وزير الخارجية والتعاون الدولي الشيخ عبد الله بن زايد في منطقة منكوبة في شمال سوريا (وام)
وزير الخارجية والتعاون الدولي الشيخ عبد الله بن زايد في منطقة منكوبة في شمال سوريا (وام)
الإثنين 13 فبراير 2023 / 11:42

"جسور الخير" إلى سوريا...درس جديد من الإمارات

24 - سليم ضيف الله

بعد أن طالتها سهام الانتقادات خرجت أوروبا في نهاية الأسبوع الماضي، مرتبكة ومذعورة للدفاع عن نفسها بعد اتهامها بالتغاضي عن المأساة السورية.

وفي الوقت الذي هبت فيه دول العالم، باستثناء أوروبا وواشنطن، لمساعدة دمشق على تجاوز الزلزال المدمر، الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، اكتفت بروكسل بتكرار بيانات باهتة لم تعد تقنع أحداً، في حين عملت واشنطن على التهرب من مسؤولية إعاقة المساعدات والإغاثة، بتأكيد تجميد العقوبات 180 يوماً، للسماح بإيصال المساعدات، لترفع بطريقة أو بأخرى غطاءها عن أوروبا التي وجدت نفسها عارية في مواجهة الفضيحة.

وبعد أسبوع كامل من الكارثة، لم يصل من أوروبا كما قالت مصادر رسمية سورية أمس الأحد، سوى 30 طناً من الإمدادات الطبية، ومعدات الإنقاذ، والنجدة، لتكسر إيطاليا بخجل، جدار الجمود الأوروبي.
وبدوره قال المفوض الأوروبي لإدارة الأزمات يانيز لينارتشيتش الأحد، إن الاتحاد سيعمل على توفير تمويل عاجل لإغاثة سوريا، بحوالي 3.5 ملايين دولار!!، أما مبعوث الاتحاد إلى سوريا دان ستوينيسكو، فرفض الأحد أيضاَ الاتهامات لأوروبا بالتخاذل عن نجدة سوريا، وبتسييس المساعدات، مشيراً إلى محاولات الاتحاد جمع 50 مليون دولار، لإغاثة سوريا!
إن الأرقام وحدها تكفي، لتكشف حجم المأساة الإنسانية، عند النظر لـ"محاولة" الاتحاد الأوروبي جمع 50 مليون دولار، وهو الذي يضم 27 دولة، تبرع أصغرها بضعف هذه المبالغ لتسليح أوكرانيا، مثلاً أو لدعم "الربيع العربي" بين 2010 و2011، ولضمان حقوق الأقليات "الجندرية" من مثلية، أو تحول جنسي، أو غيره، أو حتى لحماية حقوق الحيوان، نتأكد أن هناك خللاً خطيراً في المنظومة القيمية الدولية، خاصةً في أوروبا.
إن مقارنة ما رصدته الإمارات مثلاً، فور انتشار خبر الزلزال في البلدين، مع ما أعلنته دول الاتحاد السبع والعشرين، تكشف حجم الهوة بين المقاربتين، فعندما أعلن رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد، 100 مليون دولار مناصفة بين البلدين، فضلاً عن 27 مليون دولار إضافية وجه بها نائب رئيس الدولة الشيخ محمد بن راشد، و"أم الإمارات" الشيخة فاطمة بنت مبارك، لمساعدة الشعبين السوري والتركي، لم يكن ذلك سوى مقدمة لما لحق هذا القرار من إجراءات أخرى مهمة، مثل تسيير جسر جوي ضخم، إلى البلدين وإطلاق عملية "الفارس الشهم2" لنقل عشرات الأطنان من المساعدات والمعدات والتجهيزات، فضلاً عن المواد الإغاثية والطبية، على مدار الساعة، وإقامة مستشفى ميداني في جنوب تركيا لاحتضان المصابين والمشردين والنازحين، فضلاً عن إدخال قوافل مساعدات طبية، وفرق إنقاذ، إلى مناطق سورية كثيرة في شمال البلاد المتضرر، قبل أن يصل بعد ذلك كله وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد، إلى دمشق ومنها يتحول إلى المناطق المتضررة ليواكب عمليات البحث والإنقاذ ميدانياً، ويوجه ببذل المزيد من الجهد لنجدة الأرملة، واليتيم والمُسن، بالتوازي مع الجهود المبذولة على الجانب الآخر من الحدود، في تركيا.
كشف الموقف الأوروبي الأخير، بلا شك الكثير من التناقض والازدواجية، ولكنه كشف أيضاً حرصاً إماراتياً خالصاً على الإنسان وحده، وفي هذه الحالة على السوري وحده، سواء كان في مناطق خاضعة للحكومة السورية، أو للجماعات المسلحة من مختلف الانتماءات في الشمال، وكشف أن لا فرق بين سوري وسوري إلا بما أصابه من نكبة، أما البقية فتفاصيل غير مهمة.
وفي المقابل، تكتفي أوروبا موحدة و دولاً، منذ اندلاع الأزمة خاصة بمناسبة مؤتمر المانحين السنوي في بروكسل لدعم سوريا، بإعلان تعهدات مالية، لا يتجاوز الالتزام بتنفيذها 40%.
وفي هذا الإطار تقول بيانات الأمم المتحدة، إن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، تعهدت منذ 2011، بحشد 27 مليار يورو، أي بمعدل 1 مليار يورو لكل دولة.
وفي المقابل تفيد الأرقام بأن الاتحاد الذي يشكل العملاق الاقتصادي الثالث عالمياً، بعد الولايات المتحدة والصين، دفع أقل من نصف هذا المبلغ منذ 2012 لسوريا، أي حوالي 13 مليار يورو.
وللمقارنة حصلت هايتي بعد الزلزال المدمر الذي ضرب الجزيرة الصغيرة في يناير (كانون الثاني) 2010، في أقل من 10 أيام بعد الكارثة على 2.2 مليار دولار، من المساعدات العاجلة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
أمام هذا السلوك، وهذه المواقف، لم تكتف الإمارات التي ساهمت منفردة بأكثر من 1.1 مليار دولار أمريكي بما قدمته من مساعدة للسوريين على امتداد سنوات الصراع بين 2012 و2022، وبمساهماتها المختلفة في عشرات البرامج الدولية والإقليمية الأخرى مثل صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريل لدعم إعادة الاستقرار في الداخل، المساعدات التي وجهتها إلى مخيمات اللاجئين السوريين في دول الجوار من لبنان، إلى الأردن، ومن تركيا إلى اليونان، وغيرها، فبادرت إلى مد "جسور الخير" وأطلقت "الفارس الشهم2" وأقامت المستشفى الميداني، وطار وزير خارجيتها إلى دمشق، ومنها إلى المناطق المتضررة في الشمال، ليؤكد بين الأنقاض والركام أن "دولة الإمارات بتوجيهات قيادتها الرشيدة ملتزمة بالوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق، وتقديم الدعم، والمساعدة المطلوبين لغوث إخواننا المنكوبين جراء هذه الكارثة الإنسانية التي خلفت خسائر بشرية ومادية، حتى يتخطوا هذه المحنة الطارئة".