الرئيسان الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين (أف ب)
الرئيسان الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين (أف ب)
الإثنين 27 مارس 2023 / 10:37

زيارة شي جين بينغ إلى روسيا أطلقت الحرب الباردة الثانية

24- طارق العليان

وقع الرئيسان الصيني شي جين بينغ، والروسي فلاديمير بوتين، إعلانات مشتركة تشيد بـ "بالشراكة الاستراتيجية الشاملة والعميقة" بين الصين، وروسيا وتعاونهما الثنائي في المجالات الاقتصادية، والزراعية، والعلمية، والتكنولوجية.

وأعلنت روسيا دعمها لمصالح الصين، وأهدافها في تايوان، وهونغ كونغ، وشينج يانغ. وأظهرت الصين دعمها المستمر لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.
ووفقاً لوزارة الخارجية الصينية، فإن "الصين وروسيا تتحملان مسؤوليات طبيعية لبذل جهود مشتركة لتوجيه الحوكمة العالمية وتعزيزها".

ضد الهيمنة الأمريكية

إلى ذلك، تعهد البلدان بدعم "المصالح الأساسية" لبعضهما وتعزيز  التنسيق في الشؤون الدولية من أجل "التصدي للهيمنة" أي الولايات المتحدة.
وتشير شانون تيزي، رئيسة تحرير مجلة "ذا ديبلومات"، إلى تصريحات الصين المستمرة والعلنية عن "شراكةٍ طويلة الأمد مع روسيا، بغض النظر عن أي اعتبارات".
وفي هذا الإطار، تستعيد مجلة " سبيكتايتور" ما حصل منذ خمسين عاماً، في الحرب الباردة الأولى، عندما أشعلت سنوات من المشاحنات بين الشيوعيين، والدبلوماسية المُحنكَة في إدارة نيكسون ثورةً دبلوماسية غيرَت فيها الصين ولاءها  في الحرب الباردة، إذ أصبحت حليفاً فعلياً للولايات المتحدة والغرب.
وأنهت تلك الثورة الدبلوماسية ما كان يُعرف بالكتلة الصينية السوفيتية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الأهلية الصينية.
وعزز خلفاء ريتشارد نيكسون، وماو تسي تونغ دبلوماسيتهم للنصر في الحرب الباردة، وهو انتصار ربما لم يكن ليحدث لو  كان العملاقان الأوراسيان حليفان.

قرن الحرب الشاملة

يعد ريمون آرون المفكر الاستراتيجي الأكثر بصيرةً في فرنسا في القرن العشرين، وكان أهم أعماله "قرن الحرب الشاملة"، الذي نُشرَ أول مرة في 1954. والكتاب جولة جيوسياسية تجمع بين فهم الشيوعية وتقدير الحاجة إلى الحفاظ على التعددية الجيوسياسية في أوراسيا.

تشكلت الكتلة الصينية- لسوفيتية قبل أربعة أعوام فقط من تأليف آرون للكتاب، لكنه شعرَ بالفعل بالآثار الجيوسياسية للتحالف بين العملاقين الأوراسيين، وهو تحالف يعاد تشكيله في العقود الثلاثة الأولى من القرن الحادي والعشرين.

جزيرة العالم

وكتب آرون أن التحالف الصيني السوفيتي "كاد يُشكِّل جزيرة العالم التي اعتبرها هالفورد ماكيندر الشرط الضروري والكافي تقريباً لإقامة الإمبراطورية العالمية".
وأوضح آرون أن هذا التطور كان نتيجة للدبلوماسية الأنغلو أمريكية الفاشلة في الحرب العالمية الثانية، التي شن قادتها الحرب "بقدرٍ كبير من الغضب الأعمى" وقدموا مساعدة غير كافية للقوات القومية الصينية خلال الحرب الأهلية الصينية.

روزفلت وترومان..رئيسان عظيمان

كان الزعيمان المسؤولان عن هذه الكارثة الدبلوماسية هما الرئيسان فرانكلين روزفلت، وهاري ترومان، لكن معظم المؤرخين يعتبرانهما رئيسين عظيمين.
لكنّ آرون كان أدرى بحقيقتهما، فكتب أن "الطريق كان ممهداً بالروح الصليبية التي تلهم السياسة الخارجية للولايات المتحدة تاريخياً".
تعاملَ روزفلت وترومان مع الحرب عموماً والحرب الأهلية في الصين خصوصاً بلغة "المثل العليا" دون الاعتراف بأهمية توازن القوى في الكتلة الأوراسية.
وأدت دبلوماسية روزفلت-ترومان، بمساعدةٍ وتحريض من التسلل الشيوعي الخبيث، على حد وصف التقرير، داخل الحكومة الأمريكية الذي كشفه المشروع الأمريكي "فيونا" لمكافحة التجسس لاحقاً، إلى سيطرة قوى العدو على مساحة شاسعة من جزيرة العالم، بما فيها النصف الشمالي من شبه الجزيرة الكورية، وأجزاء من الهند الصينية.
وكما ذكرَ آرون، كان كابوس ماكيندر الاستراتيجي يتحقق: "مَن يحكم جزيرة العالم، يقود العالم برمته".

ثلاثة عقود من الأخطاء 

أدت ثلاثة عقود من الدبلوماسية الأمريكية والأخطاء السياسية والغطرسة الإيديولوجية التي أنتجها انتصار الغرب في الحرب الباردة الأولى، وتمويل صعود الصين، وانحرافات الحروب التي لا تنتهي في المناطق المتطرفة، والرغبة في الاستمتاع بـ "مردود السلام"، والاعتقاد بأن الشيوعية قد اندثرت، إلى إعادة تشكيل الكتلة الصينية السوفيتية، الروسية الآن، وانطلاق الثورة الدبلوماسية في القرن الحادي والعشرين. والقوة الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والعسكرية المشتركة للكتلة الأوراسية اليوم أكبر بكثير مما كانت عليه في 1950.

وأضاف التقرير "نحن الآن في خضم حرب باردة ثانية مع الخصوم أنفسهم الذين تصدينا لهم في بداية الحرب الأولى. وإذا تعلمنا شيئاً من الماضي، فسنحرص على اتباع نصيحة آرون لإدارة دبلوماسيتنا للحفاظ على التعددية الجيوسياسية لأوراسيا".
و كما نصح ماكيندر "علينا أن نُعدل مُثُلنا الديمقراطية لتلبية حقائق توازن القوى الجيوسياسية في أوراسيا. فأمننا القومي يعتمد على جهودنا على المدى البعيد".