانتخابات في القدس، ولكن ما نقصت على المقدسيين الوسائل لكي يحموا انتخاباتهم من دون الحاجة إلى الحصول على إذن من قوات الاحتلال ألم يكن قدرُ الفلسطينيِ أنه مكشوفُ الظهر حيال الاحتلال؟ ولكنْ ها هو الآن مكشوف الصدر حيال سلاحِ الشقيق وسلطته أيضاً. فماذا بقي للاحتلال أن يفعل إذا تكفل بفعله هذا الشقيق؟.

سؤالٌ موجّهٌ لمَنْ سيطلقون النار مرة أخرى. ولكنه سؤالٌ لا تعرفُ جوابَه إلا الصدور.
ومن ثم، فماذا بقي للاحتلال أن يفعل إذا بات الفلسطيني، وفق سلطة الفشل، بحاجة إلى أن يطلب الإذن من الاحتلال لكي يمارس أدنى حقوقه المشروعة؟.

لقد آن لهذه السلطة أن ترحل. ولقد آن لفارس الفشل أن يترجل وأن يترك شعبه يمارس حقه كما يشاء، في صناديق الاقتراع أو في معارك الساحات على حدّ سواء. ثم فليأخذ قدرته على شراء الضمائر بإعادة توزيع المناصب معه. إنه يغرق، ولسوف يغرق معه كل مَنْ يتعلق بقشته.