الخميس 10 يونيو 2021 / 12:06

أي عيوب تجعل نمو الاقتصاد التركي غير مستدام؟

ردت مجموعة "ستراتفور" للأبحاث على بعض الأرقام التي أصدرتها أنقرة مؤخراً وتظهر بداية تحسن في الوضع الاقتصادي التركي.

ثمة خطر أيضاً في إمكانية تدهور ثقة المستثمرين بالمناخ التركي العام مما سيقلل من تدفق العملات الأجنبية خصوصاً إذا قامت وكالات التصنيف الائتمانيّ بتخفيض هذا المؤشر بالنسبة إلى تركيا

ورجح تقرير المجموعة أن يكون النمو الاقتصادي غير مستدام على المدى الطويل، بما أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يدفع باتجاه خفض أسعار الفائدة بطرق قد تزيد زعزعة استقرار الوضعين المالي والنقدي الهشين أصلاً. لقد كان أردوغان واضحاً في تصريحاته الأخيرة حيال رغبته ببدء تخفيض أسعار الفائدة بالرغم من استمرار التضخم المرتفع، وهو أمر لا يبشر بالخير لبدء دورة تيسير نقدي. إن أزمات النقد وميزان المدفوعات والديون ليست وشيكة، لكن هروب الرساميل وظروف السوق المالية المقيدة ستسرع هذه الاتجاهات.

صب الزيت على النار
يُعرف أردوغان بنهجه النقدي غير التقليدي والذي يدعم التيسير بأي ثمن من أجل الترويج للنمو الاقتصادي، وهذا يساعد في تقييد التضخم بحسب وجهة نظره. حفز هذا النهج العديد من التغييرات في إدارة البنك المركزي خلال السنوات الأخيرة. أدت هذه الخطوات إلى هروب العملات نحو الخارج بسبب تضرر الثقة باستقلالية البنك المركزي. برز مؤخراً انخفاض طفيف في التضخم، وهو انخفاض سيصب الزيت على نار اندفاع أردوغان نحو خفض أسعار الفائدة قبل أن يصبح البنك المركزي جاهزاً لتبني التيسير النقدي. تابع تقرير ستراتفور أن أرقام التضخم لشهر مايو (أيار) أظهرت تباطؤاً هو الأول من نوعه في سبعة أشهر. أوقف هذا الانخفاض ارتفاع التضخم القياسي لغاية اليوم، لكن تركيا لا تزال تشهد واحداً من أعلى نسب التضخم في العالم.

سبب انحراف أرقام التضخم
انخفض مؤشر أسعار الاستهلاك السنوي إلى 16.6% في مايو بعدما وصل إلى 17.1% في أبريل (نيسان). على الرغم من البقاء عند مستوى أعلى بكثير من الهدف الرسمي للتضخم والمحدد بـ 5%، سيغذي الانخفاض الأخير ولو المؤقت دعوات أردوغان إلى تخفيض أسعار الفائدة وهو ما قد يتحقق في الأشهر المقبلة. انخفض التضخم الأساسي أيضاً من مستوى يزيد عن 17% إلى 17.0% في مايو. وتراجع تضخم السلع عن أعلى مستوى له منذ أواسط 2019 ليبلغ 17.9% الشهر الماضي. على الرغم من ذلك، لا تزال أسعار الخدمات ترتفع. ولا يستبعد التقرير أن يكون الإغلاق العام الذي فرضته الحكومة التركية بمناسبة شهر رمضان هو الذي أدى إلى الانحراف في أرقام التضخم عن شهر مايو. لهذا السبب، من المبكر جداً القول إن موجة التضخم قد انقلبت في تركيا.

نمو أم تعمق جراح؟
ثمة سبب آخر يجعل النمو الاقتصادي غير مستدام. فالليرة تواصل انخفاضها بسبب غياب ثقة المستثمرين بالحكومة وبسياساتها النقدية. بحسب بيانات صادرة عن معهد الإحصاء التركي في 31 مايو، نما الناتج المحلي الإجمالي في تركيا بـ 7% في الربع الأول من سنة 2021 وهي وتيرة أسرع مما شهدتها أي دولة أخرى في مجموعة العشرين، باستثناء الصين. لكن تقرير ستراتفور يوضح أن هذا النمو كان مدفوعاً بالإقراض الحكومي الذي سيعمق جراح مديونية الدولة. ويحدث التوسع الاقتصادي بالتزامن مع ضعف القوة الشرائية وسط انخفاض سعر صرف الليرة التركية مما يزيد من عدم استدامة هذا النمو في المدى الطويل.

تذكير
بحسب معهد الإحصاء التركي أيضاً، قفز استهلاك العائلة الواحدة في تركيا بـ 7.4% خلال الربع الأول من السنة الحالية، بالمقارنة مع كان عليه الوضع في الفترة نفسها من سنة 2020، بينما ازداد التصنيع بشكل جوهري أيضاً. ويشير المعهد نفسه إلى أن هذين العاملين هما محفزان أساسيان للنمو. لكن ستراتفور يذكّر بأن الإنفاق الحكومي البارز وتعزيز الإقراض والعملة الضعيفة تعزز هذين العاملين. لقد تم تشجيع البنوك التركية على توفير القروض للأعمال والمستهلكين سنة 2020، خصوصاً في نصفها الثاني من أجل الإبقاء على معدلات مرتفعة للنمو.

انخفاض قياسي في شعبيته
تواصل خطابات أردوغان الضغط على سعر صرف الليرة وإضعاف ثقة المستثمرين وهو تطور ينتج هروباً للرساميل. بعد تصريح أردوغان في الأول من يونيو عن خفض أسعار الفائدة، انخفضت قيمة الليرة إلى مستويات قياسية جديدة. قد تهدد التوقعات الاقتصادية القاتمة قبضة أردوغان وحزبه على السلطة. إن ضغط الرئيس التركي لخفض أسعار الفائدة في مواجهة التضخم قد يضعف سعر صرف الليرة التركية أكثر ويطلق تداعيات سياسية واقتصادية سلبية. فالنمو الاقتصادي الضعيف سيعطي المعارضة ورقة قوة أخرى ضد الاستراتيجية الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية بما أن المعارضة تنتقد الأرقام الرسمية لكونها مبالغة في التفاؤل ولا تعكس الواقع الاقتصادي التركي. وعلى الرغم من أن الانتخابات التشريعية والرئاسية لا تزال تبعد سنتين، انخفض التأييد الشعبي للحزب الحاكم بشكل قياسي لسبب رئيسي وهو تدهور الوضع الاقتصادي.

جملة مخاطر أخرى
ثمة خطر أيضاً في إمكانية تدهور ثقة المستثمرين بالمناخ التركي العام مما سيقلل من تدفق العملات الأجنبية خصوصاً إذا قامت وكالات التصنيف الائتمانيّ بتخفيض هذا المؤشر بالنسبة إلى تركيا. وفي تقرير حديث، ذكرت رويترز أن وكالة ستاندرد أند بورز تدرس الإعلان عن تخفيض كهذا. ومن المتوقع أيضاً استمرار الدولرة بالتوازي مع استمرار ضعف سعر صرف العملة الأمر الذي يوجه ضربة إلى خطابات أردوغان المتكررة عن ضرورة تعزيز الاستثمار الداخلي والوثوق بالليرة. وتخاطر سياسة التيسير السريعة بمفاقمة أزمة ميزان المدفوعات التي كانت تزداد سوءاً خلال السنة الماضية حيث عملت الحكومة سريعاً على استنزاف صافي احتياطاتها بالعملة الأجنبية. فبين سنتي 2019 و 2020، باعت تركيا 128 مليار دولار من احتياطاتها لتثبيت سعر صرف الليرة التركية.