مودعون أمام أحد فروع سيليكون فالي أملاً في استعادة أموالهم من المصرف المفلس (أرشيف)
مودعون أمام أحد فروع سيليكون فالي أملاً في استعادة أموالهم من المصرف المفلس (أرشيف)
الثلاثاء 14 مارس 2023 / 12:53

سيليكون فالي...إفلاس بنك يهدد بأزمة مالية عالمية جديدة

24 - سليم ضيف الله

فجأة ودون مقدمات، وجد العالم نفسه مهدداً بالعودة إلى محاولة الإفلات من كابوس هدده في 2008، وظن أنه تجاوزه بأخف الأضرار، ولكن انهيار سيليكون فالي، أعاد الخبراء والمحللين فضلاً عن عشرات وآلاف المودعين، إلى وادي الألم والخوف من جديد.

فجأة سقط مصرف سيليكون فالي في أقل من أسبوع، فبعد  أيام معدودة من إعلان مشاكل البنك المالية، أشهر  المصرف إفلاسه بسرعة قياسية، ما شكل صدمة عنيفة للنظامين المصرفي والمالي الأمريكيين، خاصةً بعد أن جرت كرة ثلج سيليكون فالي معها أيضاً بنكين آخرين أصغر، هما سيغنتشر،  وسيلفر غيت، ما أطلق صفارات الإنذارات وأجراس التحذير في كل الاتجاهات.

محاولات تهدئة

وسارعت الإدارة الأمريكية إلى محاولة تهدئة المودعين والمستثمرين على سلامة القطاع البنكي، وأجل المركزي الأمريكي رفع سعر الفائدة، لامتصاص صدمة الانهيار، وتفادي عودة التضخم، والحد من نزيف مالي محتمل. ورغم الضمانات والتطمينات المختلفة، لم تفلح واشنطن في السيطرة على الحريق سريعاً، ما جعل المتابعين والمحللين يرون في انهيار سيليكون فالي، م

ؤشراً جديداً على استمرار المشاكل المالية الهيكلية في أمريكا، من جهة، ومحدودية الإجراءات الاحترازية وتقصير المركزي الأمريكي في ضمان قاعدة صلبة للعمل المصرفي،  رغم كل الدروس المستفادة من أزمة 2008، والأزمات الأصغر التي تبعتها.

وفي مقابل رسائل التهدئة والطمأنة في الولايات المتحدة، وأوروبا، وبدرجة أقل في آسيا، والتشديد على محدودية انكشاف القطاعات المالية فيها على بنك سيليكون فالي، فإن مؤشرات كثيرة تؤكد أن الهزة العنيفة التي سببها الإفلاس الأخير، لم تنته بعد، في انتظار هزات ارتدادية أخرى، قد تعصف بأكثر من اقتصاد حول العالم.

خسائر فادحة

وبالنظر إلى الأسواق المالية، كانت وول ستريت والأسواق المالية الأوروبية خاصة فرانكفورت، وباريس، وزوريخ من أبرز المتأثرين بصدمة سيليكون فالي، ما انعكس  تدهوراً للبورصات وسقوطاً حراً لأسهم القطاع البنكي، في البورصتين الأمريكية والأوروبية، فتبخرت 190 مليار دولار من قيمة أسهم البنوك الأمريكية في أقل من أسبوع، بعد خسارتها 90 مليار دولار يوم الإثنين وحده، في حين خسرت البنوك الأوروبية عشرات ملايين اليوروهات مثل كريدي سويس البنك الأشهر في سويسرا الذي سجل تراجعاً قياسياً أمس الإثنين بـ14.3%، ما يكشف حجم المخاوف المتنامية من تأثيرات محتملة، أو من قنابل موقوتة أخرى قابلة للانفجار، خاصةً في ظل ما يعرف بقانون السلسلة، أو الانهيارات المتتابعة بسبب الترابط والتداخل المتشعب بين البنوك والمصارف ومؤسسات التمويل الدولية.

وفي هذا السياق، كشف تقرير لرويترز ، الإثنين، أن 5 بنوك كبرى ومتوسطة أخرى، معرضة أو مهددة بالتعثر إذا تفاقمت الأزمة الحالية في ظل  احتمال تبخر ودائع مودعين لديها غير مؤمنة، وتتراوح هذه الودائع بين 119 مليار دولار لدى   فيرست ريبابليك بنك، و25 مليار دولار لدى  بنك سينوفوس، إلى جانب ودائع  بنوك كوميريكا، وويسترن أليانس، وزايونز، البنوك المهددة بسبب تواضع تأمين الودائع لديها، إلى نسب تصل إلى 68% من إجمالي الأصول المودعة فيها.


آثار مؤجلة
ومن جهة أخرى، ينتظر المتابعون والمحللون أن تظهر الآثار السلبية الحقيقية لانهيار سيليكون فالي، على المدى المتوسط والبعيد، فالبنك الذي نشأ في كاليفورنيا، واعتمد في اسمه على سيليكون فالي، عاصمة شركات التكنولوجيا العملاقة في أمريكا والعالم، كان المصرف المفضل لشركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وعلوم الحياة، والبيولوجيا الحيوية العاملة في مجالات اكتشاف الأدوية الجديدة على غرار اللقاحات، أو البرامج المتطورة العاملة في قطاعات تتراوح بين العملات المشفرة مثل شركة سيركل الأمريكية، التي تملك 3.3 مليارات دولار من احتياطياتها من العملات المشفرة، المقدرة بـ 40 مليار دولار، لدى بنك سيليكون فالي،  إلى صناعة الصواريخ مثل أسترا سبيس التي تنتج الصواريخ، التي وجدت أموالها محتجزة لدى سيليكون فالي مقابل وديعة بما يمثل نحو 15% من السيولة النقدية المتاحة لها،   حتى 10 مارس (آذار) الجاري، أو روكيت لاب يو.إس.إيه للصواريخ  التي أودعت نحو 7.9 % من إجمالي النقد لديها في سيليكون فالي.

ويكشف هذا المعطى حجم التعرض أو الانكشاف غير المباشر لمؤسسات أمريكية ودولية أخرى أيضاً على سيليكون فالي، ما يمكن أن يهدد نشاطها واستمرارها، وأورد تقرير لرويترز قائمة مطولة من الشركات المتأثرة بأزمة البنك مباشرة، في الولايات المتحدة، ولكن أيضاً في كندا،  وفي أوروبا خاصةً في بريطانيا، والدنمارك، والسويد، وأيرلندا، وأستراليا، وصولاً إلى الكويت أين أعلن بيت التمويل الكويتي انكشافه على سيلكون فالي، بمبلغ بسيط لا يتجاوز 1.2 مليون دولار.
من أمريكا إلى الكويت

وفي ظل اختلاف التعرض والانكشاف، وتباين مستويات التضرر من إفلاس البنك، فإن حجم وتمدد أنشطته  في القارات الخمس، يرجح تعرض عشرات الشركات حول العالم إلى الضرر، ولو بأشكال متفاوتة، لكن الأخطر في الأمر أن 90% من الشركات المتضررة، تعمل في قطاعات حساسة وحيوية أيضاً مثل شركات الصناعات المتقدمة، والأدوية، والبيوتكنولوجيا، ما يجعل الشركات الناشئة  حول العالم خاصة العاملة منها في مجال التكنولوجيا الحيوية، في دائرة الخطر.
والواقع أن سبب المخاوف على هذه الشركات لا يقتصر على الخوف من تعرضها لأزمات مالية يمكن أن توقف تطورها وتعرقل طرح منتجاتها من الأدوية واللقاحات مثلاً، ولكن من تراجع فرصها في الوصول إلى مصادر التمويل الحيوية لاستمرار عملها، في ظل تراجع المصارف ومؤسسات التمويل عن الإقراض، أو التمويل المباشر، وهو عكسه ارتفاع هوامش مبادلة مخاطر الائتمان في الولايات المتحدة منذ يوم الإثنين، ما يعكس تحوط المستثمرين وتخوفهم من تدهور جودة الائتمان. وانخفض المؤشر المكافئ لمبادلة مخاطر الائتمان في الشركات عالية المخاطر إلى 98.9  الإثنين، وفق رويترز، وهو أدنى مستوى منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ما يعني آلياً تقلص حظوظ هذه الشركات في الحصول على التمويلات الضرورية، كما في السابق.

فقاعة 2000

وبالتوازي يكشف توجه المستمثرين وصناديق الاستثمار إلى الذهب والمعادن الأخرى، وإلى العملات المشفرة، التي شهدت جميعها ارتفاعات حادة منذ إفلاس سيليكون فالي، تحاشي التدفقات المالية للشركات الناشئة وذات المخاطر المرتفعة، ما يُذكر ربما بأزمة فقاعة الإنترنت في 2000، وانهيار شركات الاتصالات العملاقة يومها، ما جدد المخاوف من انتكاسة الاقتصاد العالمي المنهك أصلاً من الأزمات المتتالية التي شهدها في الأعوام القليلة الماضية، من أزمة كورونا، إلى الحرب بين روسيا وأوكرانيا وتداعياتهما الدولية الواسعة، في ظل الشكوك في قدرة الإجراءات الرسمية الأمريكية على احتواء حريق البنك المنهار، بالتشديد على ضمان حقوق المودعين في البنوك الأمريكية، ولكن تقارير مالية دولية كثيرة أكدت أن الوكالة الأمريكية للضمان، التي تتدخل لتعويض المودعين عن خسائرهم، لا تدفع أكثر من 250 ألف دولار حداً أقصىى للمتضررين، شرط تأمين الودائع لدى المصارف، وهو ما تبين أنه غير متوفر في عدد من البنوك الأمريكية المعرضة للأزمة،  فضلاً عن بنك سيلكون فالي، الذي لم يُؤمن سوى 4% فقط من إجمالي السيولة المودعة لديه، من أصل عشرات مليارات الدولارات.