الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.(أرشيف)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.(أرشيف)
الأحد 28 نوفمبر 2021 / 10:53

بولتون: روسيا تظهر قصر نظر الغرب

بعدما أدرك الرئيس جون كينيدي أن الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشيف خرق التزامه بعدم نشر صواريخ بالستية نووية في كوبا سنة 1962، قال الرئيس الأمريكي لمستشاريه: "بالتأكيد كنا مخطئين بشأن ما كان (خروتشيف) يحاول فعله في كوبا".

يجب إعطاء الأولوية لإلغاء جمهورية ترانسنيستريا، وهي كيان مصطنع يعتمد سياسياً بالكامل على روسيا

يرى مستشار الأمن القومي الأسبق جون بولتون أن الغرب مخطئ اليوم بشأن نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كما كان مخطئاً بشأن نوايا السوفيات قبل نحو ستين عاماً. فعلى الرغم من النقاش الموسع في الغرب، تبقى أهداف روسيا غامضة كما أهداف الرئيسين الروسي فلاديمر بوتين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.

فخ بوتين
في موقع "1945"، يشير بولتون إلى أن بوتين يتبع استراتيجية كبيرة في "الجوار القريب" بينما يتبع الغرب نهجاً فائق الصغر. تدرس موسكو فرصها في "المنطقة الرمادية" بين الحدود الشرقية لحلف شمال الأطلسي (ناتو) وحدود روسيا الغربية: لا تضم هذه المنطقة فقط أوكرانيا وبيلاروسيا بل أيضاً مولدوفا وجمهوريات القوقاز.

إن "النزاع المجمد" بين مولدوفا وجمهورية ترانسنيستريا والاحتلال الروسي المستمر لمقاطعتين في جوروجيا وتدخل روسيا المؤيد للأذريين في نزاعهم مع أرمينيا تظهر جميعها سياسات الكرملين المهيمنة أو سياسات الضم الصريحة المرتبطة بالدول الست في المنطقة الرمادية. التعامل مع كل نزاع بشكل منفرد عوضاً عن التعامل بشكل استراتيجي يؤدي إلى الوقوع في فخ بوتين بحسب بولتون.

نقطة أخرى غير واضحة
يتجلى منظور الكرملين الأوسع نطاقاً عبر مناورات روسيا المتزايدة في البحر الأسود والشكاوى المتصاعدة حيال الوجود "الاستفزازي" للبحرية الأمريكية هناك. إن هيمنة روسيا على البحر الأسود لن تهدد أوكرانيا وحسب بل أيضاً جورجيا والدولتين الأوروبيتين الأطلسيتين بلغاريا ورومانيا. ليس واضحاً أي من هذه التهديدات هو الأكثر أو الأقل وشاكة، تماماً كما كان الوضع سنة 1962، حين خشي كينيدي من احتجاز خروتشيف برلين كرهينة لمنع واشنطن من إبداء رد فعل قوي ضد مغامراتية روسية في كوبا.

قصر نظر وسخرية
وصف بولتون عدم قدرة الغرب على صياغة سياسات معارضة فعالة بأنه يؤكد قصر نصر الغربيين. ترد واشنطن على السلوك الروسي السيئ عبر دراسة ما إذا كانت تدريبات الناتو هي السبب. أن يكون هذا الرد صادراً عن الرئيس جو بايدن فهو أمر مثير للسخرية بما أنه يذكر بتعاطف الرئيس السابق دونالد ترامب مع انتقاد كيم جونغ أون للتدريبات المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وتقليله من خطورة تهديدات كيم الأكبر بكثير.
في هذا الوقت، تواصل برلين التركيز على الأمور الثانوية. لا يذكر اتفاق الائتلاف الحاكم في برلين قضية التعهد برفع سقف الإنفاق الدفاعي إلى 2% على الأقل من حجم الناتج المحلي الإجمالي، لكنه يدعم المزيد من التعاون بين الجيوش الأوروبية وهو موقف أوروبي وهمي طويل المدى. وتلتزم معاهدة كويرينالي الفرنسية-الإيطالية بتعزيز استراتيجية الدفاع الأوروبي بدلاً من تعزيز استراتيجية الناتو، بحسب الكاتب.

عاجلاً لا آجلاً
من الواضح أن الإهمال والانطواء الأوروبيين المستمرين يعطيان بوتين هامش مناورة جوهرية لتكتيكات الحرب الهجينة التي تناسب أهداف موسكو الانتقالية، خصوصاً في ما يتعلق بالتوقيت والتسلسل وتمهيد الطريق للصراعات المستقبلية. ويتوقع بولتون أن تأتي الاستفزازات الجديدة عاجلاً لا آجلاً، لا بسبب قوة روسيا بل بسبب خوفها من الضعف السياسي أو الاقتصادي الوشيك. تعتقد روسيا بأن لديها مزايا مؤقتة فقط، لهذا السبب هي تشجع على توجيه الضربة قبل تغير موازين القوى. ولا يستبعد بولتون أن يكون بوتين في طور التنسيق مع الرئيس الصيني شي جينبينغ من أجل تشتيت تركيز الغرب.

رشاقة روسية
ينبغي على ردود الفعل الغربية الفعالة إدراك أن موسكو تتبع أجندة أوسع وأطول أجلاً وأكثر ترابطاً مما اعترف به الغرب حتى اليوم. حتى ولو كان بوتين يرتجل، ومن شبه المؤكد أنه يفعل ذلك، فهو ينتهز الفرص بمجرد ظهورها مبيناً رشاقة روسية لا انعداماً في اليقين الاستراتيجي. ويضيف بولتون أن زيادة المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا وإغلاق مشروع نورد ستريم 2 ومقاطعة النفط الروسي وفرض عقوبات ديبلوماسية واقتصادية هي أمور ضرورية بحسب رأيه، لكنها لن تكون كافية أبداً.

على واشنطن أن تنتقل إلى ما هو أبعد من مجرد إبداء ردود فعل على استفزازات روسيا الواحدة تلو الأخرى، وأن تقود سياستها عبر الناتو لا عبر الاتحاد الأوروبي. واللعبة الروسية ذات بعد سياسي-عسكري أكثر من البعد الاقتصادي. إن السؤال الجيو-استراتيجي المركزي للناتو هو كيفية التعامل مع المنطقة الرمادية كمجموعة مشاكل متكاملة.

هل يصدق بوتين الغرب؟
لم يدرس الناتو بشكل مناسب متى يوقف توسعه الشرقي والتداعيات التي ستختبرها الدول المتروكة بلا ضمانات أطلسية في المنطقة الرمادية. لا تكمن المهمة الفورية في إلقاء اللوم على هذا التاريخ بل في اتخاذ قرار بشأن دول المنطقة الرمادية التي تشكل مرشحاً جدياً للانضمام إلى الناتو، من أجل إضعاف أي قبضة روسية عليها ومنع موسكو من فرض قيود جديدة كاحتمال قيادة انقلاب في أوكرانيا. ويدعو الكاتب إلى ضرورة إبلاغ روسيا نوايا الغرب وإرادته لتحقيقها.

وعلى الناتو أن يقرر كيفية حماية مصالحه وردع روسيا بالتوازي مع الاعتراف بأن دول المنطقة الرمادية أكثر عرضة للعطب بالمقارنة مع أعضاء الناتو. بينما يصارع الغرب لاتخاذ القرارات المصيرية، يجب على الناتو إبلاغ روسيا مجدداً بأن التغييرات العسكرية للستاتيكو غير مقبولة. بعد سنوات من الخطابات المشابهة، ليس مؤكداً ما إذا كان بوتين سيصدق الغرب كما أوضح بولتون.

مضمون رسالة
بمجرد اتخاذ القرار، على الناتو البدء بحل النزاعات المجمدة. يجب إعطاء الأولوية لإلغاء جمهورية ترانسنيستريا، وهي كيان مصطنع يعتمد سياسياً بالكامل على روسيا. ويعتقد بولتون أن الضغط على موسكو لإعادة التوحيد الكامل لمولدوفا سوف يشتت انتباه بوتين عن أوكرانيا. ودعا أيضاً إلى زيادة الانتباه الدولي إلى منطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا. ويعتبر بولتون ذلك "رد جميل" لموسكو على ما فعلته في القرم ودونباس مما يخفف الضغط عن أوكرانيا ويسلط الضوء على ما يجب عكسه في السلوك الروسي من قبل الناتو.

ثمة الكثير من الخطوات الأخرى التي على الأطلسيين اتخاذها. إن الاكتفاء الغربي بتبني مواقف دفاعية ليس الطريق إلى السلام والأمن بالنسبة إلى الناتو أو دول المنطقة الرمادية. لكن خصوصاً بعد الانسحاب الكارثي لواشنطن وبروكسل من أفغانستان، الوقت مناسب الآن لإظهار أن التحالف حي وبخير داخل حيزه الجغرافي العميق. ويرى بولتون في الختام أن الرسالة إلى روسيا أن تكون: "ما من أيام سهلة في المستقبل".