تعبيرية.
تعبيرية.
الأربعاء 29 مارس 2023 / 20:05

بين صوم رمضان وأعمال القلوب


يراودنى التفكير كثيرًا في الكيفيَّة المثلى لاقتباس تجليات رمضان، ونحن نعيش فى عصر السرعة والانشغالات، وأسأل نفسي عن أسهل عمل نتقرَّب به إلى الله، وأقصر طرق الجنة، وأقلها جهدًا وأفضلها ثوابًا، وأكثرها أجرًا، فرأيت بعد التبصُّر أنَّ أساس التمايز والمفاضلة للمؤمن "سلامة القلب"؛ لهذا لا بدَّ أن يسبق الهدف والغاية من الصيام، كيف يكون إيمانًا واحتسابًا، وهو الوصول للتقوى، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه"؛ لأن السريرة إذا صلحت صلح شأن العبد كله، وصلحت أعماله الظاهرة، ولو كانت قليلة، عن سفيان بن دينار قال: قلت لأبي بشير وكان من أصحاب علي: أخبرني عن أعمال مَن كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيرًا، ويُؤجرون كثيرًا، قلتُ: ولم ذاك؟ قال: لسلامة صدورهم.
يتَّصف عباد الله المؤمنون بالتقرب إلى الله لا بكثر قيام أو صيام أو تهجُّد من النوافل، ولكن بالسريرة الصالحة، هناك مؤمنون صادقون لكنهم قد يكونون من أقلهم عبادةً أو زهدًا، لكنهم اتصفوا بالسماحة فى الأخلاق، وسلامة الصدر، كما فى الحديث: {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب}.
وإذا أردنا حسن التهيئة للدخول في شهر رمضان لحصول البركات، وإدراك الرحمات، والفوز بالجنان، فلا بدَّ من المجاهدة فى تنقية القلب من الشوائب، لا سيما إذا أدركنا أن كثرة الصلاة والصيام من النوافل هو أعظم ما يبلغ بالعبد إلى الجنة، ولكن ليست كافية لترتقى تلك الأعمال إلى درجة القبول التى أهم أركانها أن يأتى إلى الله وقلبه سليم من كل دنس يشوبه.
وقد أمر الله نبيَّه بالإخلاص، ولن ينجو في الآخرة إلا من أخلص العمل لله، والقلب البعيد عن الإخلاص، قلبٌ خالٍ عن محبة الله مهما اجتهد المرء من العبادات والنوافل، وإن القلب هو محل نظر الله عزَّ وجل، وإن أعظم أعمال القلوب هو إخلاص الأعمال والأقوال لله وحده؛ لهذا السبب يقول الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به.
الصيام فرصةٌ لتحقيق التقوى، والصيام يرفعك إلى منزلة المتّقين، حتى نأخذ أعلى درجات الإتقان للصيام؛ فلا بدَّ للإنسان من أن يتعرف على أمراض القلب وعلى أسبابها، ويعلم أنها موجودة لديه حتى يمكنه التخلُّص منها، فإن من لم يشعر بالمرض ويتعرَّف على أسبابه لا يمكنه علاجه، وقد أفلح من زكَّى نفسه بطاعة الله وبالإقلاع عن سائر الذنوب والمعاصي، ومَن لم يُفلِح في تغيير عاداته السيِّئة في رمضان فهو في غير رمضان أَوْلَى.
وذهب الجمهور إلى تعلم أمراض القلوب – تزكية النفس-أنه ليس فرض عين إلا في حق من تحقق أو ظن وجود مرض من الأمراض فيه، فيلزمه حينئذ تعلم سبل علاج ذلك المرض، وقالوا إن تعلم أمراض القلوب فرض كفاية على الأمة عامة وليس فرض عين على كل أحد.
من الأمور الذى لا يُلقي المؤمن لها بالًا أن القلوب موضع اختبار فى الدنيا، ومكان نظر الله، وينبغي أن يكون مشوبًا بالطهارة والصفاء والنقاء، بعيدًا عن الشرك والنفاق والرياء، فأمعِن النظر إلى قلبك، وابحث وتأمل، هل فيه غلٌّ؟ هل فيه نفاق؟ هل فيه خداع أو خيانة؟ واعلم أنَّ حسن النية وطهارة القلب فضيلة فى الدنيا والآخرة، تلك هي سعادة أهل الجنة لمن أرادها وابتغاها فى الدنيا قبل الآخرة، أن ينزع عن قلوبهم الغل، فقال تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)
كل عام وقادتنا بخير، وشعبنا ووطننا العريق، وأمتنا العربية، وكل عام والإنسانية جميعًا بكل خير.