الجمعة 9 سبتمبر 2022 / 19:02

"الميثاق المهني والأخلاقي".. ارتقاء بدور المعلم إلى مستوى الرسالة

جاء إطلاق "الميثاق المهني والأخلاقي للعاملين في مؤسسات التعليم العام" في دولة الإمارات، في بداية العام الدراسي، تكريساً لاهتمام الدولة البالغ بالعملية التعليمية وجوانبها كافة، وهذا يعني عدم الاهتمام بالطالب فحسب وإهمال المعلم أو المناهج، وذلك ضمن رؤية شاملة ومتكاملة تسعى إلى تطوير المنظومة التعليمية لتحقيق أفضل المخرجات وضمان أن يرتقي التعليم إلى مستوى طموح الدولة في استئناف الحضارة.

وإذا كان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حرص في بداية العام الدراسي على التوجه بكلمة خاصة إلى أبنائه الطلبة، فإنه حرص أيضاً على تأكيد أهمية دور المعلم، بل خاطبه مباشرة قائلاً: "أقول لإخواني المعلّمين وأخواتي المعلّمات إن جهودكم مقدرة، ورسالتكم عظيمة، ومسؤوليتكم كبيرة في التربية والتعليم".

إن هذا التقدير الذي تحدث عنه رئيس الدولة، وهذا الوعي العميق بأهمية هذه "المسؤولية الكبيرة"، في "التربية والتعليم" ـ كما جاء في كلمة سموه ـ هما ما يجعل "الميثاق المهني والأخلاقي" الذي أطلقته وزارة التربية جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية الدولة، وخطوة أساسية على طريق النهوض بهذا القطاع ليقود قاطرة البناء والتنمية، وتأكيداً على أن الإمارات تضع أبناءها الطلبة في أولوية اهتماماتها، وتضع معلميهم في المرتبة الأولى من استراتيجياتها، لأنها تعي أنها بهما ـ المعلمون والطلاب ـ ستحقق الحاضر والمستقبل المنشودين.

الجانب المهني
تضمن الميثاق المهني والأخلاقي للعاملين في مؤسسات التعليم العام، عشرة بنود يتناول جزء منها الجانب المهني، وهو شديد الأهمية، لأنه لا يمكن تحسين جودة التعليم والارتقاء بمخرجاته دون تنمية المعلم، مهنياً وتهيئته تربوياً لكي يواكب أحدث التغيرات والمستجدات في مجاله وفق أفضل المعايير العالمية. ولعل هذا الجانب يعيد الاعتبار إلى مهنة من أقدس المهن، نظراً لأن تنشئة الأجيال وتهيئتهم لتحديات الحياة وصياغة وعيهم بذاتهم وبالعالم من حولهم، لا يمكن أن تأتي من منطلقات وظيفية فحسب ومن هنا جاء التركيز على الجانب القيمي، ودور المعلم الذي لا يقتصر على التلقين ونقل المعلومات ونشر المعرفة، بل هو في جوهره دور قيمي يقوم على زرع القيم الوطنية والإنسانية في الطالب وأيضاً على حمايته من الأفكار والسلوكيات التي تشوه تلك القيم. وإذا كان هذا الدور بديهياً بالنسبة إلى المعلم، فإن ترسيخه في سياق ميثاق خاص من شأنه الإعلاء من أهميته ومنحه الأولوية التي يستحقها.

الجانب الأخلاقي
أما الجانب الثاني فهو الجانب الأخلاقي، ومن المهم العودة لما تعنيه الأخلاق في الفلسفات الإنسانية لكي ندرك أهمية هذا الجانب من الميثاق، بداية من أرسطو الذي يعرف الأخلاق بأنها "مُرتبطة بسعادة الإنسان التي هي غاية وجوده، وأنها الأفعال الناتجة عن العقل، من أجل الخير الأسمى"، مروراً بسقراط الذي اعتبر أن الأخلاق تنبع من ميدان العقل، وليس فقط من التقاليد أو الأعراف، وللاتصاف بالأخلاق الفاضلة علينا بالعلم والمعرفة، وصولاً إلى ابن خلدون الذي لم يتحدث عن الأخلاق في بحث مستقل في مقدمته الشهيرة إلا أنه أكد أنها من دعائم قيام الدول والحفاظ عليها، لذا فهي من وجهة نظره فاعل اجتماعي وسياسي.

يمكن قراءة الميثاق الأخلاقي وفق هذه التعريفات، بأنه يطمح إلى ما هو أبعد من الجانب التربوي المعروف والمعتاد، وهو أنه جزء من رسالة الدولة واستراتيجيتها نحو تعزيز قيم الأصالة والاحترام والقانون.

فلسفة الحضارة
تسبق كلمة "التربية" كلمة "التعليم" في اسم الوزارة المختصة، وفي كلمة الشيخ محمد بن زايد الآنفة الذكر جاءتا بهذا الترتيب، وفي توجيهات الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية والتعاون الدولي رئيس مجلس التعليم والموارد البشرية، قبل أسبوعين، أشار إلى أهمية التربية الأخلاقية، و"دور جميع أفراد المجتمع، والمربين والإعلاميين في التصدي للأفكار التي تسعى لهدم كيان الأسرة".

إن هذا الاهتمام الكبير بالتربية الأخلاقية لهو جزء من فلسفة الإمارات في بناء نهضتها الحضارية، فهي تدرك أنها تنبني على جناحين: التعليم وفق أحدث المناهج العلمية وأكثرها نجاعة، والأخلاق، وهي بهذا الشكل تهتم ببناء الطالب، قلباً وقالباً، تهتم بسمو روحه بالتوازي مع نمو عقله. فالإمارات تدرك أهمية دور المعلم، بصفته القدوة والمثل الأعلى للطالب، ومن هنا تعمل على تقديره ودعمه وتطوير قدراته، وتجسد في سياساتها قول شوقي الشهير:
قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا

لقد بلغ إجمالي المدرسين في التعليم العام بالدولة خلال العام الدراسي 2019-2020 نحو 108 آلاف مدرس، شكلت المرأة نسبة 74.5% منهم، بحسب المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، وهذا العدد الكبير يحمل على عاتقه مهمة تشكيل الحاضر ورسم الطريق نحو الغد، لذا تحرص الإمارات على تقديرهم والاحتفاء بهم، وهذا الميثاق المهني والأخلاقي، هو جزء من الاحتفاء والتقدير، وهو أيضاً جزء من استراتيجية الدولة المستقبلية من أجل تنشئة مُثلى للأجيال التي ستقود البلاد نحو المستقبل.