الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو (أرشيف)
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو (أرشيف)
الثلاثاء 27 يونيو 2023 / 11:21

هل أنقذ لوكاشينكو روسيا من حرب أهلية؟

24- طارق العليان

سلطت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية الضوء على الزعيم البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، وعزت إليه الفضل في إنقاذ الرجل، بوتين، الذي أشار إليه ذات مرة بشقيقه الأكبر، في محاولة لكسب حظوة لدى موسكو وتحسين صورته في الداخل والخارج.

قال لوكاشينكو في خطاب ألقاه في 2021: "لا جدوى من تخويفي. فلم نعد نخاف شيئاً".

وتوسط الزعيم الأطول حكماً في أوروبا، في منصبه منذ 1994، في صفقة لا تزال تفاصيلها غامضة لتهدئة الصراع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وصاحب مجموعة فاغنر شبه العسكرية يفغيني بريغوجين.
وذكر الزعيم البيلاروسي أنه أمضى معظم يوم السبت في التفاوض مع بريغوجين وبوتين، الرجل الذي يعرفه منذ عقدين على الأقل، مضيفاً أن الأطراف كافة أجمعت على أن "إراقة الدم على الأرض الروسية أمر غير مقبول".
وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إن لوكاشينكو، رغم معارضته الطويلة للاضطلاع بدور التابع لبوتين، سعى إلى الحصول على مساعدة روسيا عندما احتاجها، وفي الوقت نفسه وجد طرقاً للمساعدة الحاسمة إلى بوتين في المنعطغات الحرجة. وعزز اليوم موقفه، مع جاره الأكبر بكثير، ويمكنه التباهي بدوره في منع روسيا من الانزلاق إلى هوة حرب أهلية.

آخر ديكتاتور في أوروبا

عرف لوكاشينكو بلقب "آخر ديكتاتور في أوروبا"، حتى بدأ بوتين حشد قوته وتحييد معارضته السياسية بشكل جدي، فوجد نفسه منبوذاً في القارة، وخاضعاً للعقوبات الدولية. كما أثار أزمة هجرة في جناح أوروبا الشرقي، وأمر مقاتلة نفاثة بإجبار طائرة تجارية على الهبوط للقبض على منشق كان على متنها، وقمع الاحتجاجات الجماهيرية ضد حكمه بعنف.

وكشف التمرد المسلح الذي لم يدم طويلاً لزعيم مجموعة فاغنر شبه العسكرية يفغيني بريغوجين، تصدعات في حكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي دام 23 عاماً.

العزلة 

وتقول الصحيفة إن عزلة لوكاشينكو السياسية والاقتصادية المتزايدة عن الغرب دفعته إلى التقرب من روسيا بشكل خطير، ومنحت بوتين فرصة للمضي قدماً في خططه منذ زمن طويل لتعميق التكامل بين روسيا والجمهورية السوفيتية السابقة.
ويرى المحللون الذين يتابعون العلاقات بين روسيا وبيلاروسيا أن لا مكان للوكاشينكو في التفاوض على الصفقة. وقالوا إن بوتين يرى في  لوكاشينكو تابعاً، كما أنه ليس شخصاً يعرفه بريغوجين جيداً أو يثق فيه.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين صباح الأحد على شبكة إن بي سي نيوز: "ربما لم يشأ بوتين أن ينزل بنفسه  للتفاوض المباشر مع بريغوجين، لذلك كان الأفضل الإتيان بشخص مثل لوكاشينكو لتولي هذا الدور نيابة عنه".

ومع ذلك، وبصرف النظر عن مستوى انخراط لوكاشينكو في المساعدة على نزع فتيل الأزمة في روسيا، يقول محللون إنه عزز موقفه بعد الأزمة. 

منقذ روسيا

ويعتبر أرتيوم شريبمان، الباحث غير المقيم في برنامج روسيا أوراسيا بمركز كارنيغي، الذي تركز أبحاثه على التطورات في بيلاروسيا أن بريغوجين "يستفيد سياسياً بكل تأكيد، حيث يمكنه تقديم نفسه  باعتباره الرجل الذي حال دون انقلاب في روسيا، والذي أنقذ روسيا".
وأضاف شريبمان أن لوكاشينكو يسجل أيضاً نقاطاً لدى بوتين "لأنه رغم أن الموقف كان إهانة لبوتين، إلا أن بوتين هو الذي أعطى لوكاشينكو هذه السلطة والحق في تقديم نفسه وسيطاً، وحمامة السلام"، على حد قوله.

 

وبموقعها بين روسيا وبولندا وأوكرانيا ودول البلطيق، تعرضت بيلاروسيا للدمار خلال الحرب العالمية الثانية. وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، خضعت أوكرانيا وروسيا لانتقال فوضوي إلى الرأسمالية شمل نهب أصول الدولة على أيدي من أصبحوا بعد ذلك طبقة الأوليغارشية. وفي بيلاروسيا المستقلة حديثاً، احتفظ لوكاشينكو بسيطرة أشد صرامة.
وفي 2000 عندما حاولت موسكو تشكيل كيان اقتصادي قوي من الجمهوريات السوفيتية السابقة، شكل لوكاشينكو وبوتين "دولة اتحاد"، وصفها باحث في الكونغرس الأمريكي بطموحة إلى حد كبير.
سمحت مقاومة لوكاشينكو لتحديث اقتصاد بيلاروسيا ومحافظته على دولة بوليسية من الحقبة السوفيتية بتجنيبها  بعض الاضطرابات التي عانى منها جيرانها، لكن بمرور الوقت تسبب الاقتصاد البطيء، وانعدام الحريات الفردية في شعور واسع  بالاستياء من حكمه.
وفي 2014 و2015، استضاف لوكاشينكو سلسلة محادثات دولية في العاصمة مينسك، لإنهاء الحرب في دونباس الأوكرانية بين الانفصاليين المدعومين من روسيا والجيش الأوكراني. ولم تكن هذه المحادثات مثمرة، لكنها سمحت للوكاشينكو بلعب دور صانع السلام.
وتفاقمت الاضطرابات الجماهيرية خلال الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا في 2020، والتي انتقدتها الدول الغربية بشدة ووصفتها بمزورة. وفي مواجهة الاحتجاجات الجماهيرية، والتي كانت أخطر تهديد يواجه حكمه، لجأ لوكاشينكو إلى بوتين طلباً للمساعدة، فتعهد الأخير بتوفير مساعدة عسكرية وفي إنفاذ القانون.
وفي 2020، شارك آلاف البيلاروس في احتجاجات أسبوعية طالبت بتنحي الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، الذي سجن عشرات المعارضين والصحافيين، لا سيما  الحقوقي أليس بيالياتسكي، الذي فاز بجائزة نوبل للسلام في العام الماضي.
 وفي 2021، أمر لوكاشينكو طائرة مقاتلة من طراز ميغ-29 بإجبار رحلة طيران تجارية لشركة رايان أير متجهة من أثينا إلى فيلنيوس في ليتوانيا، على الهبوط لاعتقال صحافي منشق شاب كان على متنها.
وفي معرض إدانته للعقوبات الغربية ضد مينسك بعد الانتخابات، قال لوكاشينكو في خطاب ألقاه في 2021: "لا جدوى من تخويفي. فلم نعد نخاف شيئاً".
وفي العام الماضي، وبينما كانت روسيا تتأهب لغزو شامل لأوكرانيا، عمد بوتين إلى استغلال لوكاشينكو، حيث نقل الجيش الروسي آلاف الجنود إلى بيلاروسيا، التي تشترك في الحدود مع أوكرانيا، واستخدمها لشن هجمات برية وجوية على أوكرانيا.

وفي وقت سابق من هذا العام، قال بوتين إن روسيا ستنشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، الأمر الذي قرب الزعيمين والبلدين أكثر. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس في مارس (آذار) الماضي إن هذا يعد "في جوهره تنازلاً من لوكاشينكو عن سيادته لصالح الكرملين".

وقدم لوكاشينكو نفسه أيضاً صانع سلام محتملاً في صراع أوكرانيا، حيث عرض في فبراير (شباط) الماضي استضافة اجتماع بين بوتين والرئيس بايدن قبل أسبوع من زيارة الرئيس الأمريكي، إلى بولندا.