رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي في مطار تايبه.(أب)
رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي في مطار تايبه.(أب)
الثلاثاء 9 أغسطس 2022 / 11:44

تلغراف: أزمة تايوان تنذر بكوابيس اقتصادية

رأى رئيس مجلس إدارة شركة كابيتال إيكونوميكس للاستشارات الاقتصادية رودجر بوتل أن التوتر حول تايوان الذي تسببت به زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي للجزيرة هو مجرد أحدث حلقة في التدهور الطويل والخطير للعلاقة بين الصين والغرب.

تايوان لاعب كبير في الاقتصاد العالمي بالرغم من أنها لا تضم سوى 24 مليون نسمة

 وتوقع ألا تموت قضية تايوان بعد العودة الآمنة لبيلوسي إلى بلادها بما أن المسألة عبارة عن التهاب متقرح. وهذا ينذر بعواقب مروعة تتخطى الإطار الاقتصادي الضيق. إذا تطور الوضع إلى حرب تنخرط فيها الولايات المتحدة فستكون النتائج مدمرة. لكن حتى مع افتراض تفادي الأسوأ، سيتبين أن التداعيات الاقتصادية كبيرة.

دور الصين وتايوان في الاقتصاد العالمي
كتب بوتل في صحيفة "ذا تيليغراف" البريطانية أن تايوان لاعب كبير في الاقتصاد العالمي بالرغم من أنها لا تضم سوى 24 مليون نسمة. هي المنتج الرئيسي للرقائق الدقيقة التي تعد مدخلاً أساسياً لجميع أنواع النشاطات الاقتصادية. الصين لا تزال أهم بالتأكيد. هي تورد نحو 15% من صادرات السلع العالمية، أي ستة أضعاف إجمالي الصادرات الروسية. إذا نجحت الصين في محاصرة تايوان بفاعلية ومنعتها من قيادة نشاطاتها التصديرية الطبيعية فسيكون لذلك تداعيات بارزة على سلاسل التوريد العالمية. لكن ستبرز عواقب عالمية حتى ولو لم تقدم الصين على هذه الخطوة ولم يرد الغرب بفرض عقوبات عليها.

مزايا العولمة
أضاف بوتل أنه على نقيض الاعتقاد الساذج بأن اقتصادات السوق الناجحة تسير جنباً إلى جنب مع الديموقراطية الليبيرالية، أصبح من الواضح أن الصين كانت اقتصاداً ناجحاً بني جزئياً على مبادئ السوق، ودولة أوتوقراطية معاً. تم تمهيد المسرح مرة أخرى للتنافس الاستراتيجي بين شكلين مختلفين من الحوكمة – الديموقراطية والأوتوقراطية. كان ذلك مهماً جداً لأسباب سياسية واقتصادية. خلال السنوات الأربعين الماضية، تركت العولمة تأثيراً بارزاً على الاقتصاد العالمي. لقد ساعدت في إبقاء التضخم منخفضاً وحققت ازدهاراً متزايداً في الغرب بينما انتشلت الملايين من الفقر في الشرق.

تحفيز الصين للعولمة
لقد كانت التنمية السريعة في الصين ومشاركتها الكاملة في نظام التجارة العالمية أهم دافع للعولمة. افترض الكثير من الناس بشكل لامبالٍ أن هذا التطور كان حتمياً ولا يمكن عكسه. لقد كانوا مخطئين بشدة حسب الكاتب. لقد تعولم العالم بشكل كبير قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914. تراجعت العولمة بعد انتشار حاد للحمائية في ثلاثينات القرن الماضي ثم مع اندلاع الحرب العالمية الثانية. بعدها بسنوات قليلة، تعافت حصة التجارة العالمية من الناتج المحلي الإجمالي إلى ما كانت عليه قبل الحرب العالمية الأولى ثم ارتفعت في الستينات.

لكنها لم تحلق فعلاً إلا في التسعينات عاكسة صعود الصين. بدا كأن العولمة وصلت إلى ذروتها. يظهر الآن أنه من المحتمل أن تتراجع. ليس معنى ذلك أن العالم يتحول إلى الاكتفاء الذاتي كما يحب الكثير من المتعصبين بيئياً. عوضاً عن ذلك، من المحتمل أن ينقسم العالم إلى كتلتين متنافستين، واحدة متمحورة حول الولايات المتحدة والأخرى حول الصين وفقاً لبوتل.

مراجعة شاملة للسياسات
تراجع الشركات سلاسل التوريد الخاصة بها لتقليص اعتمادها على المدخلات الصينية وتتفحص الحكومات تفاعلاتها الاستراتيجية مع بكين. في هذه الأثناء، تعيد الصين دراسة علاقاتها مع الغرب وتسعى إلى جعل نفسها أكثر قوة في وجه تدهور الروابط معه، أو الأسوأ، في مواجهة عقوبات غربية شبيهة بالعقوبات التي تم فرضها على روسيا عقب غزوها أوكرانيا. إن تصدع العالم إلى كتلتين يميل إلى فرض ضغوط تصاعدية على الأكلاف وإلى تقليص المداخيل الحقيقية بشكل يعكس بعض المكاسب الناجمة عن العولمة والتي تحققت خلال السنوات الأربعين الماضية.

بدائل أمام الغرب؟
مع ارتفاع كلفة العمالة الصينية بشكل لا هوادة فيه، رأى بعض المراقبين الجيدين أن أفريقيا هي المركز الجديد المقبل للتصنيع الرخيص الكلفة. يمكن أن يحصل هذا الأمر طالما أن انخراط الصين هناك لا يحول دون ذلك. في جميع الأحوال، تابع الكاتب، ليس بديهياً أن الغرب سيحتاج إلى مصدر آخر من الواردات الرخيصة إذا جف المصدر الصيني. سيعتمد الكثير من ذلك على تطورات مثل الطباعة الثلاثية الأبعاد التي قد تخفض كلفة التصنيع في الاقتصادات المتطورة والتي قد ترى عودة حجم كبير من النشاط الاقتصادي حول العالم إلى داخل تلك الدول. بالمثل، إن تقدم الروبوتات والذكاء الاصطناعي قد يجلب تقليصاً جوهرياً في كلفة التصنيع الداخلي وبشكل محتمل في كلفة قطاع الخدمات.

بشكل أو بآخر، ختم بوتل، لن يكون المستقبل مجرد استمرارية للماضي القريب. يبدو أن للتاريخ مقداراً كبيراً من الحياة الباقية فيه بنهاية المطاف.