انحدار الذائقة الموسيقية العربية (أرشيفية)
انحدار الذائقة الموسيقية العربية (أرشيفية)
الثلاثاء 8 أغسطس 2023 / 14:35

بعد أغنية "الكبير" لهاني شاكر.. هل يعاني نجوم الصف الأول من أزمة مشاهدات؟

خرج أمير الغناء العربي الفنان هاني شاكر بتاريخه الممتد لأكثر من أربعين عاماً عن المألوف، مقدماً نمطاً غنائياً كان قد رفضه عندما تقلد منصب نقيب الموسيقيين في مصر، إذ اعتبره شاكر حينها "خطوة لإنقاذ الفن والساحة الغنائية المصرية".

وطرح الفنان شاكر حديثاً أغنية "الكبير"، التي تحتوي بكلماتها مضامين ليست بعيدة عن أغاني المهرجانات، لتثير استهجان الكثيرين الذين انتقدوا الفنان عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وهاجم الكثيرون الفنان، على اعتبار رفضه المهرجانات ثم الغناء على غرارها، وتخوّف متابعوه أن تسود هذه الأنماط الغنائية لدى فناني الصف الأول، فيما رأى البعض أن فناني الصف الأول يجابهون تراجعاً في المشاهدات، ما أدى لانسياقهم وراء موجة المهرجانات.

انحدار الذائقة الموسيقية

يتحدث الناقد الفني عصام زكريا لـ 24 عن "مدى انحدار الذائقة الفنية للجمهور العربي"، قائلاً: "ذائقة الجمهور تغيرت كثيراً، وإن نظرنا لرغبات الشباب الموسيقية، سنلاحظ أن توجهاتهم اختلفت تجاه ما يودون سماعه من الأغنية العربية".

ويوضح زكريا أن "الأغنية كانت سابقاً تعبر عن مدى العشق الكامن في العلاقات العاطفية، أما اليوم تعقدت العلاقات العاطفية والاجتماعية، فلم تعد الأغاني التقليدية العربية السائدة تشبع حاجات الشباب".

يشير زكريا إلى أن "ارتقاء أو انحدار الذائقة الموسيقية، هو بالأصل تمثيل للواقع بكافة متغيراته"، ويضيف "تتبع الأغنية الحالية المصطلحات السائدة، إذ إن ما هو متداول حالياً هو الكلمات المليئة بالهجر والعاطفة الساذجة".

جمود في الكلمات

ويفسر زكريا الأسباب التي ساهمت في انحدار الذائقة الفنية العربية، معتبراً أن الأغنية العربية "تعاني من جمود في الكلمات، إضافة إلى أن كثيراً من المفردات والتشبيهات متكررة، ما ساهم في نفور الجيل الحالي منها".

ويضيف قائلاً: "الحياة ليست هذه العلاقات فقط، وإن على الأغنية معالجة موضوعات كثيرة، منها الظروف السائدة اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، بل عليها أن تتناول موضوعات أعمق من التي تعالجها اليوم"، وهو ما يعتبره زكريا "سبباً آخر في تراجع الأغنية العربية".

الأغنية ليست فقط رومانسية

يوصي الناقد الفني الأغنية العربية بأن "تخرج من القفص الرومانسي ولا تبقى حبيسة العاطفة في كلماتها وتشبيهاتها"، معتبراً أن "لجوء الفنانين للأغنية الشعبية لأنها عادة ما تعبر عن معانٍ مختلفة وقوية".

وبما أن المهرجانات تتربع على عرش الأغاني الأكثر استماعاً، يرى زكريا أن ذلك "سبب لتوجه فناني الصف الأول لغنائها"، ويرى "أن تجربة غنائهم أنماطاً شبيهة بالمهرجانات فيها خروج عن المألوف، ومن النمط الغنائي الذي اعتاد جمهورهم عليه".

ويفسر زكريا سبب توجه الفنانين لموجة غناء المهرجانات بالقول: "إن هناك عدداً من النجوم، يفضل جمهورهم الاستماع إلى أغانيهم القديمة أكثر من الحديثة، إلا أنه من الطبيعي أن ينساق الفنان أمام الموجة السائدة للبحث عن كلمات وموسيقى جديدة يقدم نفسه من خلالها".

وتمنى الناقد الفني أن "تفرز هذه المحاولات الجديدة للفنانين حالة من الابتكار والتجدد".

الفن أداة مطواعة

في اتصال مع 24 تعتبر أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس سامية خضر صالح، أن "الفن أداة مرنة بإمكانها تغيير توجهات الأفراد وسلوكياتهم"، وتقول: "الفن غذاء الروح، وسبيل ارتقاء المجتمعات".

وتضيف صالح "لم تعد هذه الأداة تعمل بفاعلية كما كانت قبل، إذ إن الفن قدم رسالة تحمل مشاعر صادقة قديماً، لكن شكلها اليوم تغير ولم تعد تحمل مصطلحات الحب السامية أو تنقل رسالة حقيقية".

تكمل أستاذة علم الاجتماع القول: "أصبح الفن الحالي وليد الأغنية الغربية، بل ينقل في طياته صراخها وصخبها، والأكثر سوءاً أن الجيل الحالي يتأثر بهذا السياق، ويسقطه على تجاربه الحالية وحياته اليومية".

أغاني اليوم تحمل الغل والحقد

وبرأي الأستاذة صالح فإن "هناك تنبؤاً بانحدار الذائقة الفنية لدى الأجيال الحالية"، وتشير إلى أن "الأغاني التي يقدمها الفنانون حالياً، لم تعد تشير إلى القيم الإيجابية أو العاطفية كما الأغاني من قبل، بل تحمل نوعاً من الغل والحقد".

وترى صالح أن "الأغنيات التي تقدم حالياً، فيها نوع من إبراز الأنا والتعالي، وفي هذا اندثار للقيم التي كانت ترسلها الأغنية العربية للمستمع من قبل، بل إن الأغنيات المتواجدة حالياً قدمت نموذجاً من الكبر والغرور الذي يشحن الطرف الآخر".

وتعتبر أستاذة علم الاجتماع أن "القيمة الإنسانية التي كانت تنقلها الأغنية العربية اختلفت وتبدلت مضامينها مع الوقت"، وتقول: "كان الأزواج إذا تخاصموا، يستمعون إلى أغنيات الزمن الجميل الكفيلة بتصفية القلوب، أما اليوم فإن الأغاني تقدم نموذجاً من الحقد والكراهية".

ضياع الهوية العربية

تختم الأستاذة صالح حديثها لـ 24 بالقول إن "الفن كان يحمل معنى الهُوية العربية، وينعكس على الشعور بالوطنية، أما اليوم الأغنية العربية، لم تعد تبعث هذا الشعور، ما ينبئ بضياع الهوية العربية، وانحدار الذائقة أيضاً".