الأربعاء 20 أكتوبر 2021 / 12:26

هل تنتقل مالي من النفوذ الفرنسي إلى الروسي؟

كشف الباحث في العلاقات الدولية ريتشارد روسو لموقع "مودرن دبلوماسي" أن فرنسا غاضبة من وصول المرتزقة الروس من مجموعة "فاغنر" إلى مالي، ومع ذلك، هي تبحث عن مخرج من صراع لا يُمكنها كسبه.

الطغمة العسكرية في مالي تحت الحصار، ليس فقط من الجهاديين ولكن أيضاً من المجتمع الدولي الذي يدعو إلى إجراء انتخابات في فبراير (شباط) لإعادة السلطة إلى المدنيين، على النحو المنصوص عليه في ميثاق الانتقال العسكري المتفق عليه

في 13 سبتمبر (أيلول)، أثار الحديث عن مفاوضات متقدمة بين مالي وشركة المرتزقة الروسية "فاغنر" عاصفة من ردود الفعل الدولية؛ حيث حذّرت الولايات المتحدة وألمانيا والأمم المتحدة جيش باماكو من مثل هذا التعاون. ووفقاً لهذه الدول، فإن وصول المرتزقة الروس- تم تقدير عددهم بألف مقاتل- سيُعرّض للخطر التزام الغرب بمحاربة الجهاديين الذين يسيطرون على جزء كبير من أراضي مالي.

وتعتبر فرنسا الأكثر صراحة من هذه الدول في رفضها مثل هذه الخطوة. فالقوة الاستعمارية السابقة حافظت على وجود عسكري في البلاد منذ 2013، عندما أوقفت تقدّم الجهاديين في العاصمة. وزارت فلورنس بارلي، وزيرة الجيوش الفرنسية، باماكو في 20 سبتمبر (أيلول) لتحذير قادة الانقلاب في مالي. وقالت إن اختيار فاغنر سيكون خيار "العزلة" في وقت " لم يحشد المجتمع الدولي هذا العدد الكبير من المقاتلين من قبل لقتال الجهاديين في منطقة الساحل".

التزام فرنسا في مالي يتضاءل
ما لم تذكره الوزيرة هو أن التزام فرنسا تجاه مالي يتضاءل. واستخدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الانقلاب المالي الثاني في يونيو (حزيران) الماضي، قبل أقل من عام من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، للإعلان عن "إعادة انتشار" القوات الفرنسية في مالي. وعلى الرغم من أن باريس ترفض مناقشة الانسحاب الفعلي، حتى لو كان جزئياً، إلا أن الحقيقة هي أن الجنود سيتخلون عن القواعد المعزولة في كيدال وتمبكتو وتيساليت في شمال البلاد بحلول العام المقبل، مع التركيز على المنطقة الواقعة جنوب الحدود الثلاث مع النيجر وبوركينا فاسو.

جرس انذار
كما يشعر الأوروبيون، الذين يُتوقع أن يكونوا أكثر دعماً لفرنسا، بالحيرة أيضاً. لقد كان الانسحاب الأميركي المذلّ من أفغانستان بمثابة جرس إنذار، إذ أظهر الانهيار المفاجئ للحكومة الأفغانية أمام حركة طالبان، مدى صعوبة بناء جيش ومؤسسات قوية. ويبدو أن هذا السيناريو يعيد نفسه في مالي.

"البعبع" الروسي
إنّ إمكانية التقارب بين باماكو وموسكو تؤخذ على محمل الجد، لأن الانقلابيين في مالي كانوا دائماً حساسين تجاه العروض الروسية. زار العقيد ساديو كامارا، وزير الدفاع المالي، روسيا في 4 سبتمبر (أيلول). ويُقال إن الخلافات حول عكس تحالفات مالي كانت أحد أسباب الانقلاب الثاني للعقيد المالي أسيما غويتا، الذي أطاح بالحكومة الانتقالية المدنية في مايو (ايار) الماضي.

تمثّل روسيا أيضاً دور "البعبع" بالنسبة للجيش المالي. وفقاً لتحقيق أجرته مجلة "ديلي بيست"، نظّم الجيش المالي مظاهرة يُفترض أنها عفوية في مايو (أيار) الماضي للمطالبة بالتدخّل الروسي. كان هذا أيضاً تحذيراً للمجتمع الدولي، الذي سئم من سوء الحكم في البلاد والانقلابات المتكررة.
وسأل روسو: "هل تنتقل مالي من مناطق النفوذ الفرنسية إلى مناطق النفوذ الروسية؟".

موطىء قدم روسي
ويجيب: "منذ أن حصلت موسكو على موطئ قدم في جمهورية أفريقيا الوسطى، فإن هذا السيناريو ليس من نسج الخيال. لقد أثبت المدربون الروس ومرتزقة "فاغنر" جدارتهم في هذا الفناء الخلفي الفرنسي السابق".

وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة تدين الفظائع التي ارتكبتها روسيا في هذا الصراع، تمكّن الروس من صدّ المتمردين الذين كانوا يُهدّدون العاصمة بانغي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بمساعدة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والتعزيزات من رواندا.

وينفي الكرملين أي علاقة له بمجموعة "فاغنر". ومع ذلك، فإن الشركة يُديرها شخص مقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتستخدم موسكو المرتزقة لتجنّب الالتزامات العسكرية في الخارج، كما فعلت سابقاً في أوكرانيا وليبيا.

وقال متحدث باسم الكرملين في منتصف سبتمبر: "روسيا لا تتفاوض على وجود عسكري في مالي". بدوره، أقسم رئيس أفريقيا الوسطى فوستين أرشانج تواديرا أنه "لم يوقّع أي اتفاق مع فاغنر"، قائلاً: "في جمهورية إفريقيا الوسطى، لدينا شركات تمّ تأسيسها وفقاً للقانون، وتعمل في أسواق متحرّرة".

مالي تحت الحصار
وتكرّر باماكو أنها لم تُقرّر أي شيء بشأن "فاغنر"؟ وفقاً للجيش المالي، فإن اختيار "الشركاء" الأجانب هو مسألة "سيادة"، وهم يعتبرون هذه "الشائعات" محاولة "لتشويه سمعة البلاد".

الطغمة العسكرية في مالي تحت الحصار، ليس فقط من الجهاديين ولكن أيضاً من المجتمع الدولي الذي يدعو إلى إجراء انتخابات في فبراير (شباط) لإعادة السلطة إلى المدنيين، على النحو المنصوص عليه في ميثاق الانتقال العسكري المتفق عليه. ومع ذلك، لم يُظهر العقيد أسيمي غوتا، الرئيس الانتقالي، اهتمامه بالتحضير لهذه الانتخابات. وقد يأمل المجلس العسكري المالي أيضاً في أن يكون شركاء روسيا أقلّ صرامة بشأن المتطلبات الديمقراطية.