الأربعاء 16 مارس 2022 / 13:03

كيف تظهر كوريا الشمالية أن الاتفاق النووي مع إيران سيفشل؟

منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وقعت الكوريتان الشمالية والجنوبية اتفاقاً لـ "نزع سلاح نووي"يتشمل وقف إعادة معالجة البلوتونيوم، وتخصيب اليورانيوم، وتطوير واختبار وحيازة الأسلحة النووية، وللتوصل للاتفاق، أزالت الولايات المتحدة صواريخها النووية من كوريا الجنوبية، وألغت تدريباتها العسكرية السنوية.

أثبتت العملية زيف ادعاء أوباما أن لديه "أكثر أنظمة التفتيش والتحقق شمولاً على الإطلاق لمراقبة برنامج نووي".

وأشاد وزير الخارجية حينها جيمس بيكر بنفسه، قائلاً: "كانت الديبلوماسية الأمريكية مسؤولة بشكل مباشر عن إنهاء ستة أعوام من عناد الشمال".

وحسب الباحثين البارزين في معهد المشروع الأمريكي أنتونيو روجييرو، ومايكل روبين، هدأ الاتفاق واشنطن لكنه لم يعرقل طموحات بيونغ يانغ.

وبعد 14 عاماً، أجرت كوريا الشمالية أول اختبار نووي. لكنها لم تكن المرة الأخيرة التي يزعم فيها رئيس أمريكي أن اتفاقاً نووياً محدوداً أنهى طموح نشر الأسلحة النووية.

بحر من نار

أوضح روجييرو وروبين في مؤسسة الرأي الأمريكية "ناشونال إنترست" كيف تدرك الدول المارقة أن "سياسة حافة الهاوية" فعالة مع الولايات المتحدة.

فبعد 13 شهراً من إعلان الولايات المتحدة انتصارها، هددت كوريا الشمالية بالانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. توجب أن يشكل تصعيد نظام كيم النووي جرس إنذار لواشنطن، وهو أمر لم يحصل.

وبدل ذلك، فضل مشجعو الديبلوماسية لوم الأمريكيين. درس الرئيس بيل كلينتون التحرك العسكري لفترة وجيزة ضد النظام، وبحلول نهاية السنة، تبخرت مؤشرات التقدم.

هددت كوريا الشمالية بتحويل جارتها الجنوبية إلى "بحر من نار" وحظرت بيونغ يانغ مرة أخرى كل عمليات التفتيش.

التفاصيل والصورة العامة
سعى كلينتون إلى إبقاء كوريا الشمالية ملتزمة بمعاهدة الحد من الانتشار بأي ثمن. وقدم المفاوض الأمريكي حينها روبرت غالوتشي تفسيراً لذلك فقال: "إذا تمكنت كوريا الشمالية من التراجع عن المعاهدة مع الإفلات من العقاب في اللحظة نفسها التي يبدو فيها برنامجها النووي مستعداً لإنتاج الأسلحة، فإنها ستوجه ضربة مدمرة يمكن ألا تتعافى منها المعاهدة أبداً".

لكن تلك المسألة أظهرت أن واشنطن ضيعت فرصة التقاط الصورة كاملة بينما كانت تركز على التفاصيل.

إن التدافع للحفاظ على الاتفاق المحدود أعمى واشنطن عن اهتمام بيونغ يانغ الأعظم، منع المفتشين من دخول المنشآت التي تبرهن على وجود نشاط نووي. تماماً كما هي الحال مع المفاوضات النووية اليوم، بدا الهدف للرئيس أنه الدفاع عن "الورقة التي تحمل اسمه بالإضافة إلى اسمي" لا منع تعزيز قوة العدو.

نمط يتكرر
في نهاية المطاف، توصل كلينتون إلى اتفاق، وهو إطار العمل المتفق عليه في 1994، والذي يضع نظرياً البرنامج النووي لكوريا الشمالية، في الصندوق. لكنه لم يفعل شيئاً من ذلك، إذ تجاهل الاتفاق انتهاكات بيونغ يانغ السابقة لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وعوض نظام كيم بـ 4 مليارات دولار.

يأسف الباحثان لأن إدارة جورج بوش الابن كررت هذا النمط. بعد قرابة ثمانية أعوام من التوصل إلى إطار العمل المتفق عليه، اعترفت كوريا الشمالية بالسعي إلى برنامج سري لتخصيب اليورانيوم، بعدما واجهتها الاستخبارات الأمريكية.

صنف بوش في البداية بيونغ يانغ عضواً في "محور الشر" لكنه بعد ستة أعوام، دفع لنظام كيم 2.5 مليون دولار مقابل المسرحية السياسية التي تمثلت في تفجير مركز يونغبيون للأبحاث العلمية النووية.

وحسب الباحثين، يتكرر النمط نفسه مع فروقات طفيفة فقط في المفاوضات النووية مع إيران.

فحين وافقت مجموعة 5+1 على الاتفاق النووي، تحمس السياسيون للإشادة به، وقال الرئيس الأسبق باراك أوباما: "حققنا أمراً عجزت عن تحقيقه سنوات من العداء، اتفاقاً شاملاً، طويل المدى مع إيران يمنعها من حيازة سلاح نووي".

وتكرر إدارة بايدن المسار نفسه مع تركيزها المنفرد على العودة إلى اتفاق محدود منتهي الصلاحية. وهنا تكمن مشكلتان مترابطتان، في الاتفاق النووي المحدود.

النشاطات السرية
أولاً، لا يعالج الاتفاق النووي النشاطات النووية السرية لإيران، السابقة منها والمقبلة. حدد الاتفاق نظام تفتيش للمنشآت النووية الإيرانية المعلنة.

وبينما يزعم مؤيدو الاتفاق أنه يتضمن  تفتيشاً صارماً من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو تأكيد مثير للجدل، يبقى المؤكد أن الوكالة الدولية لم تعلم بنشاطات إيران النووية غير المعلنة قبل أن تسرق إسرائيل الأرشيف النووي الإيراني في 2018.

وأثبتت العملية زيف ادعاء أوباما أن لديه "أكثر أنظمة التفتيش والتحقق شمولاً على الإطلاق لمراقبة برنامج نووي". وأضاف أوباما "المحصلة النهائية هي أنه، إذا خادعت إيران، يمكننا الإمساك بهم، وسنفعل".

لوم ترامب
منعت إيران باستمرار التفتيش الكامل، خاصة للمنشآت التي تعدها عسكرية. كان ذلك دوماً ضمن الخطوط الحمراء التي تحدث عنها المرشد الأعلى علي خامنئي.

في فبراير (شباط) 2021، قلصت إيران قدرة الوكالة على مراقبة برنامج طهران النووي. وبينما يلوم الحزبيون الرئيس دونالد ترامب على انسحابه من الاتفاق النووي، يشير الباحثان إلى أن الاتفاق لم يستبدل موجبات معاهدة حظر الانتشار التي تنتهكها. لا تقلص الدول إمكانية الرقابة إذا لم يكن لديها شيء تخفيه.

يقدر معهد العلوم والأمن الدولي أنه إذا استخدمت إيران مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصب في سلسلة سرية من 650 جهاز طرد نووي، من طراز آي آر 6، وهو ترتيب يمكن وضعه في مستودع صغير، فيمكنها صنع ما يكفي من اليورانيوم للأغراض العسكرية لصنع سلاح نووي واحد في غضون شهر.

المشكلة الثانية
لا يعالج اتفاق 2015 تعاون طهران مع كوريا الشمالية. حدد فريق الخبراء في الأمم المتحدة أن إيران وكوريا الشمالية استأنفتا التعاون على صواريخ طويلة المدى في 2020.

لقد تطور برنامج التسليح الكوري الشمالي منذ أول اختبار نووي في أكتوبر(تشرين الأول) 2006.

وبإمكان بيونغ يانغ توفير دروس تعلمتها أو تقنيات محددة لمساعدة جهود التسليح الإيرانية. ويؤكد الباحثان أن تخفيف العقوبات والاستثناءات والاستثمارات الخارجية الجديدة التي سيمنحها الاتفاق لإيران، يمكن أن تسمح لها بتمويل هذا التعاون مع نظام كوري شمالي مستعد لبيع الأسلحة والتكنولوجيا الصاروخية لمن يدفع أكثر.

وفي الحد الأدنى، يمكن أن تؤمن بيونغ يانغ، الخبرة والمعلومات التي تسمح لإيران بتقصير الجدول الزمني للتسليح.

قد يحصل هذا العمل في كوريا الشمالية أو إيران وستكون كل هذه النشاطات السرية صعبة على الاكتشاف أو التعطيل.

أظهرات المفاوضات النووية مع كوريا الشمالية أن اتفاقات نووية تتيح لناشري الأسلحة المكان والزمان لتطوير أسلحة نووية. وعلى الرئيس جو بايدن رفض تكرار أخطاء أسلافه والإصرار على اتفاق أطول وأقوى يقضي، على مسار إيران نحو اتفاق نووي.