الثلاثاء 25 يناير 2022 / 12:55

فورين بوليسي: النظام الإيراني يتآكل من الداخل

شدد الباحث البارز في مجلس العلاقات الخارجية راي تقيه، على تآكل النظام الإيراني بفعل سياسات المرشد الأعلى علي خامنئي والمقربون منه. فالرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي يواجه بالفعل مأزقاً داخلياً بعد أشهر قليلة فقط من توليه الرئاسة.

إن برنامجاً نووياً معززاً لن ينقذ النظام الإيراني، لكن نهجاً ديبلوماسياً أكثر دقة قد يطيل ولايته

ورغم تركيز التعليقات على تشدده في الملف النووي، يواجه رئيسي انشقاقاً نخبوياً وتظاهرات شاملة في الداخل. كما أن إدارته للاقتصاد والديبلوماسية النووية مشكوك فيها على نطاق واسع. وإذا لم يجر خامنئي وأكثر تلاميذه حماسة، تغييرات داخلية لنهجهما مع القوى العظمى، فقد يعرضان النظام الذي التزما بالحفاظ عليه، للخطر.

مفاهيم خيالية
كتب تقيه في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الاقتصاد الإيراني تعرض للأضرار بسبب مزيج من سوء الإدارة، والجائحة، والعقوبات. تحوم نسبة التضخم حول 40% وفقدت العملة الكثير من قيمتها.

وفي الأثناء، يتعهد رئيسي بمعدل نمو بـ 8% وبخلق نحو مليوني وظيفة في العامين المقبلين. هذه مفاهيم خيالية، بما أنه لا يمكن إعادة إحياء الاقتصاد الإيراني دون تخفيف للعقوبات. فقط عندما يتصدع جدار العقوبات، يمكن لإيران بيع المزيد من نفطها واستعادة أصولها المجمدة في البنوك الأجنبية.

يشير الكاتب إلى أن الاعتقاد في إمكانية تحقيق التجارة مع الصين استدامة لدولة من 85 مليون نسمة معيبة أيضاً. إن بيع قرابة نصف مليون برميل نفط يومياً إلى الصين وبأسعار مخفضة ليس خطة اقتصادية حكيمة.

يفاخر المسؤولون الإيرانيون لاتفاقهم مع الصين الذي يمتد 25 عاماً، لكن الاستثمارات الموعودة لم تتجسد، بما أن بكين كان مترددة في ضخ مبالغ كبيرة في إيران الخاضعة للعقوبات، وفي ظل نظام إسلاموي يصر على مفهوم الاكتفاء الذاتي، والاعتماد على الذات، فإن التحول إلى دولة تابعة للصين لن يعزز حظوظه السياسية.

في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي، اندلعت تظاهرات في أصفهان، قادها مزارعون يشتكون من تحويل الحكومة للمياه التي يحتاجونها لري محاصيلهم. وعلى غرار العادة، سرعان ما تحولت المظالم الاقتصادية إلى هتافات سياسية تنادي بـ"الموت لخامنئي".

في هذا الوقت، نزل الأساتذة إلى الشوارع في أكثر من 50 مدينة مطالبين بزيادة أجورهم. قمعت الحكومة تلك التحركات بالاستخدام الوحشي للقوة، الأمر الذي قوض أكثر شرعيتها المهتزة.

ويرى تقية أن النظام الإيراني ماهر في تحويل أنصاره المخلصين إلى منشقين. فعقب الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في 2009، أصبحت حركة الإصلاح مساوية للانشقاق واستئصل أكثر ساسة إيران شعبية من الجسم السياسي، ومشكلة الحكم أن قادة التيار الإصلاحي لا يزالون الأكثر شعبية في إيران. والطريقة الوحيدة التي يمكن للحكم منعهم من كسب الانتخابات هي الاستبعاد الجماعي لمرشحيهم.

تحذيرات متجاهلة
أشار تقيه إلى أن الفصيل الإصلاحي سارع إلى تحذير الحكم أنه إذا لم يغير مساره فإنه سيجلب كارثة على نفسه. في انتقاد لاذع لديبلوماسية رئيسي، أصدر التيار الإصلاحي رسالة انتشرت على نطاق واسع شدد فيها على أن التأخر في العودة إلى الاتفاق النووي في وقت يعاني الشعب الإيراني إنهاكاً اقتصادياً سيتسبب في المزيد من الأضرار للبلاد.

وانضم إلى هذه الدعوة حزب الثقة الوطنية الذي أسسه الرئيس الأسبق لمجلس الشوى والمرشح الرئاسي في 2009 مهدي كروبي، الذي لا يزال خاضعاً للإقامة الجبرية. وحذر الوجه البارز في الحزب نفسه إسماعيل جيرامي، رئيسي من مخاطرة حكومته بإطلاق اضطرابات واسعة قائلاً: "من الطبيعي أن يختار الناس التظاهر حين يقعون تحت خط الفقر". لكن هذه الأصوات وغيرها، قوبلت بتجاهل النظام.

هكذا تضيق دائرة النخبة
وأضاف الكاتب أن انتخابات 2021 الرئاسية كانت واحدة من أكثر الانتخابات مفصلية في تاريخ النظام، وشكلت مناسبة انقلب النظام على نفسه فأسقط أهلية الترشح عن محافظين أصحاب تاريخ طويل في خدمة الثيوقراطية.

أظهر خامنئي أنه لن يتسامح مع أي اختلاف. تكشف محنة اثنين من أنصار الثورة، الرئيس السابق لمجلس الشورى علي لاريجاني، والرئيس الإيراني السابق حسن روحاني كيف تضيق دائرة النخبة في إيران.

فلاريجاني هو سليل إحدى أكثر العائلات شهرة في إيران. وكان الرئيس الأطول خدمة في مجلس الشورى وعضواً موثوقاً في الفصيل المحافظ، وشغل العديد من المناصب المهمة، بما فيها منصب كبير المفاوضين النوويين. ومع ذلك، استبعد من الترشح للرئاسة بسبب تعليقاته أثناء ثورة 2009 ودعمه للاتفاق النووي.

مفصولان
في ورد تمرد، أصدر لاريجاني انتقاداً لاذعاً ربط به النظام برمته بالاتفاق النووي. ولفت في الرسالة الطويلة إلى أنه "من أجل مناقشة الاتفاق النووي، عقد البرلمان 20 اجتماعاً بحضور القيادة ونحو 40 اجتماعاً، في المجلس النووي بتوجيه من الرئيس وعلى الأقل أربعة اجتماعات في المجلس الأعلى للأمن القومي".

للمرة الأولى في مسيرته المهنية، يجد لاريجاني نفسه خارج مجالس السلطة دون أي آفاق حقيقية للعودة إلى حضن النظام. ويجد روحاني نفسه أيضاً في موقف مماثل لا يحسد عليه.

يوضح تقيه أن النظام يولي رؤساءه السابقين قدراً من الاحترام بتعيينهم في هيئات حكومية مختلفة. على سبيل المثال، كان علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيساً لمجلس تشخيص مصلحة النظام المسؤول عن التوسط لحل الخلافات بين سلطات مختلفة من الحكم.

ولكن روحاني يتعرض للتهديد بمقاضاته من البرلمان الإيراني. وكما لاريجاني، فُصل روحاني نفسه إلى حد كبير عن النظام.

النظام لن يصلح نفسه
واجه النظام تظاهرات شعبية لعقود بدءاً من طلاب الجامعات، مروراً بالمحرومين من الطبقة الوسطى وصولاً أخيراً إلى فقراء المدن.

وتراوحت المسائل التي حركت هذه المجموعات بين التزوير الانتخابي والصعوبات المالية. ويبدو أن الجماهير تدرك أن النظام عاجز عن إصلاح نفسه، وأن سياساته متصلبة، وقادته لا يقبلون أي مساومة.

وحسب الكاتب، نجا النظام ليس بفضل أجهزته الأمنية فحسب لكن لأن المظاهرات تلاشت في النهاية، وأعطى النقص في الهيكلية التنظيمية اليد العليا للحكم. لكن من المحتمل وبشكل كامل أن تفرز التظاهرات قادة جدداً مع مواصلة نشاطها، وسيكون من الحكمة أن يقلق النظام من انشقاق بعض وجوهه البارزة.

استئثار وتهور
ربما يشهد العالم منعطفاً مهماً في تاريخ النظام، إن أصعب أمر على السياسي هو الانتقال من منشق إلى سياسي معارض، وينضم العديد من الإصلاحيين إلى صفوف الساخطين موفرين أصواتاً إضافية للجماهير.

وبالنسبة إلى المحافظين الذين استبعدوا، ستكون هذه الرحلة أكثر صعوبة، لكن مع تحول النظام إلى المزيد من الاستئثار في الداخل والتهور في الخارج، سيخلق دوائره الخاصة من المنشقين. في الجوهر، يؤسس خامنئي نظاماً، حيث المعارضة الوفية مستحيلة.

انتخابات للمصادقة
يبدو أن خامنئي ورئيسي نسيا سبب طول عمر الثيوقراطية، التي لم تكن قط نظاماً مستداماً بالقوة الوحشية، فقط. ورغم أن خيار المرشحين كان مقيداً من السلطات الحاكمة، إلا أن الانتخابات وفرت تنوعاً في المرشحين السياسيين، كان بمثابة صمام أمان. وفي الأثناء، ربطت دولة الرعاية، الفقراء بالنظام. لقد تخلت الحكومة الإسلاموية في إيران عن مصدري قوتها.

تستنزف العقوبات خزائنها ولا تستطيع إدامة المستوى الأساسي للمعيشة. وبالتطهير السياسي والاستبعاد، تستخدم الانتخابات للمصادقة على خيارات خامنئي. لقد كانت الانتخابات الرئاسية في 2021 الأقل تنافسية والأقل إثارة للاهتمام في العقود الأربعة الماضية.

أمية ونقص مخيلة

لا تستطيع إيران تحمل مواجهة يبدو أنها تستمتع بها مع القوى العظمى. يعرض الأمريكيون وشركاؤهم الأوروبيون مساراً على إيران للمعضلة التي أوقعت نفسها فيها.

إذا اختارت العودة إلى الاتفاق النووي، سيمكنها استعادة الكثير من نفوذها المالي ومقداراً من النمو الاقتصادي على الأقل.

 لن تخفف هذه الخطوة مشاكلها العديدة، لكن قد تساعد في إحباط الحركة المعارضة الوليدة التي تتشكل بشكل تدريجي.

ويرى تقيه أن الأنظمة تنهار غالباً حين تتجاهل أسرار نجاحها، إذ تقابل أمية رئيسي التاريخية نقص المخيلة لديه. إن برنامجاً نووياً معززاً لن ينقذ النظام الإيراني، لكن نهجاً ديبلوماسياً أكثر دقة قد يطيل ولايته.