لبنانيات مناهضات لحزب الله يرفعن لافتة أمام سفارة فرنسا في بيروت "لودريان ساعدنا القرار الأممي 1559" (أرشيف)
لبنانيات مناهضات لحزب الله يرفعن لافتة أمام سفارة فرنسا في بيروت "لودريان ساعدنا القرار الأممي 1559" (أرشيف)
الثلاثاء 11 مايو 2021 / 12:28

من يكسر الحلقة الجهنمية في لبنان؟

عديد نصار- العرب

كان الأَولى بمجموعات انتفاضة 17 أكتوبر المتعددة والمتنوعة أن تلتقي بوزير خارجية فرنسا في قصر الصنوبر مُجتمعة على شكل تظاهرة سياسية توجّه نَقدا صريحا وموضوعيا، من وجهة نظر الشعب اللبناني للمبادرة الفرنسية التي انتهت فُصولاً، لأنها حملت منذ البداية بذورَ فشلها لأنها، ولأسباب فرنسية وغير فرنسية، استهدفت بالأساس إعادة تأهيل وإنتاج نظام سيطرة ائتلاف المافيات الحاكم الذي أوصل البلاد إلى ما هي فيه من انهيار ودمار وخراب على جميع الأصعدة.

نعم، كان الأجدر بهذه المجموعات، لو تمتعت بقليل من الحسّ السياسي والشعور بالمسؤولية والحرج أمام الغالبية الساحقة من اللبنانيين المنسحقين بمآلات الانهيار، المُنْسدّة في وجوههم كل الآفاق والذين ينتظرون أيَّ بارقةٍ تبعث فيهم بعض الأمل بالتغيير ولو بعد حين، أن يلتقوا بالوزير الفرنسي باعتبارهم القوى السياسية البديلة التي تؤكد على مقدرتها على تحمل مسؤولية التغيير المنشود بصرف النظر عن مصالح ومواقف القوى الخارجية ومنها فرنسا.

أنا لستُ هنا في وارد الدفاع عن الأحزاب والمجموعات التي قبِلت دعوة لودريان في وجه من رفضوا هذه الدعوة وأطلقوا عبارات التنديد بحقِّ مَن لباها. ولست مؤيّدا لتلك الأحزاب والمجموعات في تلبية دعوة الوزير الفرنسي في الوقت الذي امتنعت فيه مجموعات كثيرة عن المشاركة. العكس هو الصحيح، فحيث امتنعت أطرافٌ كثيرة عن تلبية دعوة الوزير الفرنسي كان الأولى بالآخرين أن يمتنعوا أيضا حتى لا يحدث شرخٌ واسعٌ في صفوف المنتمين إلى جبهات التغيير. الواقع أنّ كلا الطرفين انغمس في خطأ كان يمكن تفاديه للحفاظ على تماسك القوى التي تدّعي التصدي لعملية التغيير.

نَبْذ كل ما هو خارجي لا يختلف في جوهره عن الرهان على كل ما هو خارجي. الوهم والوهم المقابل لا يصنعان سياسة. واللبنانيون اليوم بأمسِّ الحاجة إلى سياسةٍ تجعل من كَسْرِ الحلقة الجهنمية التي تدور فيها البلاد أمرا ممكنا.

لبنان واللبنانيون يعيشون في بَرزخٍ بين انهيار نظامٍ وامتناع تشكّل البديل، وهنا تزدهر أعمال الجماعات التي تكره الحياة وتمجّد القتل وتمارس كل أشكال الجريمة، وتعتبر كل ذلك باباً من أبواب الجهاد، فحتّامَ هذا الامتناعُ يا مجموعات الثورة، وإلامَ هذه التجريبيةُ القاتلة؟ وهل علي أن أذكر المجموعاتِ والأحزابَ اليسارية اللبنانية أنه في عز احتدام المعارك في فيتنام بين قوات الاحتلال الأمريكي والثوار كان الوفد الفيتنامي يجري مفاوضات باريس مع الأمريكيين؟ طبعا مع الفارق الكبير بين الأمرين.

نعم، كان الأجدرُ أن يُلبي الجميعُ دعوةَ لودريان إلى قصر الصنوبر وهناك يُلقون في وجه الوزير الفرنسي ما يمكن أن يسمى برنامج الحد الأدنى لكسر الحلقة الجهنمية كبديل سياسي واقعي عن مبادرة جاءت لإنقاذ نظام سيطرة المافيات الطائفية فلم تلاقِ من هذه المافيات إلا الخداع والفشل.

إنّ فشلَ هذه المجموعات بالتلاقي على برنامج حد أدنى يواجهون به ليس فقط قوى النظام، بل النظام العالمي كله، والذي يطلُّ علينا عبر الفرنسيين، لا يقل في تحمله مسؤولية استمرار البلاد في مسيرة الانهيار عن فشل المنظومة ونظامها المتهالك.

لقد قال الشعب اللبناني كلمته في 17 أكتوبر، ولكنه لا يمكنه أن يواصل بنفس الزخم في الساحات والشوارع على مدى الأيام والشهور خاصة في ظلّ ما مُورسَ في وجهه من قمع مادي ومعنوي وما وصل إليه من إفقار وانعدام المقدرة على التحرك بسبب تفشي وباء كورونا، إضافة إلى المراوحة التي طبعت حركة مجموعات الانتفاضة، وعدم توصلها إلى بناء جبهات وتحالفات واضحة ببرامج سياسية واعدة يمكن للناس أن ترى فيها بصيص أمل فتنهض لدعمها وحمل أهدافها وصوغ شعاراتها.

قال الشعب اللبناني كلمته في وجه قوى الاستبداد الطائفي والسلطة المتهالكة، وسيقولها في وجوهكم ولو بعد حين.