زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر (أرشيف)
زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر (أرشيف)
الإثنين 29 أغسطس 2022 / 20:10

الصدر.. رجل العراق القوي خارج الحلبة.. اعتزال أم مناورة؟

تحول زعيم التيار الصدري العراقي مقتدى الصدر، الذي كان في وقت من الأوقات خارجاً عن القانون متقلب المواقف ومطلوب حياً أو ميتاً خلال الاحتلال الأمريكي، إلى صاحب نفوذ في المعترك السياسي، ثم تحول إلى أقوى شخصية سياسية في البلاد.

لكن حتى مع نفوذه الهائل، لم يتمكن الصدر من إنهاء جمود طال أمده فيما يتصل بتشكيل الحكومة، ومن ثم استقال نواب كتلته الصدرية في البرلمان في يونيو (حزيران) بعد أن طلب منهم تقديم استقالاتهم.

وقال الصدر اليوم الإثنين، إنه سيعتزل الحياة السياسية، ويغلق المؤسسات التابعة له، بسبب استمرار الأزمة السياسية في البلاد، فيما يزيد آفاق المزيد من عدم الاستقرار في العراق.

وقال الصدر في بيان عبر تويتر: "إنني الآن أعلن الاعتزال النهائي"، وانتقد الصدر الزعماء السياسيين الشيعة الآخرين لعدم استجابتهم لدعواته للإصلاح.

ويتمتع الصدر، المعارض القوي لكل من إيران والولايات المتحدة والذي عاد إلى الحياة السياسية بعد انسحابه في مرات سابقة، بنفوذ هائل في ظل وجود مئات الآلاف من أنصاره الذين أظهروا استعدادهم للاستجابة لمطالبته لهم بالنزول إلى الشوارع.

لم يكن الصدر معروفاً فعلياً خارج العراق قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، لكن سرعان ما أصبح رمزاً لمقاومة الاحتلال، مستمداً الكثير من نفوذه من عائلته.

والصدر نجل آية الله محمد صادق الصدر الذي اغتيل عام 1999 بعد انتقاده الصريح لصدام حسين رئيس العراق آنذاك، كما اغتيل أيضاً ابن عم والده محمد باقر عام 1980.

قالت راندا سليم الباحثة في معهد الشرق الأوسط إنه "إرث عائلته الذي بدونه لا أعتقد أنه كان يمكن أن يكون حيث هو اليوم".

وعلى الرغم من المخاطر، لم يفر الصدر قط من العراق على عكس شخصيات بارزة أخرى في حكومات ما بعد سقوط صدام كانت قد عادت من إيران ومن الغرب بعد الغزو.

أظهرت لقطات مسربة أن شهوداً حضروا إعدام صدام عام 2006 بعد إدانته بقتل 148 شخصاً في بلدة تقطنها أغلبية شيعية قبل 25 عاماً سخروا منه بترديد اسم مقتدى الصدر لدى اقتياده إلى حبل المشنقة.

كان الصدر أول من شكّل فصيلاً شيعياً لمقاومة القوات الأمريكية، وقاد انتفاضتين على الولايات المتحدة مما دفع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إلى اعتبار جيشه، جيش المهدي، أكبر تهديد لأمن العراق.

وفي عام 2004، أصدرت سلطة الاحتلال الأمريكية مذكرة توقيف بحق الصدر، وقالت إنه مطلوب حياً أو ميتاً فيما يتعلق بقتل الزعيم الشيعي المعتدل عبد المجيد الخوئي عام 2003 الذي جاء به الأمريكيون إلى مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة خلال الغزو.

ونفى الصدر أي دور له في مقتل الخوئي ولم تُوجه له تهمة قط.

وصمد الصدر خلال 19 عاماً من الاضطرابات منذ أن هاجم جيش المهدي القوات الأمريكية بالبنادق والقذائف الصاروخية في أزقة وشوارع بغداد والمدن الجنوبية.

كما حارب أتباعه الجيش العراقي ومقاتلي تنظيم داعش والفصائل الشيعية المنافسة.

وخلال الحرب الأهلية الطائفية في العراق بين عامي 2006 و2008، اتُهم جيش المهدي بتشكيل فرق اغتيال لخطف وقتل شخصيات سنية، وتنصل الصدر من استخدام العنف مع أبناء وطنه من العراقيين.

وفي عام 2008 أمر رئيس الوزراء نوري المالكي، وهو شيعي منافس للصدر، بشن هجوم كبير كان من نتيجته سحق جيش المهدي في مدينة البصرة الجنوبية.

في وقت لاحق من ذلك العام، أمر الصدر بوقف العمليات المسلحة، وأعلن أن جيش المهدي سيتحول إلى منظمة ثقافية واجتماعية أطلق عليها اسم (سرايا السلام).

وقرر الصدر لاحقاً التنافس في السياسة شديدة التعقيد في العراق، وبمرور الوقت اكتسب مزيداً من الشعبية بعدما تعهد بالقضاء على الفساد المستشري في الدولة.

وبعمامته المميزة، بات بمقدور الصدر الذي أعلن نفسه نصيرا للفقراء والمحرومين أن يعبئ حشودا ضخمة في الشوارع.

وفي عام 2016، اقتحم أنصار الصدر البرلمان داخل المنطقة الخضراء الحصينة في بغداد بعد أن ندد بالفشل في إصلاح نظام المحاصصة السياسية الذي يُلقى عليه باللوم في الفساد المستشري، نظراً لاستغلال القادة السياسيين له في تعيين أنصارهم في وظائف رئيسية.

وأمر أنصاره بإنهاء اعتصامهم عند بوابات المنطقة الخضراء بعد أن قدم رئيس الوزراء حيدر العبادي تشكيلة وزارية جديدة تهدف إلى محاربة الفساد.

أعاد الصدر تقديم نفسه قبل الانتخابات البرلمانية في 2018، وشكّل تحالفا مع الشيوعيين والعلمانيين.

وبعد تهميشه لسنوات من قبل منافسين شيعة مدعومين من إيران، خرج منتصراً في عودة قوية سيطر خلالها على وزارات ووظائف حكومية.

وأبدى الصدر استياء علنياً من حليفته السابقة إيران قائلاً إنه لن يترك العراق في قبضتها، وذلك في الوقت الذي دعا فيه إلى رحيل القوات الأمريكية المتبقية والبالغ قوامها 2500 جندي.

وكان الصدر الزعيم الشيعي الوحيد الذي تحدى كلاً من طهران وواشنطن، وبذلك كسب تأييد قطاعات من السكان أكثر من نصفهم من الشيعة، ويشعر الكثيرون بأن العراق لم يستفد من علاقات حكومته الوثيقة سواء بإيران أو الولايات المتحدة.

كان العراق ساحة معركة بالوكالة على النفوذ بين الولايات المتحدة وإيران منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بصدام ومهد الطريق إلى السلطة أمام الأغلبية الشيعية التي تقودها شخصيات تتودد إليها طهران منذ عقود.

ولا تزال المؤسسة السياسية الشيعية في العراق في معظمها متشككة في الصدر أو حتى معادية له، ومع ذلك، تهيمن الحركة الصدرية على أجهزة الدولة العراقية منذ انتخابات 2018، إذ شغل أفراد منها مناصب عليا في وزارات الداخلية والدفاع والاتصالات.

واكتسحت حركته الانتخابات البرلمانية في عام 2021، وحلت في المركز الأول وزاد عدد المقاعد التي يهيمن عليها الصدر في البرلمان المؤلف من 329 مقعداً إلى 73 مقعداً من 54.

ووجه هذا الانتصار ضربة قاصمة للجماعات الشيعية الموالية لإيران التي انهار تمثيلها البرلماني.

وأعلن الصدر النتيجة قائلاً إنها "انتصار الشعب على الميليشيات".