لقطة من فيديو يوثق انفجار بيروت (أرشيف)
لقطة من فيديو يوثق انفجار بيروت (أرشيف)
الجمعة 4 أغسطس 2023 / 18:54

3 سنوات على كارثة مرفأ بيروت.. العدالة غائبة والإعمار متعثر

لم تكن السادسة من مساء الرابع من أغسطس (آب) عام 2020 لحظة عادية في تاريخ لبنان، الذي يعيش اليوم الذكرى الثالثة لكارثة مرفأ بيروت، التي وقعت بعد انفجار مئات الأطنان من نترات الأمونيوم، كانت مخزنة في مستودع بالمرفأ منذ عام 2013، حين أُفرغت خلال توقف مفاجئ لسفينة، دون أن يطالب أحد بالشحنة وبقيت هناك.

أسفر الانفجار عن مقتل 220 لبنانياً وإصابة الآلاف

التحقيق اصطدم بعراقيل سياسية وقوبلت دعوات التحقيق الدولي برفض لبناني

وأدى الانفجار الذي اعتبر أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم لمقتل 220 شخصاً وإصابة أكثر من 6500، وأحدث دماراً واسعاً في مساحات واسعة من العاصمة اللبنانية.

وفاقمت الكارثة من معاناة الاقتصاد اللبناني الذي يرزح تحت وطأة أزمة مالية خانقة، وانهيار متسارع لسعر الليرة اللبنانية، وتداعيات جائحة كورونا.

وخلت شوارع العاصمة اللبنانية من المارة، اليوم الجمعة، وأغلقت المتاجر أبوابها في اليوم الذي تم إعلانه في لبنان يوم حداد وطني.

عدالة غائبة

وعلى الرغم من مرور ثلاث سنوات على الانفجار إلا أن العدالة بقيت غائبة، مع محاولات مستمرة من أطراف نافذة في لبنان عرقلة سير التحقيقات، ما يزيد من معاناة أهالي ضحايا الانفجار، ويضيف أزمة سياسية جديدة لرزنامة الأزمات التي يعيشها لبنان.

وبعد الكارثة، عينت السلطات اللبنانية القاضي فادي صوان، محققاً عدلياً، لكن سرعان ما تمت تنحيته في فبراير (شباط) 2021، إثر ادعائه على رئيس الحكومة حينها حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين بتهمة "الإهمال والتقصير والتسبّب بوفاة" وجرح مئات الأشخاص.

وتم تعيين القاضي طارق بيطار، لخلافته واصطدم بالعراقيل ذاتها مع إعلان عزمه استجواب دياب، تزامناً مع إطلاقه مسار الادعاء على عدد من الوزراء السابقين، بينهم نواب، وعلى مسؤولين أمنيين وعسكريين.

وامتنع البرلمان السابق عن رفع الحصانة عن النواب المذكورين، ورفضت وزارة الداخلية منحه إذناً لاستجواب قادة أمنيين ورفضت قوى الأمن كذلك تنفيذ مذكرات توقيف أصدرها.

وغرق التحقيق بعدها في متاهات السياسة ثم في فوضى قضائية، بعدما حاصرت بيطار عشرات الدعاوى لكف يده، تقدم بغالبيتها مسؤولون مُدّعى عليهم.

وخلال عامين ونصف العام، تمكن بيطار من العمل رسمياً لقرابة ستة أشهر فقط، تعرض خلالها لضغوط أنذرت بأزمة غير مسبوقة في الجسم القضائي، خصوصاً بعدما أحبط مدعي عام التمييز غسان عويدات محاولته استئناف التحقيقات مطلع العام الحالي.

وكان بيطار استأنف تحقيقاته في 23 يناير (كانون الثاني) 2023 بعد 13 شهراً من تعليقها، وقرر الادعاء على ثمانية أشخاص جدد بينهم عويدات، وحدد مواعيد لاستجواب 13 شخصاً مدعى عليهم.

لكن عويدات تصدى له بالادعاء عليه بـ"التمرد على القضاء واغتصاب السلطة"، وأصدر منع سفر في حقه، وأطلق سراح جميع الموقوفين، وإزاء ذلك، تراجع بيطار عن المضي بقراراته.

وجددت منظمات، بينها هيومن رايتش ووتش والعفو الدولية، وعائلات ضحايا في بيان، الخميس، مطالبتها الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بدعم إنشاء بعثة دولية مستقلة ومحايدة لتقصي الحقائق.

كما دعت جمعية أهالي ضحايا انفجار بيروت، أبرز المجموعات الممثلة لعائلات الضحايا، اللبنانيين إلى المشاركة في مسيرة بعنوان "العدالة رغماً عنهم، من أجل العدالة والمحاسبة.. مستمرون"، وإلى ارتداء اللون الأسود.

وقالت منظمة العفو الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان إن من غير المقبول عدم تحميل أي شخص مسؤولية هذه المأساة.

وقالت آية مجذوب نائبة رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة: "في المقابل، استخدمت السلطات كل أداة لديها لتقويض التحقيق المحلي وعرقلته من دون خجل، لحماية نفسها من المساءلة وترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب في البلاد".

وفي قداس أقامته الكنيسة عشية ذكرى الانفجار، أيد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي دعوات تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق، ودعا إلى وقف التدخل في التحقيق.

وقال الراعي: "ما يؤلم هذه العائلات ويؤلمنا بالأكثر هو عدم اكتراث المسؤولين في الدولة، المنشغلين بمصالحهم وحساباتهم الرخيصة".

من جانبه، أعرب رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، اليوم الجمعة، عن أمله في أن تظهر العدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت.

وقال ميقاتي: "لأن الحقيقة وحدها تبلسم الجراح، فإن الأمل، كل الأمل، بأن تظهر شمس العدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت في أقرب وقت، فترقد أرواح الشهداء بسلام ويتعزى المصابون وذوو الضحايا"، بحسب بيان صادر عن الموقع الرسمي لميقاتي.

دعوات دولية

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار لبنان مرتين بعد الانفجار: "لبنان لم يكن وحيداً ولن يكون أبداً"، مضيفاً "بإمكانكم الاعتماد على فرنسا، على تضامننا وعلى صداقتنا".

في حين دعا موفده إلى لبنان جان إيف لودريان، اليوم الجمعة، إلى تحقيق العدالة في ملف الانفجار من دون تدخلات سياسية، كما أعربت وزارة الخارجية الفرنسية عن أملها في استكمال التحقيق في الانفجار بشفافية.

وقال الموفد الرئاسي الفرنسي، اليوم الجمعة: "تذهب أفكاري إلى الضحايا الذين أودى بهم الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت منذ 3 سنوات تحديداً"، مضيفاً "يجب تحقيق العدالة من دون أي تدخل سياسي، وكما هو الحال دائماً في أوقات الشدة، تظل فرنسا متضامنة مع اللبنانيين".

وأكدت الخارجية الأمريكية، اليوم الجمعة، مواصلة وقوفها إلى جانب شعب لبنان، مضيفة "يستحق الضحايا وأسرهم العدالة والمساءلة لأولئك المسؤولين عن الكارثة والأسباب الكامنة وراءها".

وأضافت أن "عدم إحراز تقدم نحو المساءلة أمر غير مقبول، ويؤكد الحاجة إلى إصلاح قضائي واحترام أكبر لسيادة القانون في لبنان".

إعمار متعثر

ولم تبدأ إعادة إعمار المرفأ رغم السنوات الثلاثة على وقوع الكارثة، في ظل عقبات تتعلق بالوضع الداخلي اللبناني من جهة، وشروط البنك الدولي لتقديم الدعم اللازم للبنان من أجل تمويل هذه العملية.

ويطلب صندوق النقد الدولي أن يسبق حصول لبنان على تمويل لإعادة إعمار مرفأ بيروت، أن تنفذ الحكومة اللبنانية إصلاحات اقتصادية واسعة.

وفي ظل غياب رئيس للجمهورية، وتعطيل عقد جلسات الحكومة اللبنانية، والأزمة التي تدور حول سياسات مصرف لبنان المركزي، يظل ملف الحصول على تمويل دولي لإعمار المرفأ عالقاً.