وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول.(أرشيف)
وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول.(أرشيف)
الثلاثاء 21 مارس 2023 / 12:34

غزو العراق يُعيد ذكريات فشل الإعلام الأمريكي وأكاذيب إدارة بوش

24- طارق العليان

اهتمت الصحف الأمريكية بالذكرى العشرين للحرب على العراق، وخصصت حيزاً واسعاً للحديث عنها.


وقالت روبن أبكاريان، كاتبة مقال رأي في مقال بصحيفة "لوس أنجلس تايمز" إنه منذ عشرين عاماً، أمر الرئيس جورج بوش الابن بغزو العراق، والإطاحة بالطاغية صدام حسين، وإشعال نار ما زالت تكتوي بها البلاد حتى الآن!.

وفي حينه، أيّد الإعلام التقليدي ادعاءات إدارة بوش الزائفة حول مخزونات صدام من أسلحة الدمار الشامل، ما حث أمتنا على الدخول في صراع أودى بحياة آلاف الأمريكيين ومئات الآلاف من العراقيين. كما أطلقت الحرب وسوء تخطيط إدارة بوش لتبعاتها العنان للصراع الطائفي، وظهور "داعش" الإرهابي، ونزوح أكثر من مليون عراقي.
وتركت هذه النقطة السوداء في تاريخ أمريكا أثراً تمثل في كلمات وعبارات رنانة مثل "أسلحة الدمار الشامل"، و"محور الشر"، و"تغيير النظام"، و"الكعكة الصفراء" (إشارة إلى اليوراينيوم)، و"تحالف الراغبين" (إشارة إلى القوات متعددة الجنسيات في العراق)، وبعض اللازمات الرخيصة والمزعجة في الوقت نفسه، والتي راح مسؤولو إدارة بوش يكررونها حتى الغثيان مثل العبارة التي دأبت مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس على تكررها، ألا وهي: "لا نريد أن يتحول دخان المدافع إلى غبار نووي". (وهو الرمز الذي ابتكره كاتب خطب بوش الراحل مايكل جيرسون).


دُمر مخزون أسلحة الدمار الشامل في العراق عام 1991، بعد غزو العراق للكويت، حيث أجبرها تحالف ضم 35 دولة بقيادة الولايات المتحدة على التراجع. كما أجبر مجلس الأمن العراق على إيقاف برامج الأسلحة النووية والبيولوجية. غير أن هذا لم يعن أن صدام قد جُرد من قوته.


صدام لم يكن الخطر الحقيقي


لكن صدام لم يكن هو الخطر الحقيقي، تقول الكاتبة، إذ نجح تيار المحافظين الجدد في إدارة بوش في تضليل الشعب بكل سهولة، لا سيما بعدما تأثر بشدة بهجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وحثه على الانخراط في الحرب. وصدق الشعب أنه يستطيع فرض الديمقراطية على أمة لم تعرفها من قبل.
وفبرك مسؤولو إدارة بوش صلات رخيصة، على حد وصف الكاتبة، بين العراق وهجمات 11 سبتمبر (أيلول) التي دبرها أسامة بن لادن وجماعته الإرهابية "تنظيم القاعدة" الإرهابي. وقد جلب كولن باول العار الأبدي لنفسه، حين طمأن العالم في خطاب له في الأمم المتحدة قبيل الغزو بقوله إن الخطر الذي يشكله العراق على العالم هو مبرر للحرب.
وقال باول إن "كل تصريح أدلي به اليوم لهو مدعوم بمصادر موثوق بها. ليس ما أقوله ادعاءات، بل حقائق واستنتاجات قائمة على معلومات مؤكدة"، لكنه اعترف لاحقاً بأن تصريحاته كانت كاذبة، وأن الاستخبارات الأمريكية قد حصلت على معظمها من مصادر غير موثوق بها، مثل أحمد شلبي زعيم المعارضة العراقي المنفي، الذي كان يحلم بالإطاحة بصدام حسين، والاستيلاء على السلطة في العراق!


ووثّق مركز النزاهة العامة تصريحات باول عام 2008 والتي كانت تحتوي على مئات الأكاذيب التي أطلقها بوش وكبار مسؤوليه كجزء من حملة ممنهجة نحو إقناع الشعب الأمريكي بمساندة غزو العراق "بذرائع واهية".


تواطؤ إعلامي


وقال المركز إن معظم وسائل الإعلام "كانت متواطئة مع هؤلاء في تغطيتها غير النزيهة لأسباب الحرب الدائرة". لكن استُثني من هذا التواطؤ ثلاثة مراسلين ومحرر بالمكتب التابع لمؤسسة "نايت رايدر" للنشر الإعلامي بواشنطن التي تعتبر إحدى أهم المؤسسات المُشككة في روايات الإدارة الأمريكية عن أسلحة الدمار الشامل. وراح جوناثان لانداي، ووارن ستروبل وجو غالواي والمحرر جون والكوت ينفون الكثير مما كان الإعلام التقليدي يردده.
وتقول الكاتبة أنه في عام 2013، أي بعد مرور 10 سنوات على الغزو، "أخبرني والكوت بأن فريقه كان مدفوعاً بالشك الذي يُعتبر أهم مصدر يعتمد الصحفيون عليه".


كذبة تحالف صدام وبن لادن


وأضاف أن الأسباب التي بررت بها إدارة بوش الحرب واهية، لا سيما مسألة تحالف صدام حسين مع أسامة بن لادن. "فكيف يتحالف ديكتاتور عربي علماني مع متطرف متأسلم يستهدف الإطاحة بالديكتاتوريين العلمانيين وإعادة إنشاء الخلافة؟ كلما حللنا الموقف، كلما وجدناه كذباً وتضليلاً".
وقال والكوت إنه بدلاً من الاعتماد على كبار المسؤولين، راح ومجموعته يستقون المعلومات من صغار الموظفين من غير المشتغلين بالسياسة والذين لا يرددون ما يقوله الرئيس كي يتوددوا له.

 

تغطية ساذجة

 

وراحت مؤسسة "نايت رايدر" تقوض مزاعم الإدارة الأمريكية حول إمكانات صدام حسين. فعلى سبيل المثال، رفضت صحيفة "فيلادلفيا إنكوايرر" التابعة لها نشر الكثير من القصص، خوفاً من تكذيبها، لا سيما من صحيفة "نيويورك تايمز" التي بررت تغطيتها الساذجة لقضية أسلحة الدمار الشامل بعد مرور 15 شهر على الغزو.
وكتب محررو الصحيفة أن "هناك احتمالية للعثور على أسلحة كيماوية أو بيولوجية في العراق. ولكن في تلك الحالة، سيبدو وكأننا والإدارة قد خُدعنا".
ورغم دعم غالبية الأمريكيين للغزو، فقد لاقى معارضة واسعة النطاق ومن أنحاء العالم كافة. غير أن التحرر من هذه الأوهام لم يستغرق وقتاً طويلاً، فلم يظهر أي عراقي ليحيي الجنود الأمريكيين ونائب الرئيس ريتشارد تشيني باعتبارهم محرري العراق! ولم يقدم تشيني أي اعتذار عن دوره في مأساة العراق، ولم يفعل بوش كذلك، رغم اعترافه بالحقيقة مؤخراً وبالصدفة.
ففي خطاب ألقاه بوش في شهر مايو (أيار) الماضي قال: لقد قرر رجل واحد شن غزو وحشي وغير مبرر على العراق.. أعني أوكرانيا" ثم أردف متجهماً، "والعراق أيضاً".