سيدة أمام أحد فروع كريدي سويس في بيرن (أرشيف)
سيدة أمام أحد فروع كريدي سويس في بيرن (أرشيف)
الخميس 16 مارس 2023 / 14:12

سيليكون فالي أفلس وكريدي سويس يترنح...رعب في البورصات الأوروبية

24 - سليم ضيف الله

بعد الهزة التي ضربت أسواق المال الأمريكية على امتداد هذا الأسبوع، امتدت الارتدادات إلى أوروبا ومؤسساتها المصرفية التي اهتزت بعنف أمس الأربعاء، بعد التدهور التاريخي لبنك كريدي سويس، الذي يعد أحد عمالقة المصارف الأوروبية، وأحد البنوك الدولية الكبرى، باحتلاله المرتبة 38 عالمياً في 2022، رغم الأزمة الخانقة التي يعيشها منذ بضع سنوات.

حبست البورصات الأوروبية أمس أنفاسها بسبب تفاقم متاعب المصرف السويسري، الذي تكبد خسائر صافية بلغت 7 مليارات يورو في 2022، خاصةً بعد إعلان المساهم الأول في البنك رفضه ضخ سيولة جديدة فيه لتجاوز الأزمة. وفور إعلان رئيس  الأهلي السعودي عمار الخضيري أمس قراره، كاد سهم كريدي سويس ينهار، بعد تدهوره التاريخي بأكثر من 24% أمس الأربعاء، مع ذروة بـ30%، قبل وقف التداول، ما أثار الرعب في كامل الأسواق الأوروبية.

من سويسرا إلى فرنسا
وفي المقابل سارعت المؤسسات المالية، وحكومات أوروبية عدة، في تبني خطاب تهدئة لم ينجح في القضاء على المخاوف، خاصةً في فرنسا، التي تعرضت مصارفها الكبرى خاصةً البنكين الكبيرين، سوسيتي جنرال، وبي إن بي باريبا، الذين تراجعا في بورصة باريس 11 و13% على التوالي، ما عرض الساحة المالية الأوروبية إلى هزة عنيفة، تسببت في خسائر فادحة تراوحت بين 3.25% في بورصة باريس، و2.34% في لندن، و2.61% في فرانكفورت، و3.61% في ميلانو، بعد التراجع الحاد لأسهم كل البنوك المدرجة فيها، مثل العملاق الألماني دويتش بنك الذي خسر 9% بسبب البنك السويسري.
واليوم الخميس، نقلت التقارير الإعلامية، أن الحكومة السويسرية ستقرض البنك المتعثر 54 مليار يورو، لمساعدته على مواجهة الأزمة، بعد تأكيد مناقض أمس الأربعاء من حكومة زوريخ التي نفت نيتها إنقاذ البنك بالأموال الفيدرالية، ما يكشف حجم الأزمة والتخبط المتصاعد.
وفي باريس، سارعت رئيسة الحكومة إليزابيت بورن، بمطالبة سويسرا "بحل مشكلة كريدي سويس" قبل أن تُضيف "سيتواصل وزير المالية برونو لومار مع السلطات السويسرية في أقرب وقت ممكن".
وفي سويسرا أعلن البنك المركزي، وهيئة الرقابة على السوق المالية، مساء أمس أنهما "سيدعمان كريدي سويس بالسيولة المطلوبة إذا لزم الأمر"، وشدداً على نفي أي "مخاطر تهدد المؤسسات المالية السويسرية بسبب انهيار البنكين الأمريكيين سيليكون فالي، وسيغنتشر".
نار تحت الرماد

ورغم هذه المحاولات للسيطرة على الحريق قبل توسعه، فإن المراقبين والمتابعين يتخوفون من انهيار المصرف، ومن تسونامي مالي فعلي في أوروبا، ربما تفوق تداعياته الأزمة المالية التي اندلعت بعد انهيار بنك ليمان براذرز، الذي تسبب في الأزمة المالية العالمية في 2008، ذلك أن للبنك السويسري الذي يعد أحد المصارف الكبرى في أوروبا، علاقات مالية وثيقة بكل البنوك الكبرى الأخرى في أوروبا، بما فيها مصارف عملاقة لها مساهمات وحصص في البنك، وأصول وأوراق مالية أخرى كثيرة تملك فيه أو معه، ما سيطلق لعبة دومينو حقيقية في كامل أوروبا ومن ورائها العالم، إذا تعثرت بنوك كبرى أخرى بسببه خاصةً في فرنسا أو ألمانيا.
وتنامت المخاوف على البنك السويسري، بعد مؤشرات على استمرار الأزمة الخانقة التي يمر بها البنك منذ بضع سنوات، والتي كبدته 80% من قيمة سهمه الإسمية في البورصة منذ 2021، بعد إفلاس الشركة المالية البريطاني غرينسفيل، التي كان المصرف  من أبرز المساهمين فيها، ما كبده في 2022 مثلاً 8 مليارات يورو، في انتظار خسائر جديدة أكبر منتظرة في 2023، وفق المصرف نفسه.

مليارات في خطر
ويمثل البنك السويسري الذي تأسس في 1856 ، اليوم أكبر مصدر خوف وقلق في أوروبا، لأنه البنك الأوروبي الأكبر المتخصص في إدارة الثروات الخاصة، والأصول الشخصية، ما يعني أن انهياره سيبكد مئات وربما آلاف المليونيرات والمليارديرات في أوروبا والعالم خسائر فادحة، والبنوك الكبرى الأخرى في أوروبا، ضرراً مباشراً بسبب مساهماتها فيه من جهة وبسبب إقراضها عشرات الملايين من اليورو للبنك المتعثر، في إطار التعامل البنكي، وغير مباشر إذا انتشر الذعر والهلع بين المودعين، الذين سيتسابقون لسحب أموالهم من البنوك، في انتظار جلاء الغموض المهيمن على المصارف الأوروبية، والتأكد من مصير كريدي سويس، الذي كبد البنوك الأوروبية مجتمعة هذا الأسبوع خسائر مالية تراوحت بين 10 و15%، ما يعني تبخر مليارات الدولارات في أقل من 4 أيام، في خسائر تفوق خسائر بنك سيليكون فالي الأمريكي نفسه، الذي أطلق شرارة الأزمة المالية الراهنة، ما جعل وزارة الخزانة الأمريكية نفسها، تؤكد أمس في بيان أنها "تراقب تطور وضع كريدي سويس بقلق" بسبب تداعياته الممكنة.
ورغم هدوء الأزمة صباح اليوم الخميس، بعد تحسن سهم كريدي سويس في البورصة، فإن المخاوف لا تزال قائمة، خاصةً بسبب إعلان أحد كبار المساهمين السابقين في البنك، صندوق الاستثمار الأمريكي هاريس أسوسيتد، الانتهاء من التخارج من رأس مال البنك، وتخلصه من كل الأسهم التي يملكها فيه، منذ أيام قليلة، ما يفتح المجال أمام مستثمرين آخرين كبار للانسحاب من المؤسسة البنكية المترنحة، فتخرج الأمور عن سيطرة المركزي السويسري، أو حتى البنك المركزي الأوروبي.