أمريكي وسط أنقاض برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك (أرشيف)
أمريكي وسط أنقاض برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك (أرشيف)
الخميس 29 يوليو 2021 / 19:46

بعد عقدين...أمريكيون يتذكرون اليوم الذي غيّر تاريخ بلادهم

في يوم عاصف على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، استيقظ سكان نيويورك صبيحة الثلاثاء 11 سبتمبر (أيلول) 2021 على سماء زرقاء صافية، دون أن يعرفوا أنهم على وشك أن يشهدوا أكثر الأيام ظلاماً في تاريخهم، والذي سيغيّر وجه بلدهم والعالم.

مع توجّه سكان نيويورك إلى أعمالهم، كان 19 إرهابياً على متن رحلات جوية انطلقت من مطارات في بوسطن، وواشنطن، ونيويورك، و في حوزتهم سكاكين كان يُسمح بها آنذاك في الطائرات شرط ألا يتجاوز طول نصلها 10 سنتيمترات.

في الثامنة إلا دقيقة صباحاً، غادرت رحلة للخطوط الجوية الأمريكية حملت رقم 11 مطار لوغن في بوسطن، نحو لوس أنجليس وعلى متنها 92 شخصاً، 5 منهم من الخاطفين بمن فيهم محمد عطا الذي قاد الهجمات.

بعد 16 دقيقة، غادرت رحلة للخطوط الجوية المتحدة تحمل رقم 175 المطار ذاته، متجهة بدورها إلى لوس أنجليس وعلى متنها 60 راكباً وطاقم الطائرة و5 خاطفين.

في الوقت ذاته تقريباً، وفي الرحلة 11، طعن أحد الخاطفين راكباً كان أول ضحية لاعتداءات 11 سبتمبر (أيلول). واستولى الإرهابيون على الطائرة، ووجهوها نحو نيويورك.

بعد بضع دقائق، أقلعت طائرة للخطوط الجوية الأمريكية تحمل رقم 77 من مطار واشنطن دالاس خارج العاصمة، متجهة إلى لوس أنجليس.

كان على متنها طاقم من 6 أفراد إضافة إلى 53 راكباً و5 خاطفين. عند الساعة 8:42 صباحاً في نوارك بولاية نيو جيرسي، انطلقت رحلة للخطوط المتحدة رقم 93 نحو سان فرنسيسكو.

إثر ذلك، لم تبلغ أي من الطائرات الأربع وجهاتها النهائية.



وسط مانهاتن، كان قرابة خمسين ألف شخص من موظفي مركز التجارة العالمية، أبرز رموز قوة الاقتصاد الأمريكي وموقع أطول ناطحتي سحاب في نيويورك، يتدفقون الى مكاتبهم، بينهم جوزف ديتمار، أحد الشهود الذين نجوا من الهجوم.

يستعيد ديتمار، الذي كان في الـ 44، خبير التأمين اليوم في شيكاغو، ما جرى صبيحة ذاك اليوم المشؤوم. دخل المصعد نحو الطابق 105 من البرج الجنوبي المؤلّف من 110 طوابق، لحضور اجتماع عند الثامنة والنصف صباحاً.

عند الساعة 8:46 صباحاً، ومضت الأضواء في الغرفة الخالية من النوافذ، ودُعي المشاركون الـ54 لإخلاء المكان. لم يعرفوا حينها أن الرحلة 11، اصطدمت بالبرج الشمالي المجاور.



انتقل ديتمار وزملاؤه إلى الطابق 90 حيث عاينوا مشهد الرعب الأول. ويقول ديتمار لوكالة فرانس برس: "كانت هذه أسوأ 30-40 ثانية في حياتي".

ويستعيد رؤيته لألسنة اللهب وسحب الدخان السوداء تتصاعد من نوافذ البرج التي بدت أشبه بثقوب سوداء. ويقول: "كانت ألسنة اللهب أكثر احمراراً من أي أحمر رأيته في حياتي".

ويضيف بغصّة محاولاً حبس دموعه "رأينا أثاثاً وأوراقاً.. وأشخاصاً يخرجون رغماً عنهم من المبنى. كنت خائفاً للغاية".

بينما كان الكثيرون مذهولين من هول ما يجري حولهم، قرر ديتمار التوجّه نحو السلالم لمغادرة المبنى، دون أن يدرك حينها أن هذا القرار الصائب سينقذ حياته.

في أسفل البرج، كان الطاهي مايكل لوموناكو يخرج من مركز التسوق بعد أن قرر فجأة الذهاب إلى مكان آخر لإصلاح نظارته. .

يروي كيف أنّه نظر في تلك الأثناء إلى نوافذ مطبخه في المطعم بالطابق 107 من البرج الشمالي. ويتذكر "كان بإمكاني رؤية أشخاص يلوحون بأغطية الموائد من نوافذ مطعمنا. كان المشهد مروعاً وفظيعاً".



سرعان ما انتشرت الأنباء عن الاصطدام في مركز اقتراع حيث كان ناخبون يدلون بأصواتهم لاختيار خلف لعمدة نيويورك رودي جولياني.

في بادئ الأمر، لم يستوعب السكان كيف فشل قائد الطائرة في رؤية ناطحة سحاب عملاقة، فيما بدأ المذيعون على القنوات التلفزيونية يتكهنون بأسباب "الحادثة".

عند الساعة 8:50 صباحاً، أُبلغ الرئيس جورج دبليو بوش خلال زيارته مدرسة ابتدائية في فلوريدا، بأن طائرة صغيرة اصطدمت بشكل مأساوي، خطأً، بالبرج الشمالي.

في الأثناء، حاول برج المراقبة في نيويورك الاتصال بالرحلة 175، ولم يلقَ رداً.

قبل ذلك بدقائق، سيطر الخاطفون على طائرة البوينغ 767 فوق نيوجيرسي.

مع اندفاع خدمات الطوارئ لإجلاء الناس من البرج الشمالي، صدر نداء عبر مكبّر الصوت في البرج الجنوبي يطلب من الموجودين في البرج البقاء في أماكنهم مع تأكيد أن المبنى آمن.

تجاهل ديتمار طلب زملائه بأخذ أحد المصاعد السريعة من الطابق 78 إلى الأرض. كان يعرف السلالم المخصصة للخروج في حال اندلاع حريق.



في مكان ما بين الطابقين 74 و75، يتذكر ديتمار كيف بدأ السلم "يهتز بشكل عنيف" تحت أقدامه. ويقول "انفصلت الدرابز عن الجدران، كانت الدرجات تحت أقدامنا تتخبّط مثل أمواج المحيط.. شعرنا بجدار ناري وشممنا رائحة وقود تلك الطائرة".

عند الساعة 9:03 صباحاً، لم يكن ديتمار علم أن المعتدين وجّهوا الرحلة 175 الى البرج الجنوبي حيث اخترقت الطائرة المبنى فوقه مباشرة، بين الطابقين 77 و85.

كان العالم أجمع مجمداً أمام شاشات التلفزيون التي نقلت مشهد الاصطدام المروّع.



في غضون ذلك، كان الرئيس الأمريكي يقرأ قصة "الماعز الأليف" لطلاب الصف الثاني في مدرسة إيما بوكر الابتدائية في ساراسوتا، وقاطعه رئيس أركانه آندي كارد لإبلاغه بأن طائرة ثانية اصطدمت بمركز التجارة العالمية. همس في أذن الرئيس: "أمريكا تتعرض لهجوم".

في تمام التاسعة والنصف، أدلى بوش ببيان مقتضب رجّح فيه هجمات "إرهابية". وأمر "بتحقيق شامل لتعقب" الجناة.

في الأثناء، بدأ بعض موظفي المكاتب في البرج الجنوبي المحاصرين في الطوابق العليا، الإقدام على ما فعله المحاصرون في البرج الشمالي، القفز من النوافذ إلى موتهم المحتوم.

في الطابق 31، تجاوز ديتمار رجال إطفاء، وعمال خدمة الطوارئ كانوا من أوائل المستجيبين للاستغاثة. يتذكر تلك اللحظات العصيبة "كانت نظرات عيونهم تقول إنهم يدركون أنهم يصعدون إلى الأعلى، ولن يعودوا أدراجهم قط".

عندما بلغ ديتمار وزملاؤه الطابق الأرضي، شاهدوا قطع فولاذ كبيرة، وركاماً إسمنتياً متناثراً وبقع دم.

ومع استمرار تساقط الحطام من الأعلى، وجههم رجال الإنقاذ نحو ردهة التسوّق تحت مركز التجارة العالمي، ليخرجوا على بعد مبان عدة شمالاً.

بحلول العاشرة إلا دقيقة صباحاً، سمعوا صوتاً يصم الآذان مصدره البرج الجنوبي الذي بدأ ينهار خلفهم. وسرعان ما ترددت بعده "صرخات عشرات آلاف المذعورين"، فيما كانت سحابة ضخمة من الرماد تغطي أجواء مانهاتن.

في جميع الولايات الأمريكية وحول العالم، التصقت عيون ملايين المشاهدين بشاشات التلفزيون.



وسط الأنقاض، كان جسد آل كيم مغطى برماد كثيف. تسبّبت الحرارة المنبثعة في إحراق أنفه والجزء العلوي من جهازه التنفسي وحاجبيه، بعدما هرع إلى مركز التجارة العالمية للمساعدة في إجلاء الجرحى إلى فندق ماريوت القريب قبل سقوط البرج الجنوبي.

ويقول وهو يتذكر تلك اللحظات: "لم أستطع التنفس. كان الهواء لاذعاً للغاية. أتذكر أني استخدمت قميصي لتغطية فمي. حتى أني لم أستطع رؤية يدي أمام عينيّ".

من حوله، كانت تتعالى صافرات إنذار رجال الإطفاء.

ويروي كيف أنه تعرف إلى صوت اثنين من زملائه. شبك الثلاثة أيديهم كما يفعل "تلاميذ المدارس" وشقوا طريقهم ببطء بين الركام والظلام والنار.

على ارتفاع آلاف الأقدام في الهواء، كانت المأساة تتكشف تباعاً.

عند الساعة 9:25 صباحاً، منعت إدارة الطيران الفيدرالية جميع الرحلات الجوية من الإقلاع.

بعد 15 دقيقة، أمرت كافة الطائرات المدنية في المجال الجوي الأمريكي بالهبوط، في توجيهات غير مسبوقة في تاريخ الطيران الأمريكي.



لكن التوجيهات جاءت متأخرة لمنع الخاطفين من السيطرة قبل التاسعة صباحاً، على رحلة الخطوط الأمريكية رقم 77 المتجهة نحو العاصمة الأمريكية.

داخل البنتاغون، لم تظن المتخصصة في العلاقات الإعلامية كارن بايكر لوهلة أنها في خطر. وتتذكر أنها قالت لزميلها حينها: "هذا هو المكان الأكثر أماناً في العالم حالياً".

لكن لدى عودتها عند الساعة 9:37 صباحاً من الكافيتريا الى مكتبها، تبين أن ما اعتقدته كان وهماً، إذ اصطدمت الرحلة 77 بمقر وزارة الدفاع الأمريكية، وقتل الذن كانوا على متنها إضافة إلى 125 شخصاً كانوا في المبنى.

وتقول: "حصل دوي قوي ثم شعرنا بهزة. اعتقدنا حينها أنها قنبلة في مكان ما داخل المبنى".

في الوقت ذاته تقريباً، أخلي البيت الأبيض، وسارع نائب الرئيس ديك تشيني إلى الاختباء في ملجأ تحت الأرض.



قبل الساعة 9:30 صباحاً بقليل، في أجواء أوهايو، خطف 4 مسلحين رحلة الخطوط المتحدة رقم 93.

بينما كانت الطائرة التي أقلت 33 مسافراً و7 من طاقمها، بصدد الهبوط، اتصل الراكب إدوارد فيلت 41 عاماً، وهو أب لطفلين، من الحمام بخدمة الطوارئ على رقم 911، للإبلاغ عن الخطف.

خلال مكالمات مع أقاربهم، علم بعض الركاب بما جرى في برجي التجارة العالمية. وقررت مجموعة منهم اقتحام قمرة القيادة لمنع الخاطفين من توجيه الطائرة إلى هدفهم، والذي رجِّح في ما بعد أنه واشنطن.

وكان في عداد المجموعة تود بيمر الذي سُمع أثناء مكالمة مع عاملة الهاتف على الأرض،  يقول: "هل أنتم مستعدون؟ حسناً، دعونا نتقدّم".

استمرت المواجهة 6 دقائق. وبينما كان الركاب بصدد فتح باب قمرة القيادة بالقوة، عبث الخاطفون بالطائرة، وحاولوا قطع الأكسيجين.



في تمام العاشرة وثلاث دقائق، سقطت الطائرة في منطقة حرجية في بلدة شانكسفيل في بنسلفانيا، على بعد 120 كيلومتراً جنوب بيتسبرغ. وأحدث ارتطامها كرة نارية ضخمة، بعد انفجار مخزون الوقود فيها، ما تسبب في مقتل كل من كانوا فيها.

في الأثناء، تلقى غوردن فيلت اتصالاً هاتفياً من زوجة شقيقه إدوارد أبلغته خلاله بأن زوجها على متن الرحلة 93.

سارع غوردن إلى بعث رسالة قصيرة إلى شقيقه كتب فيها "إد، عندما تهبط الطائرة، اتصل بنا. نحن قلقون" عليك.

في تلك الأثناء، حلّقت طائرة الرئاسة التي لم تكن تعرف وجهتها، فوق خليج المكسيك على ارتفاع قياسي بلغ 45 ألف قدم، حيث تكاد تكون الاتصالات معدومة.

أراد بوش العودة إلى واشنطن، لكن جهاز الاستخبارات القلق من احتمال وجود المزيد من الطائرات المخطوفة في طريقها إلى العاصمة، اعتبر أن ذاك الخيار محفوف بالمخاطر، فتوجهت الطائرة غرباً، إلى قاعدة باركسدايل الجوية في لويزيانا.

بحلول الساعة 10:28 صباحاً، انهار البرج الشمالي لمركز التجارة العالمية في نيويورك بعد احتراقه لمدة 102 دقيقة. وحض جولياني، عمدة نيويورك، السكان على التزام "الهدوء"، لكنه طلب منهم إخلاء وسط مانهاتن.



مع توقّف نظام مترو الأنفاق، انطلق مئات الآلاف سيراً على الأقدام. سار كثيرون لساعات، شمالاً إلى الجزء الشمالي من نيويورك وشرقاً في اتجاه بروكلين.

وتولى أسطول بحري تشكل بطريقة عفوية من عبارات، وقوارب صيد، ويخوت، وسفن خفر السواحل إجلاء نحو 500 ألف شخص على مدار اليوم بحراً.

استمرت جهود الإنقاذ المحمومة وسط سحب الدخان المنبثعة من برجي مركز التجارة العالمية، في الموقع الذي أطلق الصحافيون عليه في ما بعد تسمية "غراوند زيرو" طيلة ما بعد الظهر.

لاحقاً، أصيب العديد من رجال الإنقاذ والمتطوعين والموظفين المدربين، بسرطان الرئة جراء استنشاق الغبار السام.

ساعد المسعف كيم في إنقاذ رجل الإطفاء كيفين شيا، الناجي الوحيد من مجموعته التي ضمّت 12 شخصاً.

في الساعة 12:30 ظهراً، خرج 14 شخصاً أحياءً من درج بقي سليماً في البرج الشمالي. وباتت نجاتهم معروفة باسم "معجزة السلم ب".

حاول الطاهي لوموناكو معرفة هوية الموظفين في المطعم، لكن تعذّر عليه التواصل مع كثيرين. واستغرق الأمر أياماً ليدرك أن 72 شخصاً كانوا في المطعم، ولم ينج أي منهم.

من لويزيانا، أعلن بوش أن الجيش الأمريكي في "حالة تأهب قصوى". ونُقل بعدها جواً إلى قاعدة في نبراسكا.



سارع غوردن فيلت، بعدما علم بمصرع ركاب الرحلة 93، إلى الاتصال بوالدته لإبلاغها بمقتل شقيقه إدوارد.

استقل ديتمار قطاراً إلى منزل والديه في بنسلفانيا. يتذكر "الصمت التام" الذي ساد في القطار وكيف كان الجميع في صدمة.

عند الثامنة والنصف مساء، انهار من التعب ولم يقو على متابعة خطاب الرئيس الأمريكي الذي أعلن من المكتب البيضاوي مقتل الآلاف في الهجمات.

ويقول ديتمار بمرارة: "لن ينسى أي منا ذلك اليوم، لكننا نمضي قدماً للدفاع عن الحرية وكل ما هو جيد وعادل في عالمنا".

بعد عودتها الى منزلها، انهارت بايكر بينما كانت تعانق زوجها وطفليها الصغيرين. تتذكر كيف أن "التوتر الشديد دفعهم إلى حافة الهاوية وكانوا ينتحبون فقط".

لم يبلغ كيم منزله في بروكلين إلا عند منتصف الليل. أخذ قسطاً من الراحة لساعات قليلة قبل أن يستيقظ باكراً.

ويقول: "كان أمامنا الكثير لنفعله، جنازات عديدة نحضرها، ولم تكن لدينا لحظة للتفكير" في ما حصل.