تعبيرية.
تعبيرية.
الأحد 26 مارس 2023 / 12:12

حرب العراق تدفع أمريكا إلى مواجهة دون نهاية مع إيران

في الذكرى العشرين للغزو الأمريكي للعراق، اعتبر جون ألين جاي، المدير التنفيذي لجمعية "جون كوينسي آدامز"، أن الغزو جلب الكثير من الشرور، لكن "المواجهة الطويلة مع إيران هي واحدة من أكثر المواجهات ديمومة".


وكتب جاي، لمجلة "ناشيونال انترست"، أنّ إراقة الدماء التي أعقبت الغزو أدت إلى تكبّد العراق وأمريكا ثمنًا باهظًا. ومع ذلك، كانت إيران المنتصر في هذه الفوضى. ولم تعد طهران مضطرة للخوف من الأمة التي غزتها عام 1980. ومنذ ذلك الحين، كان على استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط التعامل مع عواقب طهران أكثر قوة.
وخلال زيارة إلى بغداد في 7 مارس (آذار) الحالي، قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إن القوات الأمريكية "مستعدة للبقاء في العراق، "ما يعني أن منع الوجود الإيراني في البلاد، وفي أماكن أخرى أصبح مهمة أمريكية لن تنته أبداً"، وفقاً لجاي.

الميليشيات المدعومة من إيران

وأدى الغزو وتفكيك الدولة العراقية إلى الفوضى، وظهور نظام جديد متجذّر في العنف والطائفية والفساد. وترك العراق الضعيف الباب مفتوحاً للنفوذ الايراني. وقامت طهران ببناء ميليشيات وحركات سياسية ضمن الأغلبية الشيعية في العراق، واستخدمت هذه الجماعات لاستهداف المصالح الأمريكية. وطالبت الجماعات بحق النقض في السياسة العراقية، مستخدمة القوة عندما لم تحصل على ما تريد.
وساهمت الميليشيات في إضفاء الطابع الطائفي على السياسة والمجتمع، مما أدى إلى فصل بغداد عن نفسها وهروب الأقليات الدينية. كما ساهمت جهود رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في جعل الجيش العراقي موالياً له وحده، مع انهياره أمام تنظيم "داعش" الإرهابي في عام 2014. وهجر الجيش الذي تلقّى التدريب والمعدات الأمريكية لعقد من الزمن، ثاني أكبر مدينة في العراق تحت الضغط.


وزاد صعود "داعش" (وهو نفسه ارتداد لغزو العراق، الذي ولّد تنظيم القاعدة سلف داعش في العراق)، من قوة سيطرة إيران. ومع فشل الجيش العراقي، استجابت المليشيات التي كانت مدعومة في السابق من إيران، للنداء.
وضمدت جهود دمج الميليشيات في القوات المسلحة العراقية المشكلة فقط، حيث لا تزال هذه الميليشيات خارج سيطرة الدولة، وقد أطلقت الصواريخ بشكل روتيني على السفارة الأمريكية والقواعد الأمريكية.
وأصبحت موازنة نفوذ هذه الميليشيات مبرراً رئيسياً لاستمرار وجود الآلاف من القوات الأمريكية في العراق، وباتت مواجهة الميليشيات مهمة لن تنتهي أبداً للقوات الأمريكية.

تهريب الأسلحة إلى سوريا ولبنان

إلى ذلك، تقوم الميليشيات بتهريب الأسلحة إلى سوريا ولبنان. وأثارت هذه الأسلحة حملة اعتراض إسرائيلية شكّلت صداعاً لجهود الولايات المتحدة في المنطقة، حيث يحذّر الجيش الإسرائيلي من أن حربه المقبلة مع حزب الله اللبناني الحليف لإيران، تتطلّب حملة جوية سريعة وعدوانية قد يكون لها تكاليف باهظة في لبنان.
وأضاف جاي أن سقوط القنابل الأمريكية الصنع على المجمعات السكنية في بيروت، حتى لو كانت تستهدف ملاجئ "حزب الله"، ستضرّ بصورة أمريكا في المنطقة، ولذلك أصبح قطع خطوط الإمداد الإيرانية في المنطقة مبرراً لإبقاء القوات الأمريكية في سوريا. وبالتالي، فان إغلاق الطرق التي فتحها الغزو الأمريكي مهمة أخرى لا نهاية لها.

حرب العراق ودول الخليج

ورأى جاي أن مشكلات الولايات المتحدة تمتدّ إلى ما وراء العراق وسوريا ولبنان.

وجذبت حرب العراق والحرب العالمية على الإرهاب تواجداً ضخماً للقوات الأمريكية إلى الخليج، وساعدت المخاوف من إيران، بالإضافة إلى الاستثمارات الخليجية الكبيرة في قطاعي السياسة الأمريكية والاستشارات الدفاعية، على إبقاء هذه القوات هناك. وشهدت الأزمات مع إيران عمليات نشر نادرة لبطاريات صواريخ "باتريوت".
في الأساس، عكس الغزو تحولاً في استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعيداً عن السعي لتحقيق التوازن والسعي إلى التحول. وكانت واشنطن تعتقد أن عراقاً حراً سيُلهم موجة دمقرطة في المنطقة. لكن هذا لم يحدث، والأسوأ من ذلك، هو أنها تقوم بايجاد التوازن بنفسها، بدلاً من الاعتماد على المصلحة الذاتية لأعدائها لتحقيق التوازن. كما أن السياسة الأمريكية متردّدة في ترك المنطقة توازن نفسها، وهكذا بات تحقيق توازن مع إيران مهمة أخرى لن تنتهي أبداً.

برامج إيران النووية والصاروخية

وأخيرًا وليس آخرًا، هناك مشكلة برامج إيران النووية والصاروخية، والتي لا يمكن فصلها عن حرب العراق. وبهذا تمتلك إيران المزيد من القوة لاستهداف الولايات المتحدة. فمخاوف الولايات المتحدة الكبرى، مثل الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية طويلة المدى، ليست أدوات جيدة لإيران لمواجهة دولة عراقية قوية على حدودها. وستكون القوة العسكرية التقليدية، المدعومة بصواريخ باليستية قصيرة المدى، أكثر ملاءمة لهذه المهمة.
وأكد جاي أنّ بناء هذه القدرات التي تركّز على العراق، من شأنه أن يسحب الموارد بعيداً عن الجهود الإيرانية لتطوير أدوات لمحاربة أمريكا وإسرائيل.
ومن المؤكد أن بعض التطورات الإيرانية في الصواريخ الباليستية قصيرة المدى التي تستهدف العراق، كانت ستزيد أيضاً من التهديد الإيراني للقواعد الأمريكية في المنطقة. لكن هذه المخاطر ليست بنفس حجم التهديد الإيراني النووي والصاروخي الذي نواجهه اليوم. ومع قيام إيران بتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء عالية، تتزايد المخاوف من أن إسرائيل قد تضرب مواقع طهران النووية، وهي خطوة قد تشعل فتيل حرب كبرى.
وختم جاي: "لا يمكننا أن نعرف كيف كان شكل الشرق الأوسط ليكون اليوم، لو لم يحصل الغزو. ومع ذلك، من الصعب تصوّر صعود مماثل في القوة الإيرانية. ولذلك، جلب غزو العراق العديد من الشرور، لكن مواجهتنا الطويلة مع إيران التي قد تؤدي إلى الحرب، هي واحدة من أكثر المواجهات ديمومة".