الرئيسان الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينغ.
الرئيسان الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينغ.
الثلاثاء 14 مارس 2023 / 18:39

من المستفيد من المواجهة مع الصين؟

أكدت هيئة التحرير في صحيفة "نيويورك تايمز" أن الانفصال الاقتصادي الأمريكي عن الصين يضر الطرفين. لقد سعت الولايات المتحدة طوال معظم نصف القرن الماضي إلى إعادة تشكيل الصين عبر الارتباط الاقتصادي والديبلوماسي، أو في حالة إدارة ترامب عبر فك الارتباط عنها في هذين المجالين. من جهتها، جمدت إدارة بايدن فكرة أنه يمكن تغيير الصين، لمصلحة الأمل بإمكانية تقييدها.

أفضل ما يخدم المصالح الأمريكية هو التشديد على المنافسة مع الصين

تحرك البيت الأبيض للحد من العلاقات الاقتصادية مع الصين ومن وصولها إلى التكنولوجيا ذات التطبيقات العسكرية وللانسحاب من مؤسسات دولية احتضنت سعي الولايات المتحدة طويلاً للانخراط مع الصين وتعزيز العلاقات مع جيرانها. وفي الأشهر الأخيرة، قيدت الولايات المتحدة صادرات أشباه الموصلات إلى الصين ومضت الأسبوع الماضي في خطط لمساعدة أستراليا على حيازة غواصات نووية. وتتطلع الإدارة إلى فرض قيود جديدة على الاستثمارات الأمريكية في بعض الشركات الصينية. على مستوى التعامل مع الصين كتهديد متزايد للمصالح الأمريكية، تحظى الإدارة بدعم واسع من كبار الجمهوريين ومعظم مؤسسات الجيش والسياسة الخارجية ومجموعة متزايدة من مجتمع الأعمال.


لم تتحقق الآمال

صحيح أن الانخراط مع الصين أثمر أقل مما أمله أنصاره. لم يثبت اعتناق الصين للرأسمالية أنه خطوة أولى نحو لبرلة اجتماعها أو نظامها السياسي كما تبرهن الصين عن نية أعظم بالانخراط في استفزازات مقلقة مع تصاعد للعروض العسكرية في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان وتوجيه منطاد فوق الولايات المتحدة. ويقول مسؤولون أمريكيون إن الصين تفكر في إرسال مساعدة عسكرية إلى روسيا. مع ذلك، وبالرغم من جميع مشاكلها، تواصل العلاقة بين الولايات المتحدة والصين إنتاج منافع اقتصادية كبيرة لسكان البلدين وسائر العالم. كذلك، ولأن الدولتين ترتبطان معاً بالملايين من التفاعلات اليومية الطبيعية والمسالمة، ثمة حافز أساسي للحفاظ على هذه الروابط، وأساس للعمل معاً على مشاكل مشتركة مثل التغير المناخي.


حجج سطحية

أضافت الصحيفة أن أفضل ما يخدم المصالح الأمريكية هو التشديد على المنافسة مع الصين مع تقليل المواجهة. الاستدعاءات السطحية للحرب الباردة مضللة. لا يتطلب الأمر أكثر من لمحة لتقدير أن هذه العلاقة مختلفة جداً. عوضاً عن الهرولة في المنافسة، يجدر بأمريكا التركيز على تعلم الركض بشكل أسرع عبر المزيد من الاستثمارات في التعليم والأبحاث العلمية الأساسية مثلاً. ويجب أيضاً إبقاء الأفعال والخطابات الصينية ضمن منظورها الصحيح. بمعايير القوى العظمى، تبقى الصين محبة للبقاء في الديار.


لا تزال ارتباطاتها الخارجية خصوصاً خارج محيطها المباشر، اقتصادية بشكل أساسي. كانت الصين تلعب دوراً أكثر نشاطاً في الشؤون الدولية خلال السنوات الأخيرة، حيث جسد تسهيل الصين اتفاقاً جديداً بين المملكة العربية السعودية وإيران أحدث مثل على ذلك، لكنها تواصل بشكل مذهل إظهار اهتمام قليل بإقناع دول أخرى بتبني قيمها الاجتماعية والسياسية. وثمة إشارات إلى أن القادة الصينيين غير متحدين في دعم موقف أكثر صدامية. حري بالولايات المتحدة إعادة طمأنة أولئك المنفتحين على التطمينات.


التحديات نفسها

لفتت نيوروك تايمز إلى أن أمريكا والصين تكافحان الكثير من التحديات نفسها مثل ضمان ما سماه الرئيس الصيني شي جينبينغ "الازدهار المشترك" في عصر عدم المساواة في الدخل وكيفية كبح أسوأ تجاوزات الرأسمالية من دون فقدان قواها الخلاقة الحية، وكيفية رعاية المسنين والشباب الذين يريدون من الحياة أكثر من مجرد العمل وكيفية إبطاء وتيرة التغير المناخي وإدارة تأثيراته التعطيلية، من ضمنها الهجرة الجماعية. إن جوهر استراتيجية أمريكا الصينية في بناء علاقات أقوى مع حلفاء الولايات المتحدة هي سياسة سليمة. ومع مرور الوقت، على الولايات المتحدة السعي إلى توافق أكبر بين مصالحها الاقتصادية وأهداف وطنية أخرى.


تعطيل منتديات أساسية

حسب الصحيفة نفسها، على الولايات المتحدة عدم الانسحاب من منتديات تواصلت من خلالها طويلاً مع الصين. على سبيل المثال، تدير منظمة التجارة العالمية محكمة استئناف تم إنشاؤها للفصل في النزاعات التجارية. لكن المحكمة تعطلت لأكثر من عامين منذ أن أتم القضاة المعينون مؤخراً ولاياتهم. ورفضت إدارة بايدن دعم تعيين قضاة جدد. كما انسحبت أيضاً من لجان في المنظمة نفسها تسن قواعد التجارة وفق الأستاذ في جامعة سنغافورة للإدارة هنري غاو. وحين اقترح شي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي استخدام منظمة التجارة العالمية لتأسيس قواعد تعنى بالشركات المملوكة من الدولة، وهي هدف أمريكي أساسي، لم تظهر الولايات المتحدة اهتماماً كبيراً حسب غاو. وصفت هيئة التحرير هذا الأمر بالخطأ لأن بناء نظام دولي مبني على القواعد كان واحداً من أهم إنجازات القرن العشرين. لا يمكن الحفاظ عليه إذا لم تواصل الولايات المتحدة المشاركة في تلك المؤسسات.


مؤلم ومفيد

إن استمرار إدارة بايدن في فرض قيود تجارية تعود إلى ولاية ترامب على الصين هي استراتيجية مريبة. من المرجح أن ينتج الحد من التنافس بعض المنافع القصيرة المدى، لكن النمو الاقتصادي الأمريكي في العقود الأخيرة كان مدفوعاً بشكل أساسي بزيادة الإنتاجية في قطاعات مكشوفة أمام التجارة العالمية. لقد كان التنافس مؤلماً ومفيداً معاً.
تتقلص بشكل كبير قيمة الاستثمارات الكبيرة للحكومة الفيديرالية في البنية التحتية والأبحاث والتعليم التقني بفعل إجراءات تحد حجم الأسواق أمام السلع الأمريكية أو تحمي الأعمال الأمريكية من التنافس الأجنبي الصحي. والانعطاف الصدامي يصعّب أكثر على الولايات المتحدة والصين التعاون على التصدي للتغير المناخي وقضايا أخرى حيث يمكن للمصالح القومية أن تلتقي بشكل معقول.


مفردات لا تخدم أمريكا

بإمكان اعتبارات الأمن القومي توفير مبرر مشروع للحد من بعض أنواع التجارة مع الصين. لكن يمكنها أيضاً توفير مفردات شرعية للتدابير الحمائية التي لا تصب في مصلحة الأمريكيين. لطالما كان أفضل ضمان للأمن الأمريكي على المدى الطويل هو الازدهار الأمريكي والتواصل مع سائر العالم. وهذا صحيح بالنسبة إلى الصين أيضاً، تختم الصحيفة.