الثلاثاء 6 مايو 2014 / 19:34

ابتسامة السيسي و إصبع "الشاطر"




تابع المصريون باهتمام، وتابعنا معهم، أمس الإثنين أول لقاء تلفزيوني مع المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي، الذي تحدث فيه - فيما تحدث - عن نشأته وتكوينه وعائلته وأخيراً برنامجه الانتخابي.

 ولعل من أكثر ما يلفت الانتباه في السيسي هو تلك الابتسامة الذي تحسب أنها لن تفارق وجهه، حيث لا يبدو عليه "جمود" الوجه الذي يرافق أحياناً كثيرة القيادات العسكرية، من باب إظهار الشدة والحزم، لكن عندما "دخل الكلام في الجد" وبدأ الحديث عن أمن مصر واستقرارها، تلاشت ابتسامة السيسي فجأةً، ليحل محلها حاجبان منعقدان قليلاً ليؤكد المشير أنه "سيمسح من يمس مصر من على وجه الأرض".

 وقد جاء كلام السيسي هذا، وعقده للحاجبين، رداً على استفسار كل من لميس الحديدي وإبراهيم عيسى، في الحوار الذي أجرياه معه، عما دار بينه وبين محمد مرسي من حديث قبل 3 يوليو(تموز) الماضي، وبين ما دار بينه وبين خيرت الشاطر أيضاً وغيرهما من عناصر جماعة الإخوان، حيث كشف السيسي أن الشاطر كان "يحرك إصبعه هكذا" (بإشارة مسدس)، مهدداً بأنه في حال إسقاط مرسي سيأتي "مقاتلون" من سوريا، وأفغانستان، وغيرها من الدول ليمارسوا العنف في مصر ويثيروا الشغب، وكانت هذه العبارة هي الفاصلة بالنسبة للسيسي، الذي رد عليه بأنه "سيمسح" من يمس مصر وأمن مواطنيها، كما ذكرنا آنفاً.

الأمر الآخر اللافت في حوار السيسي هو تأكيده "أنا مصري مسلم" وذكره مراراً وتكراراً أنه متدين، لكن حديثه عن الدين لم يثر نفوري، وأفترض أنه لم يثر نفور المصريين الذين تابعوه أيضاً، بعكس خطاب جماعة الإخوان المسلمين، في 2012، الذي أثار حفيظة الكثيرين من المصريين، ومن العرب عموماً، والسؤال هو: لماذا؟ ما الفرق بين خطاب السيسي وخطاب مرسي؟

 الإجابة تكمن في الخط الفاصل الذي رسمه السيسي بين "إسلام الفرد" و"أسلمة الدولة"، إذ إن المجتمع المصري متدين بطبيعته، لكن لا أحد يريد أن يحكمه شيخ دين اليوم، بل إن ما تبحث عنه مصر هو دولة مدنية، بمعايير الدولة المدنية الحديثة.

 وبينما يعتبر السيسي إسلام الفرد، أو حتى تدينه، أمراً محموداً، طالما يزرع فيه أخلاقيات جميلة، ويقربه من الناس ويبث روح التعاون بينه وبينهم، فإنه من الخطأ خلط هذا الأمر بالدولة، إذ يشكل المزج بينهما حالة نفور عند بعض فئات الشعب، من مسلمين ومسيحين وحتى يهود، بينما يشير السيسي أيضاً في الحوار إلى أنه لايزال يذكر أجراس الكنيسة، والمعبد اليهودي، بالقرب من المنطقة التي عاش فيها، حين لم يكن هناك تعصب ديني ولا عنف متطرف تجاه أقلية دينية أو أغلبية.

 رغم ابتسامة السيسي، وخجله حين الحديث عن الحب وكيف تعَّرف على زوجته، ورغم هدوئه ورزانته، إلا أن هذه الابتسامة لا تنم سوى عن الأخلاقيات التي يتحدث عن نشأته عليها، وتطبيقها على من حوله في القوات المسلحة، ورغبته في تطبيقها على المجتمع المصري أيضاً، لكن السيسي ليس مغرقاً في "رومانسية" الأخلاق وفلسفتها فحسب، فحين يتحرك إصبع كإصبع الشاطر، أو أي شخص أو منظمة غيره، مهدداً بانطلاق العنف في مصر، سيكون عند المصري ثقة بأن السيسي "سيمسح" صاحب هذا الإصبع (المسدس) من على وجه الأرض، لأن تدينه أتى بأخلاقيات ومبادئ تجعل مصر عنده فوق كل اعتبار، وليس الأمر منوطاً بشخص السيسي فحسب، إنما هو منوط أيضاً بفكر القائد الذي يضع البلاد أولويةً، بحق، لا مجرد كلام، وقد يكون مبعث هذا هو الخبرة العسكرية، التي ينتقد الكثيرون تمثيل السيسي لها – باعتباره مشيراً ورجلاً عسكرياً سابقاً – لكن إذا كانت للقوات المسلحة ميزة - غير المسلَّم به من دفاع عن أمن البلاد طبعاً - فهي بالتأكيد تشكيل رجالات دولة حازمين كعبد الناصر، والسيسي اليوم... وليحذر المتطرفون "غضب الحليم إذا غضب".