مقاتلة روسية تحلق قرب مسيّرة أمريكية فوق سوريا الأحد (أرشيف)
مقاتلة روسية تحلق قرب مسيّرة أمريكية فوق سوريا الأحد (أرشيف)
الجمعة 28 يوليو 2023 / 09:40

ماذا يخفي التوتر الأمريكي - الروسي في سوريا؟

24 - زياد الأشقر

بينما تتركز أنظار العالم على الهجوم الروسي في أوكرانيا، فإن هجمات روسية جديدة ضد مسيّرات أمريكية جعلت من سوريا ساحة محتملة لمنافسة عسكرية بين موسكو وواشنطن.  

ليست المسيّرات وحدها الطائرات التي تتعرض لمضايقات الطيارين الروس

وتأكدت مخاطر هذه المواجهة المحتملة، وفق ما كتب مايكل ر. غوردون ونانسي يوسف في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، الأربعاء، بعدما ألقت مقاتلة روسية مقذوفات نارية تسببت بأضرار لجناح مسيرة أمريكية من طراز إم كيو-9 ريبر خلال تحليقها فوق شمال غرب سوريا، على ما أفاد مسؤولون أمريكيون.

وأتى حادث الأربعاء، بعد حادث آخر الأحد عندما تضررت مسيرة إم كيو-9 أخرى، في ما يعتقد مسؤولون أمريكيون أنه جهد روسي منسق للضغط على القوات الأمريكية للانسحاب من سوريا، وتمكنت المسيرتان من العودة إلى قاعدتيهما. 

وليست المسيرات وحدها الطائرات التي تتعرض لمضايقات الطيارين الروس في الأسابيع الأخيرة، ففي 16 يوليو (تموز)، قامت مقاتلة روسية بمناورة قرب طائرة استطلاع أمريكية تعمل بمحركات توربينية، ما عرض طاقمها للخطر بعدما تعين عليها التحليق في منطقة تيارات مضطربة، وفق ما جاء في بيان لقائد سلاح الجو الأمريكي في الشرق الأوسط اللفتنانت جنرال أليكسيس غرينكيفتيش.      

 وعقب حادث الأحد، شكت البنتاغون علناً من أن المضايقات الروسية للمسيرة الأمريكية، لم تكن مهنية، ووزعت فيديو يظهر المواجهة المتوترة.

ولم تظهر أي علامات على أن روسيا نادمة على حادث مشابه وقع في مارس (آذار)، عندما ضايقت مقاتلات روسية مسيرة إم كيو-9 فوق البحر الأسود، ما أدى إلى تضرر مروحة وتعين على الولايات المتحدة دفع المسيرة إلى الاصطدام بمياه البحر، وفي تلك الحالة، قدم وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ميداليات لطياري مقاتلتين شاركتا في الحادث.  

مسار خطير

وألقى مسؤول عسكري روسي، الأربعاء، باللوم على الولايات المتحدة قائلاً إن المسيرة الأمريكية "أخذت مساراً خطيراً" نحو مقاتلتين روسيتين، ما أرغمهما على الرد دفاعياً عن طريق إلقاء مقذوفات نارية، وقال الأدميرال الروسي أوليغ غورينوف إن "الولايات المتحدة تواصل تضليل الأسرة الدولية".  

 وقال الجنرال الأمريكي المتقاعد فرانك ماكينزي، الذي تولى بين عامي 2019 و2022 رئاسة القيادة المركزية الأمريكية المسؤولة عن العمليات العسكرية في الشرق الأوسط، إن استراتيجية موسكو هي محاولة إخراج القوات الأمريكية من سوريا، في وقت يبدو الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط متواضعاً جداً، وأضاف "إنهم يريدون جعل اللعبة مكلفة بالنسبة إلينا فلا ندخل فيها، وهكذا ننسحب بدل الصمود في موقعنا.. الروس يميلون إلى التصعيد من أجل التهدئة".  

ودفعت الممارسات الروسية المسؤولين الأمريكيين إلى التفكير في كيفية الرد، بما في ذلك عبر وسائل غير عسكرية، في حال نجح الروس في إسقاط مسيرة أمريكية. وصرح مسؤول عسكري "بالتأكيد إنه أمر يحظى بمزيد من انتباهنا".  

ردع الهجمات

وأعلنت القوات الأمريكية، الأربعاء، عن وصول 12 مقاتلة إف-35 متطورة إلى الشرق الأوسط في مهمة ترمي إلى ردع الهجمات ضد السفن في مضيق هرمز، لكنها أضافت أيضاً في بيان أن هذه المقاتلات يمكنها "التحليق في أجواء متنازع عليها إذا تطلب مسرح العمليات ذلك"، في إشارة إلى المهمة الأمريكية المستمرة لإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش الإرهابي.  

ومرت لحظات توتر بين الجيشين الأمريكي والروسي في سوريا، منذ نشر القوات الروسية هناك عام 2015 لمساعدة الجيش السوري ضد التنظيمات الإرهابية.  

ولا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بـ900 جندي في سوريا، لمساعدة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والتي تعتبر شريكاً محلياً لأمريكا في محاربة بقايا داعش، لكن هذه القوات الأمريكية تعمل في الشرق بعيداً عن الجيب في الشمال الغربي، حيث يشتبه في أن قادة داعش والقاعدة الإرهابيين يعملون هناك.  

وسبق للولايات المتحدة أن أطلقت مسيرات فوق شمال غرب سوريا، وعلى مدى سنوات نجح الجيشان الأمريكي والروسي في تجنب الاشتباك المباشر، عن طريق قناة لخفض التصعيد تربط القادة الروس في سوريا بالقادة الأمريكيين في المنطقة.  

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) أطلق الروس صاروخ أرض - جو على مسيرة فوق سوريا، لكنهم أخفقوا في إسقاطها.    

مهمات متضاربة

هناك عوامل عدة ساهمت في إذكاء التوتر.. أولاً، تلاقت القوتان في مهمات متضاربة بينما تسعى القوات الأمريكية خلف بقايا داعش، الذي يختبئ قياديوه في شمال غرب سوريا، وهي منطقة ينشط فيها الطيران الروسي وبعيدة عن الشطر الشرقي من سوريا، حيث تعمل الولايات المتحدة مع الشريك المحلي.  

عامل آخر، يكمن في تغير موازين القوى في المنطقة في الوقت الحاضر، بحيث قلصت القوات الأمريكية حضورها، وولت الأيام التي كانت فيها مقاتلات من طراز إف-35 تحلق فوق سوريا، ما ترك الولايات المتحدة مع طائرات أقل قوة تحاول التصدي للمقاتلات الروسية المتمركزة في سوريا.  

هناك عامل آخر، بحيث يتحدث المسؤولون الأمريكيون عن مواقف عدائية بشكل متزايد للقوات الروسية في سوريا، فالمقاتلة الروسية التي ألحقت أضراراً بالمسيرة الأمريكية الأحد كانت مطلية بحرف "زد" (z)، وهو شعار تستخدمه القوات الروسية في هجومها على أوكرانيا.  

ويقول الباحث في مركز كارنيغي للسلام العالمي أندرو ويس، إن "الروس يريدون ممارسة الترهيب ونزع الشعور بأن الولايات المتحدة لن تتعرض للتحدي.. إن الولايات المتحدة تحاول ألا تقع في الفخ، في الوقت الذي تحمي فيه ناسها على الأرض وفي الجو".