الأحد 4 يونيو 2023 / 08:08

نحو "تنصيب" رئيس لا يرأس

إياد أبو شقرا- الشرق الأوسط

حزب الله لا يفاوض ولا يساوم بل يفرض ويأمر فلا مرشح غير مرشحه

ساعات ترقب ثقيلة عاشها اللبنانيون على امتداد الساعات الـ48 الأخيرة، بانتظار جلاء ما في ملف "تنصيب" رئيس لا يرأس.. لجمهورية ما عادت موجودة... على أرض "دولة لبنانية" راحلة.
نذكر أنه خلال الأسبوعين الماضيين ارتفعت في بورصة المرشحين للرئاسة أسهم الوزير السابق والخبير المالي الدكتور جهاد أزعور. وكان اسم أزعور بين الأسماء التي تداولتها عدة قوى سياسية يفترض بها أنها "وازنة" في أعقاب الرفض المطلق من حزب الله وأتباعه لاسم النائب ميشال معوض.. واعتباره "مرشح تحدٍّ".
وهنا تجدر الإشارة إلى أن حزب الله تريث عمداً ولفترة غير قصيرة في إعلان مرشحه المتوقع، أي الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية. وقيل إن وراء التريث سببين:
الأول، مواصلة الحزب ابتزاز التيار الوطني الحر (العوني) لمواصلة السكوت على مشاريعه.
والثاني، تحاشي الحزب الاستفزاز المبكر لرئيس التيار الوزير السابق جبران باسيل، فلا يبتعد عنه قبل نضج الظروف المطلوبة. وهذا مع العلم، أن العلاقات ما كانت يوماً على ما يرام بين باسيل ورئيس مجلس النواب نبيه بري، زعيم حركة أمل.. التي تلعب تقليدياً دور واجهة العلاقات العامة للحزب لبنانياً وعربياً ودولياً.
ولكن، مقابل الصمت المدروس من حزب الله، كانت فئام منافسيه وخصومه من أحزاب وأفراد تتخبط بين المواجهة ومحاولات الاسترضاء، وبينهما التفاؤل بتغيرات دولية.. ربما تسمح بالخروج من المأزق في خضم تفاقم الوضعين الاقتصادي والمعيشي. هنا واصل اللبنانيون، من مختلف المستويات والفئات والمشارب، خداع أنفسهم وإنكار الحقائق.
استمرأوا إقناع أنفسهم بأن حزب الله وواجهة علاقاته العامة - أي حركة أمل - مجرد حالات حزبية من حقها المناورة والمنافسة والتحالف مع هذا والوقوف ضد ذاك.. في ملعب مفتوح أرضه مستوية تحكمه معايير التنافس الديمقراطي.
لقد نسوا أو تناسوا ماهيةالحزب.
نسوا أو تناسوا أن لديه مشروعه الخاص الذي لا يشارك فيه أحداً، وله عبره - حصراً - حساباته السياسية والأمنية، وكذلك شبكة علاقاته المالية والعسكرية، من دون أي إقرار بدور الدولة أو بوجود شيء اسمه «سيادة» وطنية، حيث الغلبة دائماً وأبداً لارتباطاته التنظيمية والعقائدية الإقليمية.
هذا "النسيان - التناسي" الخطير بسذاجته، أتاح المجالَ لجملة من الأخطاء التي تكررت غير مرة خلال العقدين الأخيرين في مسألة التعامل مع حزب الله. والقصد.. التعامل معه كـ"قاعدة" و"أداة" في مشروع إقليمي ذي عمق مذهبي ديموغرافي، يتكامل مع إسقاط الحدود والإمعان في التغيير السكاني على امتداد العراق وبلاد الشام بين سلسلة جبال زاغروس في غرب إيران (شرق) والبحر الأبيض المتوسط (غرب).
إن عواقب سوء قراءة السيناريو الإقليمي ستكون - باعتقادي - كارثية، وبخاصة، أن الرسائل التي تطلقها أبواق المشروع الإقليمي داخل كل من الدول العربية الرازحة تحت ثقله باتت واضحة جداً.
الرسائل التي نسمعها اليوم فيها رائحة غَلَبة ونبرة استعلاء ونزعة تجبر تقوم على تهديد الآخر أو ازدرائه. وهذا، بالضبط، ما اعتاده العراقيون قبل بضع سنوات، وبعدهم ألفه اللبنانيون واستسلموا له حتى الآن.
وعودة إلى موضوع تنصيب "الرئيس" اللبناني العتيد، فإن استخدام كلمة «تنصيب» يبقى أدق وصف لواقع الحال. ذلك أن حزب الله، ومن خلفه إيران، التي هي عمقه الإقليمي، لا يفاوض ولا يساوم.. بل يفرض ويأمر. فلا مرشح غير مرشحه، ولا «وطنية» إلا بالقبول به، ولا تفاهم إلا إذا فهم الجميع أن كلام "السيد" هو "سيد" الكلام.. ولمَ لا؟؟
للإجابة عن التساؤل أعلاه ليس لنا أن نبتعد كثيراً عن تطورين متقاطعين كانا لافتين خلال الأيام القليلة الماضية:
الأول، كان الكشف عن تجدد الاتصالات الأمريكية - الإيرانية عبر وليام بيرنز، مدير الـ"سي آي إيه" وأحد "مهندسي" الاتفاق النووي الإيراني.
والثاني، كلام الجنرال غادي إيزنكوت، رئيس الأركان الإسرائيلي السابق وعضو الكنيست حالياً، الذي يعد من أبرز رموز "المؤسسة العسكرية" النافذة سياسياً.
ما أفيد عن تجدد التواصل بين واشنطن وطهران يطرح علامات استفهام جدية حول حقيقة المواقف الأمريكية "المعلنة" إزاء عدد من المسائل الإقليمية. وفي حين كانت جهات إعلامية عديدة نقلت "تحفظ" إدارة الرئيس جو بايدن عن بعض الانفتاحات الدبلوماسية في المنطقة، تحديداً مع كل من طهران ونظام الأسد في سوريا، قال الجنرال إيزنكوت خلال الأسبوع الماضي، إن طهران وواشنطن "لم تتوقفا يوماً عن التباحث حول اتفاق مجدد". ثم تابع أن "كل التسريبات الأخيرة حول اقتراب إيران من تصنيع 7 قنابل نووية كانت فقط لبث الخوف في أوروبا وإسرائيل وتسريع التوصل إلى اتفاق".
ولمن لا يزال يتوهم أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تقف حقاً ضد "التعايش" مع النظام الإيراني، اعتبر إيزنكوت أن ضغط رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو على إدارة دونالد ترمب للخروج من الاتفاق النووي "كان خطأ فادحاً.. وهو ما أوصل إيران إلى قرب التوصل إلى تصنيع قنبلة نووية"، قبل أن يضيف "إيران لم تجتز الخط الأحمر يوماً ولا نية عندها لفعل ذلك".
هذا الكلام مهم في إيحاءاته وتردداته، لا سيما، لدى تطبيقه على الواقع اللبناني.
إنه يؤكد، تماماً على نقيض خطب حزب الله ومسرحياته التحريرية للقدس وغير القدس، وجود "خلفيات" لصفقة ترسيم الحدود البحرية التي أبرمها لبنان أخيراً مع إسرائيل. وهذه صفقة ما كان لها أن تبرم من دون موافقة حزب الله - ومن خلفه المباركة الإيرانية - على "إسرائيلية" حقل كاريش للغاز قبالة شواطئ جنوب لبنان.