السبت 7 أغسطس 2021 / 20:43

ذكرى السادس من أغسطس.. عندما تولى الشيخ زايد مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي

في ذكرى تولي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه مقاليد حكم إمارة أبوظبي في السادس من أغسطس عام 1966، وجدتني أعود بذاكرتي إلى مرحلة مبكرة من طفولتي، مع ذكريات تتصل بهذه الشخصية التاريخية العظيمة والملهمة، شخصية القائد الذي صنع أجيالاً وأجيالاً ومازال سراج تأثيره يسافر عبر الزمن إلى مواطن الجمال والرفعة والحياة، والمتبصر يدرك أن الشيخ زايد لم يكن قائداً فحسب، بل كان أباً لشعب الإمارات واستطاع أن يشكل مفهوماً حضارياً ومدنياً غنياً لهوية الإنسان في الإمارات.

ولعل في هذا الجانب يمكننا جميعا سرد قصص عايشناها جميعا وكل منا له حكاية وقصة من صميم الواقع.. أذكر ذلك الطفل الذي كنته والذي لا يربو عن سنته السادسة من عمره حينها في فرجان مدينة السمحة، تلك المدينة التي أخذت نصيباً وافراً من اسمها، أتذكر محطة مهمة من حياة أهلي حيث كان للأب المؤسس رحمه الله فضل كبير علينا فيها، فضل لا يمكن نسيانه وسرد جزء من تلك الذاكرة هو الوقوف على مشهدية الحياة في فترة كنا نسكن فيها مساكن بسيطة بجانب البيوت الكريمة والعامرة بمحبة الشيخ زايد وحكمته مثلما تتجلى تلك المحبة في بيوت كلّ الإماراتيين.

كانت تلك البيوت لعشرين أسرة تنتظر لحظة التحول، وبأمر من الشيخ زايد بن سلطان انتقلنا للعيش في منازلنا الجديدة التي أمر لنا بها فوجدنا الفرق وقوة الإرادة في فترة وجيزة وكان ذلك بتوجيه مباشر منه طيب الله ثراه.

وعن مدينة السمحة تلك المدينة التي سميت على بئر من آبارها وهي مدينة الأصالة والجمال وواحدة من المدن التي ازدهرت وتألقت بأعماله فيها وهي مدينة محاذية لمنطقة السميح التي اشتهرت باللقاء التاريخي بين القائدين العظيمين الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي آنذاك في إطار اتفاقية السميح لإعلان الوحدة بين إمارتي أبوظبي ودبي، ومن الواضح أن حكمة زايد كانت تهدف إلى تعزيز الاستقرار وبناء المجتمعات وخلق مجتمع مدني ينتمي إلى فكرة الدولة الحديثة التي تقوم على مفهوم المواطنة الصالحة وغرس قيم الولاء والانتماء للوطن.

في اليوم الذي تم فيه استلام مفاتيح المنازل الجديدة حضرت مع والدي وكان ذلك اليوم بالنسبة للعشرين عائلة يوم عيد، بل يوماً تاريخياً بكل المقاييس في تلك الفترة كان والدي أطال الله في عمره يعمل حينها في القوات المسلحة وأتذكر جيداً تلك التفاصيل وتلك الفرحة العارمة حيث وجه الشيخ زايد رحمه الله ببناء شعبية متكاملة بمرافقها لتخدم عشرين بيتاً تضاف إلى فرجان وشعبيات مدينة السمحة.

من حكمة زايد رحمه الله يتضح لنا كم كان حريصاً على توفير المأوى باعتباره الأساس الذي يحقق مفهوم الحياة الكريمة، وذلك واحد من القيم التي شكلت عنصرا جوهريا من رؤيته في العناية والاهتمام وبناء الانسان وهذا من الدروس العظيمة التي استطاع من خلالها الشيخ زايد أن يبني هذه الدولة المباركة والتي تعكس مناسبة السادس من أغسطس التي نتذكرها اليوم كل القيم التي توارثها الأبناء ومضوا عليها وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله وأخيه صاحب السمو الشيح محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد للقوات المسلحة.

في نهاية الثمانينات وفي تلك المرحلة بعد استقرارنا في بيوتنا انتقلنا إلى مرحلة الدراسة في المدارس وتوفير وسائل النقل للطلاب مما يظهر حرصه رحمه الله على التعليم وعلاقته بأسس الحكم العظيمة لخلق مجتمع متعلم يجل العلم والعقل والمعرفة ويعطي أهميته وتقديره الكامل ويعززه في الإنسان حتى لا يغلب عليه الجهل لإيمانه بأن بالعلم تبنى الدول. وهذا درس من الدروس التي يمكن الإفادة منها في السادس من أغسطس والتي مضت عليها القيادة الحكيمة في الاهتمام بالعلم والمعرفة وإطلاق المشاريع حتى بلغت الإمارات المريخ.

إن يوم السادس من أغسطس هو يوم السبق والتميز ويوم العقل والعلم ويوم الاستقرار والازدهار يوم حمل مشاعل النور في وجه الديجور ومازالت تفاصيل يوم استلام المنازل الجديدة راسخة في وجداننا وأرواحنا إلى يومنا هذا ومازلت أتذكر تلك الفرحة التي عمت العشرين عائلة التي استفادت منها..

ويظل الإنسان يحن إلى بيته الذي استقرت طفولته فيه ورغم الانتقال فيما بعد إلى مدينة أبوظبي إلا أن ذلك الحنين بقي قابعاً في الروح لمدينة السمحة لفرجانها وشوارعها ومزارع النخيل فيها، سقى الله تلك الأيام، وهنا يحضرني قول أبي الطيب في أبياته الشهيرة:

لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ
أَقفَرتِ أَنتِ وَهُنَّ مِنكِ أَواهِلُ
يعلمنَ ذاك وما عَلِمتِ وإِنَّما
أَولاكُما بِبُكى عَلَيهِ العاقِلُ

إن الوطن بالنسبة لنا هو الولادة التي شكلتنا والموطن الذي اكتشفنا فيه الحياة وعرفنا فيه معنى العرفان للأرض والانتماء لها، والكتابة عن الوطن هو الكتابة عن كل ما له صلة بالشيخ زايد طيب الله ثراه وفي ذلك يملؤنا شعور الفخر والاعتزاز والمحبة لذلك القائد الذي لا يمكن وصفه في قصائد أو مقالات ولا تستوعبه كلمات، ذلك الشعور تجلى في الاهتمام الكبير من قبل الإماراتيين والعرب في إحياء هذه المناسبة في مواقع التواصل الاجتماعي فمحبة الشيخ زايد خالدة رمزاً وقدوة ومثالاً فهو حكيم العرب، و هو مدرستنا التي نستلهم منها كل القيم الأصيلة النبيلة التي تجسدت في فكره وفلسفته ونظرته للحياة مؤمنين بقيمه الخالدة التي هي بمثابة قبس مضيء نسترشد به ونستجلي منه فكرة حاضرنا.

إن قيم الحكم التي عززها الشيخ زايد طيب الله ثراه هي خلاصة تجربة فريدة فيها من البعد التاريخي والشخصي والعالمي، إلا أنه قد أضاف بإبداع إلى تلك القيم جانباً كبيراً من صفات شخصيته القيادية التي جمعت بين الكاريزما العالمية والبداوة العربية وأضفى عليها من شخصيته الملهمة التي جمعت بين الأصالة والمعاصرة والنزعة الإنسانية العالمية وترسيخ قيم الاتحاد والتعاون والتضامن، إضافة إلى تركيزه على تعليم الإنسان وعمله والاهتمام بصحته واستقراره.

إن شخصية الشيخ زايد تستحق منا مزيداً من الاهتمام بتوثيق ذاكرته المكانية ونقل فكره وتراثه الإنساني إلى الأجيال الحالية والقادمة وهو ما تفعله الإمارات لأن إرثه حي ينفع الامارات وينفع البشرية جمعاء وفي الاطلاع على أقواله وخطاباته وفكره العميق ما يؤكد أن نهجه ورؤيته تشكلان القواعد العلمية والعملية لنظم تقدم الإنسان ونهضة الدول والإمارات أصدق مثال على نجاح ذلك النهج الفريد وستبقى تعاليمه أحد أهم مكونات هوية الانسان وثقافة المكان.

إن يوم السادس من أغسطس هو يوم الحكم ويوم الحكمة ويوم النهوض ويوم الانطلاقة الحقيقية ويوم إيذان بعصر النور والوصول إلى المريخ. والعزيمة والإرادة متقدة مادام إرث الشيخ زايد ملء القلوب والعقول والبصر والبصائر.