أفغان أمام مصرف في كابول (أرشيف)
أفغان أمام مصرف في كابول (أرشيف)
الأربعاء 8 سبتمبر 2021 / 16:13

أحلام الرخاء في أفغانستان... تصطدم بخيارات طالبان

بعد أسابيع من انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان والإطاحة بحكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني وسيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية، أعلنت الحركة أمس أسماء حكومتها الانتقالية، في ظل توقعات متفائلة بفرصة لاندماج أفغانستان في الاقتصاد العالمي رغم صعود طالبان وانسحاب الولايات المتحدة.

وأشار عدد من المحللين إلى أن الصين التي اعتبرتها طالبان حليفاً قوياً، يمكن أن تصبح الداعم الاقتصادي الرئيسي لأفغانستان، وقد تساعدها في البقاء ضمن النظام العالمي.

ولكن لمحافظ البنك المركزي الأفغاني السابق أجمال أحمدي رؤية مختلفة، وقال في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، إن هذه التوقعات غير واقعية، لأنها تتجاهل نظام العقوبات الدولية على حركة طالبان على سبيل المثال. فهذه العقوبات لا تشمل فقط التعاملات المالية، وإنما التعاملات التجارية، والاقتصادية أيضاً. فكل الشركات، لا البنوك فقط عليها الالتزم بإطار العمل الرامي إلى منع تمويل الإرهاب وعغسل الأموال.

ويقول أحمدي، إن البنك المركزي الأفغاني الذي كان يرأسه حتى دخول طالبان كابول، كان يعمل مع الشركاء الدوليين لمنع مثل هذه التعاملات غير المشروعة.

ولكن من المحتمل معاملة البنك المركزي الأفغاني تحت سيطرة طالبان باعتباره مؤسسة خاضعة للعقوبات الدولية من جانب باقي دول العالم.

وإلى جانب التداعيات المالية، يرى أحمدي ثلاثة تداعيات إضافية للموقف الراهن. أولها، نقص العملات النقدية المحلية المتاحة في السوق الأفغانية لأن البنك المركزي لا يطبع العملة المحلية، وإنما شركات أجنبية.

وكان البنك يتوقع الحصول على ملياري أفغاني، العملة المحلية في صورة أوراق نقدية من الفئات الصغيرة، من شركة عملات بولندية في أغسطس (آب) الماضي.

كما وقع البنك عقداً مع شركة فرنسية لتوريد 100 مليار أفغاني أخرى في العام المقبل. 

أما ثاني التداعيات، فيتمثل في احتمال توقف مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي بين تركمانستان والهند والذي يمر بكل من أفغانستان وباكستان وتقدر تكلفته بـ7 مليارات دولار.  فهذا الخط سينقل 33 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من حقل جالكينيش، ثاني أكبر حقول الغاز الطبيعي في العالم، إلى كل من باكستان والهند عبر الأراضي الأفغانية حيث ستحصل أفغانستان على مئات الملايين من الدولارات، رسوم عبور.

ويقول أحمدي، إنه يعرف الموضوع جيداً لأنه ظل لخمس سنوات ممثلاً لأفغانستان في مجلس إدارة المشروع.

كما ساهم في تحويله من فكرة غامضة في فترة حكم طالبان الأولى في تسعينيات القرن الـ20 إلى مشروع حقيقي، وانتهت الأعمال الهندسية، ووقعت الاتفاقيات الثنائية، وبدأ الاستحواذ على الأراضي المطلوبة لتنفيذه.

وزار وفد من طالبان تركمانستان في وقت سابق من العام لتأكيد حماية الخط. ويقول أحمدي إنه يتذكر الزيارة جيداً لأنها تزامنت مع انفجار قنبلة في سيارة مدير المشروع  بكابول، الذي نجا لحسن الحظ من الموت.

وبغض النظر عن التطمينات والضمانات التي ستقدمها طالبان، من غير المحتمل أن تواصل الشركات الأوروبية توفير المعدات، والتمويل للمشروع في ظل العقوبات الدولية والمخاوف الأمنية من سلطة طالبان في أفغانستان.

وأخيراً فإن الآمال في الاستفادة من الموارد المعدنية الكثيرة للبلاد ستتراجع أو ستختفى، بما في ذلك الآمال في الاستفادة من منجم أيناك للنحاس، أحد أكبر احتياطيات النحاس غير المستغلة في العالم، والذي حصلت شركة "ميتالورجيكال كوربورشن" الصينية على حقوق استغلاله في 2008.

وكذلك الحال بالنسبة لمنجم "هاجيجاك" لخام الحديد، أحد أكبر مناجم خام الحديد في العالم، والذي وقعت شركة هندية عقداً لاستغلاله.

وهناك حقل نفط أمو داريا الذي حصلت شركة "تشاينا ناشيونال بتروليوم كوربورشن" على حق التنقيب فيه.

كل هذه المشاريع قد لا تجد التمويل الدولي اللازم لإنجازها. ومن غير المحتمل تورط أي شركة عالمية لها سمعتها في مثل هذه المشاريع التي تنطوي على مخاطرة كبرى.

علاوة على ذلك من المنتظر إلغاء برامج دعم التجارة والتي ساهمت في زيادة صادرات أفغانستان بأكثر من 100 مليون دولار سنوياً، حيث صدرت أفغانستان حبات الصنوبر إلى الصين، والفواكه الطازجة إلى الهند، والسجاد إلى إيران والمنتجات اليدوية إلى أوروبا، بفضل برنامج حكومي لدعم النقل الجوي للصادرات الأفغانية.

وفي حين يرى بعض المحللين إمكانية لجوء طالبان إلى باكستان للحصول على دعم اقتصادي، فإنهم يتجاهلون أن الاقتصاد الباكستاني في حالة سيئة، ولا يزيد احتياطي النقد الأجنبي لديها عن 20 مليار دولار.

كما أن معدل الدين العام الباكستاني يبلغ 90% من إجمالي الناتج المحلي وهو رقم كبير في دولة نامية.

ويقول أحمدي إنه يمكن أخيراً القول، إن حكم طالبان سيواجه نفس التحديات الاقتصادية التي واجهها نظام الحكم السابق، ولكن في ظل العقوبات الدولية وتراجع الدعم المالي الدولي، سيكون الموقف أسوأ.

وعلى حكام أفغانستان الجدد مواجهة الواقع، وتشكيل حكومة ممثلة لمختلف أطياف المجتمع الأفغاني والالتزام بالمعايير الدولية وإلا فإنهم سيسقطون ومعهم الشعب الأفغاني، في المزيد من الفقر.