دبابة أمريكية في صحراء الكويت تتقدم صوب العراق عام 2003.(أف ب)
دبابة أمريكية في صحراء الكويت تتقدم صوب العراق عام 2003.(أف ب)
الأحد 26 مارس 2023 / 11:07

كيف تحوّل العراق إلى نموذج لتدمير الدول؟

24- طارق العليان

رأى الكاتب والمحلل السياسي البريطاني نواه كولوين، بمناسبة مرور 20 عاماً على غزو العراق، أن ذلك الغزو عام 2003 كان ذروةً للأحداث، وليس نقطة تحول.

لم يكن غزو العراق عام 2003 نقطة تحول، وإنما قصة سقوط بطيء لأمةٍ سلّحتها بريطانيا واأمريكا ثم خانتاها


وحسب ما جاء على لسان مايكل كلير في كتابه "سوبر ماركت الأسلحة الأمريكية"، كانت هناك مساعٍ حثيثة لبيع الأسلحة "بقوةٍ خاصةً بعد عام 1974، عندما فرضت دول أوبك زيادة أربعة أضعاف في أسعار النفط، وواجهت أمريكا عجزاً هائلاً في حسابات تجارتها الخارجية".
وكتب كولوين بمجلة "نيوستيتسمان" البريطانية أنه نتيجة التسويق القوي من قِبل شركات الأسلحة الأمريكية والمشتريات المهولة لإيران ودول أخرى، باعت الولايات المتحدة أسلحة بقيمة 49.8 مليار دولار إلى دول أجنبية بين 1974 و 1977.
بالنسبة لواشنطن ولندن، أصبح العراق حليفاً استراتيجياً لهما ضد إيران. ورغم أن العراق كان عميلاً للاتحاد السوفيتي، كان صدام حسين حريصاً على التعامل مع الغرب أيضاً. وعندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية في خريف عام 1980، لخَّصَ هنري كيسنجر المعضلة الأمريكية المتعلقة بأي جانب يتعين على الولايات المتحدة دعمه، قائلاً: "إنه لأمر مؤسف أنَّ كلاهما لا يمكن أن يخسر". ولكن بحلول عام 1982، بعد انتهاء الحملة العراقية، "مالَ" الغرب إلى بغداد وبدأ يدعم صدام حسين وسط مخاوف من فوز إيران.

شبكة مشتريات عراقية

وكانت المملكة المتحدة محوراً من محاور "شبكة مشتريات عراقية" واسعة النطاق، اتخذت شكل مجموعة كبيرة من شركات الأسلحة الدولية والموردين العسكريين والبنوك والشركات الوهمية ووكالات التجسس.



وفي أوروبا، باعت ألمانيا الغربية الذخائر الكيميائية للعراق، وساهمت فرنسا بمعارفها في الهندسة النووية، ولكن ربما تمثّلَت العلاقة الأكثر غموضاً بنظام صدام في الشركات البريطانية التي تعاملت مع رجل يدعى جيرالد بول ومشروع يُعرف باسم "سوبر جان" (المدفع الخارق). فقد تَحوَّل بول، الذي حصل على درجة الدكتوراه من جامعة تورنتو في الثالثة والعشرين من عمره عام 1951، إلى تجارة الأسلحة الدولية في وقت لاحق من حياته.
وفقا للأكاديمي البريطاني مارك فيثيان في كتابه "تسليح العراق: كيف أقامت الولايات المتحدة وبريطانيا سراً آلة حرب صدام"، كان بول مهتماً في البداية "باستخدام البنادق بعيدة المدى كقاذفات الأقمار الصناعية"، لكنه انتقلَ إلى تجارة الأسلحة في 1970 بعد أن فقدت الحكومة الكندية الاهتمام بعمله وأصبح البنتاغون راعيه.

طريق الموت السريع

كانت دبابات صدام حسين السوفيتية عاجزةً ضد القوات الجوية للحلفاء، وكان الهدف المحدود للحرب المتمثل في إخراجه ببساطة من الكويت، وليس من السلطة، يعني أن عملية عاصفة الصحراء قد انتهت في الأسابيع الخمسة بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) 1991. ووقع الكثير من الدمار في الساعات الـ 72 التي سبقت إعلان النصر، بينما تعرضت القوات العراقية المنسحبة للقصف على طول الطريق السريع 80 بين العراق والكويت، في غارات عنيفة للغاية، حتى أن الطريق يُعْرَف الآن باسم "طريق الموت السريع".


ورغم النصر الواضح، ظلت الحكومات الغربية قلقة. فكيف حصلَ العراق على الترسانة التي غزا بها الكويت أصلاً؟ كان بول هندرسون مديراً لشركة ماتريكس تشرشل، وهي شركة بريطانية وصفها الصحافي الاستقصائي بول فوت بـ "شركة تصنيع آليات في منطقة ميدلاندز يخفي اسمها المخيف حقيقة أن الحكومة العراقية اشترتها بالكامل" عام 1987. وعندما غزا العراق الكويت، "كانت وكالة المخابرات المركزية تعرف منذ أكثر من عام أن تلك الشركة تزود الجيش العراقي بالأسلحة.
ونفت مارغريت ثاتشر التي تعرضت لاستجواب عنيف من المحامي بريسيلي باكسينديل تضليل البرلمان في عام 1989 بشأن ما إذا كانت قواعد التصدير إلى العراق قد تغيرت سراً في عام 1984.

شركة للإرهاب العالمي

وعززت عقوبات ما بعد حرب الخليج سيطرة صدام حسين على شعبه، مما جعل البلاد تعتمد على المساعدات التي توزعها الحكومة. لم يكن صدام حسين يدير شركة للإرهاب العالمي، ولكن بالنسبة للمبادرين بالحرب العالمية على الإرهاب، فقد كان هدفاً رائعاً لجمع المال.

تراجع مكانة العراق

والحقيقة، يقول الكاتب، إنه في حين أن أعداء أمريكا لم يعودوا يشملون العراق، الذي تضاءلت مكانته الجيوسياسية إلى ساحة معركة لصالح النفوذ الإيراني تارةً وضده تارةً أخرى، فإن الاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية الكبرى للولايات المتحدة وتراجعها عبر المحيط الأطلسي لم يتغيرا.