رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك
رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك
الجمعة 3 فبراير 2023 / 14:32

العودة إلى الاتحاد الأوروبي.. هل تكون الحل الأمثل لأزمات بريطانيا؟

سلط الكاتب والمحلل السياسي فريد زكريا في مقال بصحيفة "واشنطن بوست" الضوء على ما تشهده بريطانيا حالياً من أزمات اقتصادية متصاعدة


وكان آخر هذه الأزمات بيان صندوق النقد الدولي الذي أقرّ بأن هذا العام سيكون أداء الاقتصاد البريطاني أسوأ من جميع الاقتصادات العالمية الكبرى بما في ذلك روسيا، وذلك في الوقت الذي يصادف فيه هذا الأسبوع الذكرى الثالثة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ويرى الكاتب  أن التصويت على مغادرة الاتحاد الأوروبي في 2016 كان بمثابة البداية الرمزية لموجة الشعبوية التي كانت تدور في معظم أنحاء العالم الغربي منذ ذلك الحين، مشيراً إلى أنه كان اختياراً من قبل دولة كبرى قررت أن تكون لها علاقات اقتصادية أفقر مع أكبر سوق لها. إذ إنه في عام 2021، استحوذ الاتحاد الأوروبي على حوالي 42% من الصادرات البريطانية، "وهكذا وضع الناخبون البريطانيون القومية والسياسة فوق الاقتصاد".

ويشير زكريا إلى أن لندن باتت تتخلف عن نظيراتها في المقاييس كافة تقريبا، من الاستثمار في الأعمال التجارية إلى الصادرات إلى التوظيف.

وكما قال الباحث جون سبرينغفورد: "إذا فرضت حواجز أمام التجارة والاستثمار والهجرة مع أكبر شريك تجاري لك (الاتحاد الأوروبي)، فسيترتب على ذلك ضربة كبيرة لأحجام التجارة والاستثمار والناتج المحلي الإجمالي".






أزمات بالجملة
يقول زكريا مؤلف كتاب "عالم ما بعد أمريكا"، إن بريطانيا، في كل مكان تنظر إليه تشعر بالضيق، من نقص العمال إلى الشركات الصغيرة التي تكافح لإرسال بضائعها إلى أوروبا إلى انخفاض حركة المرور على قطار يوروستار بين بريطانيا وأوروبا، حيث تقدر "بلومبرغ إيكونوميكس" أن الناتج المحلي الإجمالي البريطاني سيكون أعلى بنسبة 4% لو بقي في الاتحاد الأوروبي.

ويوضح المحلل السياسي والاقتصادي أن البريطانيون "يعلمون أنهم تعرضوا للخداع". ووفقاً لإحدى الدراسات الاستقصائية، تعتقد أغلبية واضحة الآن أن مغادرة الاتحاد الأوروبي كانت فكرة سيئة، ويريد ثلثاها تقريبا إجراء استفتاء في المستقبل على العودة إلى الاتحاد الأوروبي.




كان رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك من أنصار بريكست ولا يزال يتحدث عن فضائله، بينما يواجه سلسلة من الأزمات التي نتجت جزئياً عن هذا الانفصال. وحتى الآن، لم تحل بريطانيا أزمة تعاملها مع الحدود بينها وبين أيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي قد يزيد من عرقلة النمو الاقتصادي، بحسب زكريا.
انهيار الثقة البريطانية
لكن الكاتب يُجادل بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان جزءاً من انهيار أوسع للثقة البريطانية، موضحاً أنه "بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، تحولت الإنتاجية البريطانية إلى انخفاض حاد ولم تتعاف أبدا، بينما جعلت سياسات التقشف الأمور أسوأ حيث خفّضت حكومات حزب المحافظين الإنفاق العام، ما أدى إلى اتساع هوّة عدم المساواة وزيادة القلق العام".

وكما هو الحال دائما، يقول المحلل: "عندما تصبح الأوقات صعبة من السهل إلقاء اللوم على الأجانب، وهذا ما فعله السياسيون الانتهازيون مثل بوريس جونسون ووعدوا بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيعالج كل الشرور التي واجهت البلاد بينما كانوا يكذبون بشأن التكاليف والفوائد".

يشير الكاتب إلى أن الآثار الناجمة عن تلك الخطوات تتجاوز الاقتصاد. فعلى مر السنين، استمعت اختلف رؤساء الحكومة في الفلسفة السياسية، ولكن كان لديهم جميعاً تصوّر طموح لدور بريطانيا في العالم. وعلى الرغم من اعترافهم بأن بريطانيا لن تكون أبداَ قوة عظمى مثل الولايات المتحدة أو الصين، إلا أنهم تصوروها كلاعب عالمي نشط ومشارك يهتم بعمق بمشاكل وأزمات العالم.

إرث ضائع
كان لبريطانيا صوت قوي في الاتحاد الأوروبي كواحد من أكبر 3 اقتصادات في التكتل، كما أنها تتمتع بوضع خاص بفضل الأمم المتحدة. الفيتو، وعلاقاتها الوثيقة مع واشنطن، وقواتها المسلحة. والأهم من ذلك، أن لديها تقليداً طويلاً في توليد الأفكار والأجندات حول القضايا العالمية، متجذرة في إرثها كدولة ليبرالية حرّة التجارة لها روابط تاريخية عميقة في جميع أنحاء العالم. كان لها صوت يسمع في كل مكان.
لكن على مدى العقد الماضي، يقول زكريا: "زاد ركود الإنفاق الدفاعي، بينما تم تخفيض الأموال المخصصة للخدمة الخارجية والمساعدات الخارجية وحتى هيئة الإذاعة البريطانية. والآن نادراً ما يتحدث رؤساء الوزراء البريطانيون إلى وسائل الإعلام الدولية وعندما يفعلون ذلك، ليس لديهم ما يقولونه. أصبحت بريطانيا دولة متوسطة معزولة قبالة سواحل أوروبا، أصبحت بريطانيا العظمى إنجلترا الصغيرة".

ويرى الكاتب في ختام مقاله أن العلاج الذي من شأنه استعادة النمو البريطاني، وتوسيع طموحات البلاد وإعادتها إلى مكانة مركزية في تشكيل عالم جديد من منافسة القوى العظمى، هو عودة بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي".