ماتيو تيلييه الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب 2023 (24)
ماتيو تيلييه الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب 2023 (24)
الأربعاء 14 يونيو 2023 / 14:52

المؤرخ ماتيو تيلييه لـ 24: جائزة الشيخ زايد للكتاب جسر بين الثقافات وتساعد على الحوار

24 - نجاة الفارس

أكد البرفسور والمؤرخ ماتيو تيلييه الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب 2023 فرع الثقافة العربية في اللغات الأخرى، أن الجائزة تمثل قنطرة بين الثقافات، وتساعد على الحوار بين المختصين في الأدب العربي وفي الثقافة العربية.

تيلييه: بدأ اهتمامي بالثقافة العربية منذ أكثر من 30 سنة

تيلييه: أستخدم النصوص العربية القديمة كمصادر لدخول المجتمعات وفهمها

 وقال: "بدأ اهتمامي بالثقافة العربية منذ أكثر من 30 سنة وأنا مغرم بنصوص التراث، أستمتع جداً عندما أقرأها لأن طبيعتي رجل كلاسيكي".

وأضاف في حوار خاص مع 24: "أستخدم النصوص العربية القديمة كمصادر لدخول المجتمعات وفهمها، خصوصاً ما تم انتاجه في العصر الأموي والعصر العباسي، وذلك حسب ما يتطلبه البحث"، موضحاً أن كتابه الفائز بالجائزة يتناول نشأة النظام القضائي في العصر الأموي وبداية العصر العباسي، ويشكل الكتاب فهماً أكثر دقة للتطورات التاريخية التي شهدها النظام القضائي في العصور الإسلامية الأولى.

وتالياً نص الحوار:


الاهتمام بالتراث العربي


- ماذا يمثل لك الفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب؟
 أنا فخور جداً بفوزي في جائزة الشيخ زايد للكتاب وهو فوز لم أتوقعه، فالجائزة تمثل قنطرة بين الثقافات، وتساعد على الحوار بين المختصين في الأدب العربي وفي الثقافة العربية بشكل عام على المستوى الدولي، وأنا فخور بمشاركتي بهذا الحوار.
- متى بدأ اهتمامك بالثقافة العربية؟
بدأ اهتمامي بالثقافة العربية منذ أكثر من 30 سنة، حيث تعلمت اللغة العربية وعمري 18 عاماً، وسنة تلو الأخرى زاد اهتمامي بالأدب العربي فقرأت العديد من الروايات، وتعرفت على التراث العربي.
- هل سبق أن أقمت أو درست في دول عربية؟
دراستي كانت في فرنسا وفي بعض البلدان العربية فقد عشت في سوريا عاماً في نهاية التسعينات، وعشت عاماً آخراً قبل اندلاع الحرب، ثم انتقلت إلى لبنان لمدة 3 سنوات، ثم درست الأدب العربي أيضاً في جامعة منوبة بتونس، وفي بداية الألفين عشت عاماً آخراً في صنعاء باليمن.


الأدب والتاريخ


- هل أنت مهتم في الأدب العربي القديم فقط، أم قرأت بعض النتاج الأدبي المعاصر؟
قرأت روايات معاصرة عديدة، ولكني مغرم بنصوص التراث، أشعر بمتعة كبيرة عندما أقرأها ربما لأن طبيعتي رجل كلاسيكي، حتى في الأدب الفرنسي أفضل قراءة التراث الفرنسي على قراءة الروايات الفرنسية الحديثة، لأني مؤرخ وأهتم بالمجتمعات القديمة.
- إذاً..  أنت حاصل على درجة البكالوريوس في التاريخ؟
أحمل درجتي بكالوريوس.. واحدة في التاريخ وأخرى في الأدب العربي، كما حصلت على درجة الدكتوراة في التاريخ.
- إلى أي مدى استفدت كمؤرخ من دراسة الأدب القديم؟
أستخدم النصوص العربية القديمة كمصادر لدخول المجتمعات وفهمها، خصوصاً ما تم إنتاجه في العصر الأموي والعصر العباسي، وأحياناً أعود إلى العصر المملوكي، وذلك حسب ما يتطلبه  موضوع البحث، مثلاً أدرس حالياً بعض عقود الزواج المصرية التي تعود إلى الفترة المملوكية والعباسية، ولكي أفهم هذه العقود يجب أن أرجع إلى بعض نصوص ذلك العصر مثل كتب التراجم وكتب التاريخ المملوكية، وأهتم أيضاً بالاطلاع على كتب الأدب، لأن الأدب كان نشاطاً ثقافياً مهماً في تلك الفترات، ولكي ندخل في ذهنية بعض الكتاب يجب أن نقرأ كتب الأدب.
- هل أصدرت كتباً بمجال الأدب الفرنسي؟
 أنا مؤرخ مختص بالثقافة العربية، وترجمت بعض النصوص العربية إلى اللغة الفرنسية، وحققت باللغة العربية كتاب "ما احتكم به الخلفاء إلى القضاة" ثم ترجمته إلى الفرنسية وهو كتاب مهم جداً، من تأليف أبي هلال العسكري، وهو كاتب من القرن الرابع للهجرة، والكتاب غير منشور سابقاً.


النظام القضائي


- حدثنا عن الكتاب الذي فزت به في جائزة الشيخ زايد؟
يشكل الكتاب خطوة أساسية نحو تحقيق فهم أكثر دقة للتطورات التاريخية التي شهدها النظام القضائي في العصور الإسلامية الأولى، ويدرس نشأة الإجراءات القضائية باستخدام مصادر جديدة، وعبر تطبيق منهجية مقارنة، كما يحاول الإجابة عن أسئلة عديدة في هذا السياق مثل: آليات رفع الشكاوى والقضايا، والمسار القانوني لها، والمسؤول عن إصدار الحكم القَطعي، ويعمد الكتاب على مجموعة كاملة من البرديات تتناول جوانب من تاريخ مصر وفلسطين في العصر الأموي، وتعتبر مصادر نفيسة كونها معاصرة للوقائع التاريخية، والكتاب بعنوان "نشأة النظام القضائي في العصر الأموي وبداية العصر العباسي".

وقد اعتمدت أثناء تأليفه على مصادر متنوعة، منها البرديات العربية التي وجدت خصوصاً في مصر، كما اعتمدت على كتب الفقه القديمة، والأدب والتاريخ، وعلى مصادر مكتوبة بـ السريانية، لكي أحصل على فكرة تطور تنظيم جلوس القاضي في مجلس القضاء وفي المحكمة وكيف كان يستقبل الخصوم، وكيف كان يستمع إلى البيانات وحلف اليمين، إلخ.

- كم المدة التي استغرقتها لإنجاز هذا البحث؟
تقريبا 10 سنوات، لأني بدأت العمل فيه عام 2008 ثم نشرته عام 2017، وصدر عن دار نشر السوربون في باريس وهو كتاب جامعي ومختص.
- هل كان القضاء عادلاً في تلك الفترة؟
 اشتكى بعض المؤلفين مثل الكندي وابن حجر العسقلاني ممن كتبوا في تاريخ القضاء، من عدم عدل بعض القضاة، وذكروا أن بعضهم كان يأخذ الرشوة، ولكن في أغلب الأحيان أكد المؤلفون نزاهة القضاة، وكان من المهم جداً عدالة القضاء، فكانت كتب الفقه تنظم القضاء كيلا يوجد نوع من التحكيم بدون أحكام، فالقاضي لا يحكم بما يشاء، بل من واجبه احترام القواعد التي وضعها الفقهاء.


سلطة القضاء


- هل كانت سلطة القضاء حرة ومستقلة في تلك العصور؟ 
لاحظت في بداية العصر العباسي أن الخلفاء يشيرون على القضاة بما يحكمون به، خصوصاً عندما يتوسطون في محاكمة شخص من أصدقائهم، لكن شيئاً فشيئاً استقل القضاء، وأصبح يعتمد على كتب الفقه، التي تمده بإجراءات ثابتة، خاصة في القرن الرابع الهجري فكان يقول القاضي للخليفة أنه لا يستطيع تلبية مطلبه فهو يجب أن يعتمد على كتب الفقه، وهذا أدى إلى نوع مهم من الاستقلال في مجال القضاء.
- وكيف كانت مشاركة المرأة في القضاء أثناء تلك العصور؟
لم يتصور الفقهاء وقت ذلك أن باستطاعة المرأة ممارسة مهنة القضاء، ولكن النساء كنّ يأتين إلى القاضي ويشتكين له من الآخرين، من زوجها إن عنفها أو ضربها أو حرمها من النفقة، وكانت إحداهن تشارك كشاهدة خاصة فيما يتعلق بأمور مثل الولادة والتوليد أو أي إشكاليات أخرى تتعلق بالنساء. 
- هل اشتغلت على البحث بدافعية ذاتية أم بتكليف من جامعة السوربون؟
 اشتغلت على بحوث القضاء منذ دراسة الماجستير، وبتوجيه من المشرف الأكاديمي فقد نصحني أن أستمر بالعمل على هذا الموضوع لأنه يمثل منعطفاً مهماً لكثير من القضايا الاجتماعية، ففي المحكمة توجد جميع مشاكل المجتمع، وكنت مغرماً بدراسة المجتمعات القديمة وقررت أن أنطلق في هذا الاتجاه.
- وما بحثك القادم؟
أعمل على كتاب عن قرية صغيرة وجدت قديماً في مصر اسمها برج السوق، وأعتمد على مجموعة من الوثائق تعود إلى العصر الفاطمي، وتلقي الضوء على الحياة اليومية في هذه القرية.