صوامع القمح المدمرة داخل مرفأ بيروت (أرشيف / رويترز)
صوامع القمح المدمرة داخل مرفأ بيروت (أرشيف / رويترز)
الثلاثاء 3 أغسطس 2021 / 15:49

معاناة بيروت الطويلة... آثار انفجار المرفأ لا تزال غائرة

نجت ماري-روز طوباجي بأعجوبة من الموت قبل نحو عام. ففي وقت متأخر من بعد ظهر يوم 4 أغسطس (آب) 2020 رأت ماري-روز الدخان يتصاعد فوق ميناء العاصمة اللبنانية بيروت الذي تطل عليه شرفتها في الطابق الثالث من فيلتها.




بعد دقائق، عندما كشف انفجار مدمر عن قوته، أسقطت موجة الضغط الهائلة الناجمة عنه ماري-روز على الأرض. وظلت هناك مستلقية فاقدة للوعي. وعندما غادت لوعيها رأت السماء فوقها من خلال ثقب في السقف، حينها عرفت على الفور: لم يعد هناك شيء على حاله.

كانت قوة الانفجار هائلة لدرجة أنه لم يقتصر على تحويل أجزاء كبيرة من الميناء إلى أنقاض ورماد فحسب، بل أدى أيضاً إلى تدمير المناطق السكنية المحيطة بشكل كبير. وتظهر مقاطع فيديو لا حصر لها كيف تتسع موجة الضغط ويتمدد قُطرها من شارع إلى شارع، وتخلف دماراً في كل مكان. حتى أن العديد من اللبنانيين الذين شهدوا الحرب الأهلية التي دامت 15 عاماً في بلادهم يتحدثون عن أسوأ تجربة في حياتهم.



رسميا لقي 193 شخصاً حتفهم في الانفجار، ويتحدث ممثلو الضحايا عن 218 قتيلاً. والذي حدث في فيلا ماري-روز، التي بناها جدها في نهاية القرن التاسع عشر، هو أن موجة الضغط الناجمة عن الانفجار اخترقت السقف، ودمرت الجدران وفصلت الأبواب عن أماكنها ، وجعلت صخرة ضخمة تستقر على سريرها.

وكما لو أن الانفجار لم يكن صادما بما يكفي لسكان بيروت... فقد تبعته مأساة لم تنته بعد. فمرفأ بيروت لم تبدأ إعادة إعماره حتى يومنا هذا. ولم تبدأ شركة فرنسية إلا مؤخراً في التخلص من الحبوب التي كانت مخزنة في صوامع بالقرب من موقع الانفجار والتي أصابها العفن. وبحسب تقديرات "مبادرة بيروت للتراث" غير الحكومية، دمر الانفجار حوالي 800 مبنى تاريخي. وتم ترميم ثلثها مجدداً.



ولم يتم ترميم شيء يذكر في فيلا ماري-روز حتى الآن. وبفضل مساعدة إحدى المنظمات غير الحكومية، أمكن تأمين الأسقف والجدران بالدعامات، وتغطية الثقوب في الجدران والسقوف بالقماش المشمع. لكن المرأة البالغة من العمر 50 عاماً لا تملك المال الكافي لإعادة بناء فيلتها. تعرب ماري-روز عن حزنها لأن منزلها لا يزال في هذه الحالة، وقالت: "أنا عاجزة عن الكلام. لم يحدث شيء منذ ما يقرب من عام"، مضيفة أنها تقيم مع أصدقائها منذ شهور.

ويشعر معظم الضحايا بأن الحكومة تخلت عنهم. وحتى الآن لم يطلع أي ممثل سياسي رفيع المستوى على الوضع بعينيه. يقول المهندس المعماري فضل الله داغر من "مبادرة بيروت للتراث" إن تجارب الأشهر القليلة الماضية "محبطة"، وأضاف: "لم تظهر الحكومة نفسها على الإطلاق طوال الوقت. إنها لا تفعل أي شيء".



وبالنسبة للعديد من اللبنانيين يعتبر الانفجار وعواقبه مثالاً على تداعي النخبة السياسية الفاسدة التي استغلت البلد وخربته. ومنذ ما يقرب من عامين يعاني لبنان من أزمة اقتصادية ومالية حادة زجت بقطاعات كبيرة من السكان إلى الفقر لأنه لم يعد بإمكانهم الوصول إلى أرصدتهم المصرفية المجمدة. وانهارت الليرة اللبنانية وانفجر التضخم. وبسبب نقص العملة الأجنبية، لم يعد بإمكان الدولة استيراد سلع مهمة بكميات كافية. ويندفع المرضى من صيدلية إلى أخرى بحثا عن أدوية مهمة. وإذا كنت تريد أن تمّون سيارتك بالوقود، عليك الوقوف في طابور لساعات. ومعظم المنازل لا تصلها الكهرباء إلا لبضع ساعات في اليوم.

وماذا عن القادة؟ لقد علقوا في صراع مرير على السلطة ولم يتمكنوا من تشكيل حكومة جديدة منذ شهور. ومن المفترض أن تحل الحكومة الجديدة محل مجلس الوزراء التنفيذي الذي يسير الأعمال بعد الانفجار. فلبنان يعاني من شلل اقتصادي وسياسي. ولا تريد دول أخرى المساعدة إلا إذا قررت الحكومة إجراء إصلاحات ذات مصداقية.



يقول المهندس المعماري داغر إن الأزمة لها تأثير كبير على إعادة الإعمار، موضحاً أن معظم المنازل المدمرة مملوكة ملكية خاصة. وبسبب الحسابات المجمدة، ليس لدى المالكين أموال لإعادة البناء. وما يؤرق الكثير من اللبنانيين أيضاً أنه لا يزال من غير الواضح كيف وقع الحادث ومن المسؤول عنه.

ولم تقدم التحقيقات الرسمية حتى الآن أي نتائج للرأي العام، بل أعاقتها صراعات السلطة بين النخبة السياسية. ويُشتبه في أنه تم انفجار كميات كبيرة من نترات الأمونيوم الكيميائية شديدة الانفجار. لكن لم يتضح بعد لماذا تم تخزينها دون إجراءات سلامة في المرفأ لسنوات؟ وكيف انفجرت؟ ومتى سُيجرى محاسبة المسؤولين؟

يصر أقارب الضحايا على وجه الخصوص على الحصول على إجابات. مثل ويليام نون 27 عاماً الأخ الأصغر لرجل الإطفاء، جو، الذي قُتل في الانفجار. يقول ويليام إنه يعمل ليل نهار لكشف الحقيقة. "لن نتوقف حتى يصبح كل المسؤولين عن الانفجار خلف القضبان". وأقامت العائلة متحفاً لجو في كنيسة صغيرة.

تنهمر دموع ساينا، والدة جو، عندما تنظر إلى صورة ابنها الفقيد. ومثل باقي الأقارب ترتدي الأسود أيضاً. تقول ساينا: "أريد العدالة له وللضحايا الآخرين... لكن في هذا البلد، حيث يحكم سياسيون فاسدون، سيخفون الحقيقة".