مستشار الأمن القومي السعودي مساعد بن محمد العيبان (يسار)، والدبلوماسي الصيني الكبير وانغ يي (وسط)، وعلي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، في بكين. (رويترز)
مستشار الأمن القومي السعودي مساعد بن محمد العيبان (يسار)، والدبلوماسي الصيني الكبير وانغ يي (وسط)، وعلي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، في بكين. (رويترز)
الإثنين 20 مارس 2023 / 09:11

ماذا قال كيسنجر عن الاتفاق السعودي- الإيراني؟

24- طارق العليان

علّق الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي ديفيد إغناثيوس على الاتفاق السعودي-الإيراني، قائلاً إنه لا بد أنَّ هنري كيسنجر راوده شعور بمعايشة التجربة ذاتها مجدداً، إذ إن الجهود الدبلوماسية الثلاثية تشبه إلى حد كبير انفتاح وزير الخارجية الأمريكيّ السابق على الصين عام 1971.

ستكون المنطقة مسرحاً للعبة جديدة بقواعد جديدة


وكتب في مقال بصيحقة "واشنطن بوست": "قال لي كيسنجر خلال مقابلة شخصية الأسبوع الجاري مُعلقاً على هذا التقارب: (إنني أراه تغيراً كبيراً في الموقف الإستراتيجيّ في منطقة الشرق الأوسط. فالسعوديون يوازنون الآن أمنهم، إذ يضعون الولايات المتحدة في مواجهة مباشرةٍ مع الصين). وبطريقة مثيلة، بحسب تعليق كيسينجر، استطاع هو والرئيس ريتشارد نيكسون أن يستغلا التوترات بين بكين وموسكو في تعاملهما التاريخي مع الصين".

تحفيف حدة التوترات

وتابع الكاتب إن تخفيف حدة التوترات في الخليج العربي أمر إيجابي للجميع، على المدى القصير. وإذا أراد الرئيس الصيني شي جين بينغ أن يضطلع بدور تقييد إيران وطمأنة السعودية، فحظاً موفقاً له. فقد ظلّت الولايات المتحدة تحاول منذ عام 1979 أن تغرس بذور الاستقرار من بعد الثورة الإيرانية.

بكين..صانع سلام

ولكن على المدى الأبعد، فإن سطوع نجم بكين بوصفها صانعَ سلام "سيغير نطاق الاختصاصات في الدبلوماسية الدولية"، بحسب تصريح كيسنجر. لم تعد الولايات المتحدة القوة التي لا غنى عنها في المنطقة، والدولة الوحيدة القوية أو المرنة بما يكفي للتوسط في صفقات السلام. فقد استحوذت الصين على نصيب من هذه القوة التنظيميّة.

 


ويوضح كيسينجر الموقف قائلاً: "أعلنت الصين خلال السنوات الأخيرة عن أنها بحاجة إلى أن تكون طرفاً مشاركاً في خلق النظام العالميّ الجديد. وقد خَطَت خطوة كبيرة في هذا الاتجاه".
كما أنّ دور الصين المتنامي يُعقِّد قرارات إسرائيل. فقد عَدَّ القادة الإسرائيليون توجيه ضربة عسكرية وقائية ضد إيران الملاذ الأخير، ولا سيما مع اقتراب طهران أكثر من أي وقت مضى من التحول إلى دولة تمتلك أسلحة نووية. ولكن، كما قال كيسنجر: "يتعين أن تضع أي ضغوط تُمَارَس على إيران الآن حساب مصالح الصين".



وبدأت المحادثات السعودية-الإيرانية السِّريَّة قبل عامين في بغداد تحت رعاية رئيس الوزراء آنذاك مصطفى الكاظمي الموالي للولايات المتحدة. وعُقِدَت بعض الجلسات في عُمَان، وهي حليف أوثق للولايات المتحدة.
وفي ست جلسات تفاوض، اتفق الممثلون الإيرانيون والسعوديون على خارطة طريق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، التي علَّقتها السعودية عام 2016، احتجاجاً على دعم إيران السريّ للمتمردين الحوثيين في اليمن. وقبل التوصل إلى اتفاق نهائي لإعادة افتتاح السفارات، طالبَ السعوديون إيران بالاعتراف بدعمها للحوثيين والحد من هجماتهم.
كما أرْسَت واشنطن الأساس لتسوية الحرب المروعة في اليمن، إذ ساعدَ تيم ليندركينغ، مبعوث وزارة الخارجية إلى اليمن، على التفاوض على وقف إطلاق النار في أبريل (نيسان) الماضي. والرحلات المدنية الآن من صنعاء تنطلق بسلاسةٍ، وتتدفق البضائع عبر مدينة الحديدة التي تُعدُّ الميناء الرئيس لليمن. وأودعَ السعوديون مؤخراً مليار دولار في البنك المركزي اليمنيّ لتحقيق الاستقرار في الدولة.

ثمار حسن النوايا

وبعد ذلك، دخلت الصين المشهد لتحصد ثمار حسن النوايا. فعندما زار شي السعودية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تعهَّدَ باستغلال نفوذ بكين لدى إيران لإبرام الاتفاق. وعندما اجتمعت الأطراف الثلاثة في بكين الشهر الجاري، اعترف علي شمخاني، مستشار الأمن القومي الإيراني، بدعم الحوثيين، ووافقَ على التوقف عن إرسال الأسلحة إليهم. كما تعهدت إيران بأنها لن تشن هجمات على المملكة، سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلاء.
وواصل الكاتب: بعد شهرين، وعلى افتراض أن يُسيطر الإيرانيون على الحوثيين، سيعيد البلدان فتح سفارتيهما في الرياض وطهران. ونأمل أن يتمكن ليندركينغ من التفاوض على اتفاق سلامٍ في اليمن بحلول ذلك الوقت أيضاً.

إيران وحافة الهاوية

ويظل البرنامج النووي الإيراني الموضوع الشائك الذي يتجنبه الجميع. بالتزامن مع انهيار الاتفاق النووي لعام 2015، كثّفت إيران تخصيب اليورانيوم، ويقول الخبراء إنها ربما تستطيع اختبار سلاح نووي بسيط في غضون أشهر إذا شاءت.
ولكن يبدو أن إيران تدرك أنها قريبة من حافة الهاوية. فقد تعهدت طهران هذا الشهر بأنها ستسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية باستئناف المراقبة المكثفة لمواقعها النووية.
وجدير بالذكر أنّ نظام الملالي في إيران يضمحل، وعُملتها تتداعى. وتحدَّت فتياتها قانون الحكومة الذي يقضي بارتداء الحجاب، ويقول المواطنون إن الجمهور يتكهن بطبيعة البلد الذي سينشأ بعد رحيل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
وتابع إغناثيوس بقوله إن منطقة الشرق الأوسط، التي ظلّت لفترة طويلةٍ حافلة بالمواجهات، أصبحت تشهد لعبة توازنات. فالمملكة العربية السعودية أقامت صداقة حديثة مع الصين وإيران، ولكنها تتعاون أيضاً مع الولايات المتحدة إذ قدَّمَت 400 مليون دولار لأوكرانيا، وأنفقت 37 مليار دولار على 78 طائرة بوينغ، ودعمت تقنية خلوية جديدة تعتمد على شبكتي 5G و6G تعرف باسم O-RAN يمكن أن تَحلُّ محل تقنية شركة Huawei الصينية.

لعبة جديدة بقواعد جديدة

والواقع أن منطقة الشرق الأوسط لم تكن منطقة مُستقرة للغاية. وستكون لمنطقة الشرق الأوسط المتعددة الأقطاب، في ظل تحوطاتها وتوازناتها التي لا تنتهي، أخطارها الجسيمة أيضاً. وعلى حد قول كيسينجر، ستكون المنطقة مسرحاً للعبة جديدة بقواعد جديدة.