عامل في محطة روسية لضخ الغاز إلى أوروبا (أرشيف)
عامل في محطة روسية لضخ الغاز إلى أوروبا (أرشيف)
الثلاثاء 25 يناير 2022 / 15:20

كلفة العقوبات الاقتصادية تهدد التحالف الأمريكي الأوروبي ضد روسيا

في الوقت الذي تزايد فيه حدة التوتر بين روسيا من ناحية والولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية من ناحية أخرى، على خلفية المخاوف الغربية من غزو روسي وشيك لأوكرانيا، تفرض الحسابات الاقتصادية صعوبات شديدة على تبني الولايات المتحدة والدول الأوروبية موقفاً صارماً مشتركاً ضد موسكو.

والأرقام الاقتصادية تقول إن روسيا هي خامس أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي وأكبر مصادره من الطاقة، في حين تحتل الولايات المتحدة المركز الـ30 في قائمة الدول المصدرة للطاقة إلى الاتحاد، كما أن روسيا أصبحت مقصداً رئيسياً لاستثمارات الشركات الأوروبية الكبرى، من سلاسل متاجر الأثاث السويدية أيكيا، إلى مجموعة فولكس فاغن الألمانية لصناعة السيارات مروراً بشركة النفط البريطانية الهولندية العملاقة رويال داتش شل.

وفي تحليل نشرته بلومبرغ يقول المحللان الاقتصاديان بن أولاند وأنيا أندريانوفا، إنه "في ظل ارتفاع معدل التضخم ومعاناة المستهلكين في أوروبا من ارتفاع أسعار الطاقة، يتحرك مسؤولو الاتحاد الأوروبي بحذر لفرض عقوبات غربية على روسيا، فالأوروبيون يريدون إجراءات تؤلم روسيا أكثر مما تؤلم دولهم، لمنع الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا".

كما يشعر الأوروبيون بالقلق من توقف إمدادات الغاز الطبيعي الروسي المطلوب في فصل الشتاء الحالي، عند نشوب أي حرب، ويقول تيم آش كبير محللي الأسواق الصاعدة في شركة بلو باي أسيت مانجمنت للاستثمار المالي وإدارة الأصول، إن "أسعار الطاقة الأوروبية تمثل هاجساً أساسياً لدى أصحاب القرار في القارة"، ويضيف أن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد إخافة الأوروبيين على إمدادات الغاز هذا الشتاء، بحيث لا يتحركون إذا اتجه نحو أوكرانيا".

وفي الوقت نفسه، هناك شعور سائد لدى الأوروبيين بأن اقتصاداتهم وليس الاقتصاد الأمريكي هي التي تحملت ثمن العقوبات الغربية على روسيا بعد غزو شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وضمها في 2014، وفي حين يقول الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الغزو الروسي لأوكرانيا وشيك، يراهن قادة الاتحاد الأوروبي مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على "الوقت" في هذه الأزمة.

وفي الأسبوع الماضي قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، إن "العقوبات تكون فعالة عندما تكون كافية، يجب أن تكون العقوبات مؤثرة فعلاً على روسيا لا علينا نحن".

وفي المقابل يقول فيكتور سزابو مدير صندوق استثمار، في شركة أبردين أسيت مانجمت لإدارة الأصول في لندن، إن "روسيا مستعدة جيداً للتعامل مع أي عقوبات بعد الخطوات التي اتخذتها لعزل نفسها عن أي إجراءات يمكن للولايات المتحدة اتخاذها".

وأضاف أن من الصعب فرض عقوبات تجعل روسيا تشعر بالألم الذي ستشعر به الدول الأوروبية ولن تجبر هذه العقوبات روسيا على التراجع في الأزمة الأوكرانية.

ويقول جامي روش كبير خبراء الاقتصاد الأوروبي في خدمة بلومبرغ إيكونوميكس، إن "أوروبا تقف بمفردها عندما يتعلق الأمر بالثمن الذي يدفعه المستهلكون  للغاز الطبيعي، وحسب تقديراتنا الداخلية فإن اقتصاد منطقة اليورو سيخسر نحو 1% من إجمالي الناتج المحلي بسبب ارتفاع أسعار الطاقة إذا استمرت الأزمة، عاماً".

وموضوع الطاقة نقطة الخلاف الأكبر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عند التعامل مع الملف الروسي، فالولايات المتحدة دولة مصدرة للطاقة، في حين يعتمد الاتحاد الأوروبي على الاستيراد، وروسيا هي أكبر مصدر للنفط والغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي.

ويوم الجمعة الماضي قال المحللون في بنك جيه.بي مورغان تشيس الأمريكي إن ارتفاع سعر النفط إلى 150 دولاراً للبرميل سيدمر النمو الاقتصادي ويشعل التضخم في أوروبا، في حين يتوقع المحللون في بنك الاستثمار الأمريكي غولدمان ساكس غروب استمرار أزمة نقص إمدادات الغاز الطبيعي في أوروبا خلال الصيف المقبل، وإلى 2025.

وقال البنك في تقرير إن "الخلل الشديد في إمدادات الغاز الطبيعي في أوروبا والذي أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة في أواخر العام الماضي إلى مستويات تاريخية، أدى إلى تدمير للطلب الصناعي على الطاقة، وقد يتكرر مجدداً في السنوات القليلة المقبلة، ولذلك فإن تصعيد المواجهة مع روسيا على أوكرانيا سيؤدي إلى تدهور الموقف بصورة أكبر".

ويجد المسؤولون الأوروبيون أنفسهم في مأزق، ففي حين يتراجع الإنتاج المحلي الأوروبي من الغاز، تتوسع روسيا في الإنتاج، وفي إقامة المنشآت اللازمة لضخ كميات إضافية من الغاز إلى أوروبا، فقد استكملت شركة غازبروم الروسية وشركاؤها الأوروبيون مثل رويال داتش شل، بناء خط أنابيب غاز نورد ستريم 2، بـ 10.8 مليارات دولار، والذي يستطيع نقل نحو 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر البحر البلطيق، دون المرور بأوكرانيا، وهو جاهز للتشغيل، لكن الخلافات السياسية بين روسيا والغرب من ناحية وبعض المشاكل الإجرائية من ناحية أخرى تؤجل تشغيله.

ويقول ويليام جاكسون  المحلل الاقتصادي في مؤسسة كابيتال إيكونوميكس: "سواء فرضت عقوبات غربية على صادرات الطاقة الروسية أو استخدمت روسيا صادرات الغاز للرد على العقوبات، فإن أسعار الغاز الطبيعي سترتفع، نعتقد أن الأسعار ستتجاوز المستويات القياسية التي سجلتها في العام الماضي".

وفي المقابل فإن مثل هذه العقوبات على روسيا ستفيد مصدري الغاز الطبيعي المسال الأمريكي الذين يسعون إلى زيادة صادراتهم إلى أوروبا، ولا يستطيعون منافسة الصادرات الروسية في الظروف الطبيعية.
 
وتضررت أوروبا بشدة من العقوبات التي فرضتها مع الولايات المتحدة على روسيا بعد ضم شبه جزيرة القرم في 2014، وحسب دراسة لمعهد كايل  للاقتصاد العالمي، بعد 3 أعوام من العقوبات، فإنه في حين تضررت روسيا بشدة من العقوبات، لم يكن الضرر الذي لحق بألمانيا وغيرها من الدول الأوروبي أقل، وفي المقابل لم تخسر الولايات المتحدة كثيراً بسبب هذه العقوبات.

وأخيراً يقول توم كيتينغ رئيس مركز دراسات الأمن والجرائم المالية في المعهد الملكي المتحد للخدمات بلندن: "في حين تباهي السياسيون في الولايات المتحدة وأوروبا بالقدرة على إلحاق ألم اقتصادي قوي بروسيا، فإنهم يلتزمون الصمت عندما يتعلق الأمر بما سيسببه ذلك من آلام أيضاً في أوروبا وأمريكا".