احتفالات في شوارع تونس بعد قرارات الرئيس قيس سعيد (أرشيف)
احتفالات في شوارع تونس بعد قرارات الرئيس قيس سعيد (أرشيف)
الإثنين 26 يوليو 2021 / 10:57

في الحاجة إلى "التحالفات"

التحالفات الإقليمية والدولية بين الدول كانت على طول التاريخ وعرض الجغرافيا عاملاً مؤثراً في قوة الدول وتغيير السياسة وصناعة التاريخ، والشواهد القديمة كثيرةٌ، ولكن الحديثة منها أكثر حضوراً في تأثيراً وأقرب إلى الذهن.

إبان الحرب العالمية الثانية انقسم العالم إلى «دول المحور» المكون من ألمانيا وإيطاليا واليابان و«دول الحلفاء» المكون من أميركا وبريطانيا وفرنسا، وانتصر «الحلفاء» ثم قامت الحرب العالمية الباردة التي استمرت عقوداً من الزمن بين «المعسكر الغربي» و«المعسكر الشرقي» وتقسم العالم من أقصاه إلى أقصاه، وتواجه «حلف الناتو» مع «حلف وارسو» وانتهت الحرب الباردة بانتصار المعسكر الغربي على المعسكر الشرقي وانهار الاتحاد السوفييتي وتفكك.

يتذكر الخليجيون جيداً احتلال صدام حسين للكويت عام 1990، وأن الذي أنقذ الكويت وأجبر صدام على الانسحاب هو قيام «تحالف دولي» من عشرات الدول تحت قيادة أميركية وسعودية وتم كف شرّ صدام حسين وإنهاء مغامرته غير المحسوبة التي استهدفت الكويت ودول الخليج.

حديثاً قام «التحالف العربي» بدورٍ مهمٍ جداً في دعم «الشرعية اليمنية» ومواجهة «ميليشيات الحوثي» وقام تحالفان دوليان لمواجهة الإرهاب، أحدهما «التحالف الدولي» لمواجهة تنظيم «داعش» في العراق وسوريا و«التحالف العسكري الإسلامي» بقيادة السعودية وتغير الكثير بعد قيام هذين التحالفين.

هذا السياق هو لتأكيد أهمية «التحالفات الدولية» سياسياً وعسكرياً بأمثلة قريبة يستحضرها الجميع، ومثلها «التحالفات» في مجالات الطاقة والاقتصاد وتأمين الممرات البحرية وغيرها الكثير من الأمثلة، كما أنه تأكيد على أن الدول القوية بحاجة دائماً إلى «التحالفات» لتعزيز قوتها وجمع الجهود والإمكانات وحشد التأثير وتحقيق الغايات عبر «مصالح مشتركة» تبى عليها تلك التحالفات.

عاشت منطقة الشرق الأوسط صراعاً إقليمياً طويلاً بين محورين أساسيين هما «محور الاعتدال» و«محور المقاومة» محور الاعتدال كانت تقوده الدول العربية كمصر والسعودية والإمارات وغيرها، ومحور المقاومة كانت تقوده إيران وحلفاؤها وأتباعها. وحين جاءت لحظة ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» تغيرت خرائط السياسة وتوازنات القوى دولياً وإقليمياً.

سقطت تونس ودخلت «حركة النهضة» الإخوانية للمشهد السياسي هناك، ولم تزل الدولة التونسية عاجزةً عن التخلص من تبعات هذه الحركة وتأثيراتها على تونس، وسقطت مصر الدولة الأكبر والأهم في يد «جماعة الإخوان» وسقطت ليبيا في يد «الجماعات الإرهابية» من «الإخوان» و«القاعدة» في أمثلة تطول تفاصيلها.

في تلك المرحلة المهمة جداً من التاريخ الحديث قام التحالف السعودي- الإماراتي بدعم الدولة والشعب المصري في استعادة مصر من «جماعة الإخوان» المتحالفة مع «المشروع الطائفي» و«المشروع الأصولي» الذين كانت تقودهما دولتان كبيران غير عربيتين في المنطقة.

«التحالفات» الدولية والإقليمية هي أحد أهم أدوات التأثير والنفوذ وحماية المصالح، و«التحالفات» بطبيعتها لا تعني «التطابق» ولا تنفي «الخلافات»، ولكنها تعني التركيز على المصالح المشتركة والغايات الكبرى التي لأجلها يتم إنشاؤها من الأساس، و«التحالفات» بطبيعتها لا تعني ضعف الدول أو التقليل من شأنها ومكانتها وقوتها، بل هي تعزيز لقوة الدول ومكانتها.

المحاولات الحثيثة لضرب «التحالفات» العربية التي أنقذت العام العربي هي محاولات دولية وإقليمية لا ترغب في قوة الدول العربية، ومن هنا يمكن رصد الرغبات الجامحة في ضرب العلاقات المميزة بين الدول العربية القائدة والرائدة في «السعودية» و«مصر» و«الإمارات» لأسباب لا تبدو منطقية أو عقلانية، ولكن ضرب هذه «العلاقات» أو «التحالفات مفيدٌ لأطرافٍ متعددةٍ دولاً وتياراتٍ، وأحزاب وجماعاتٍ.

أخيراً، فالتحالفات تقوم وتزول، تقوى وتضعف، وهذا من طبائع التاريخ والسياسة، ولكن الأهم هو أن تبقى مصالح الدول والشعوب لا رغبات الخصوم هي الموجه الأهم لأي تغييرات في هذه «التحالفات».