الرئيس السوري بشار الأسد رفقة زوجته في الصين (إكس)
الرئيس السوري بشار الأسد رفقة زوجته في الصين (إكس)
الخميس 21 سبتمبر 2023 / 13:40

الأسد في الصين.. "المصلحة المتبادلة" تكشف كواليس الزيارة

24. إعداد: شادية سرحان

في خطوة وصفها المراقبون والمحللون بالاستراتيجية، وصل الرئيس السوري بشار الأسد، اليوم الخميس، إلى مدينة هانغتشو شرقي الصين، تلبية لدعوة رسمية من الرئيس الصيني، شي جين بينغ، فيما أثارت هذه الزيارة التي تعد الأولى من نوعها منذ نحو 19 عاماً، الكثير من التساؤلات حول سرها، والنتائج التي قد تتمخض عنها.

زيارة الرئيس السوري إلى الصين تشكل فرصة لنقلة جديدة في العلاقات الثنائية

الزيارة تمثل فرصة لتحسن مكانة سوريا في النظام الدولي بعد عزلة دبلوماسية استمرت لسنوات

الصين قدّمت دعماً مهماً لدمشق على مدار السنوات الماضية

الصين تسعى لكسر التابوهات الغربية التي تحاول منع عدد من الدول من التعاطي مع ما تعتبره واشنطن دولاً معزولة

زيارة استراتيجية

وفي وقت سابق، اليوم الخميس، قالت الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا" إن الرئيسين سيعقدان "قمة سورية صينية"، مضيفة "كما تشمل الزيارة عدداً من اللقاءات والفعاليات التي سيجريها الرئيس الأسد وأسماء الأسد في مدينتي هانغتشو وبكين".

وقال مراقبان للزيارة إن "زيارة الأسد لبكين تأتي في توقيت مهم، حيث تقلل الضغوط الأمريكية والأوروبية على الاقتصاد السوري، وتؤسس لعالم متعدد الأقطاب".

كسر العزلة الدلوماسية

وهذه الزيارة تعد  الأولى التي يقوم بها رئيس سوري إلى الصين منذ عام 2004، فيما زار مسؤولون صينيون دمشق خلال فترة النزاع المستمر في سوريا منذ 2011.

والصين ثالث دولة غير عربية يزورها الأسد، منذ اشتعال الصراع السوري، بعد روسيا وإيران، أبرز حلفاء دمشق، حيث تقدمان لها دعماً اقتصادياً وعسكرياً غيّر ميزان الحرب لصالحها.

وتندرج هذه الزيارة في إطار عودة الأسد تدريجياً منذ أكثر من سنة إلى الساحة الدولية، بعد عزلة فرضها الغرب على الرئيس السوري بسبب النزاع الدامي في بلاده، وبذلك، أصبح الأسد آخر رئيس دولة، تُعدّ معزولة على نطاق واسع، تستضيفه الصين العام الحالي، بعد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، والإيراني إبراهيم رئيسي، كما استضافت الصين عدداً من المسؤولين الروس.

وبهذا الخصوص، يقول المحلّل السياسي السوري أسامة دنورة من دمشق لوكالة "فرانس برس": "هذه الزيارة تمثّل كسراً لنطاق مهم من العزل الدبلوماسي والحصار السياسي المفروض على سوريا، كون الصين دولة عظمى وذات ثقل على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي الدولي"، مضيفاً "الصين تكسر التابوهات الغربية التي تحاول منع عدد من الدول من التعاطي مع ما تعتبره واشنطن دولاً معزولة".

 

بكين داعم مهم لدمشق

وعلى مدار سنوات، قدمت الصين دعماً دبلوماسياً مهماً لدمشق، خصوصاً في المحافل الدولية ومجلس الأمن الدولي، فامتنعت مراراً عن التصويت لقرارات تدينها خلال النزاع، واستخدمت الفيتو إلى جانب روسيا لوقف هذه القرارات، لكنها حرصت في الآن ذاته على عدم التدخل بشكل أكبر في النزاع، تجنباً للمزيد من الاحتكاك مع الولايات المتحدة.

وتحسنت علاقة سوريا مع الصين في أوقات عدة، بما في ذلك خلال الحرب الأهلية السورية، ففي عام 2020، بدأت الصين وروسيا استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم  المتحدة لإغلاق 3 من طرق المساعدات من أصل 4، بحجة أنه يجب تسليم المساعدات عبر الحدود التي تسيطر عليها دمشق. وفي عام 2019، أخبر كبير الدبلوماسيين وزير الخارجية الصيني وانغ يي، وزير الخارجية السوري آنذاك وليد المعلم أن الصين "تدعم بقوة إعادة الإعمار في سوريا" وجهودها "لمكافحة الإرهاب"، وفقاً لما أفاده موقع "المونيتور" الأمريكي.

إعادة إعمار سوريا

وبعد 12 عاماً على نزاع مدمّر أودى بحياة أكثر من نصف مليون شخص، وخلّف ملايين النازحين واللاجئين ودمّر البنى التحتية للبلاد، تسعى سوريا اليوم إلى الحصول على دعم الدول الحليفة لمرحلة إعادة الإعمار.

ويرى موقع "المونيتور"، أن من أهم أسباب هذه الزيارة هي حاجة بشار الأسد إلى الأموال المخصصة لإعادة إعمار ما خلفته الحرب الأهلية.

ويتوقع العديد من المحللين أن "تركز زيارة الأسد للصين جزئياً على الأموال المخصصة لإعادة الإعمار. وكان الرئيس السوري أعرب في تصريحات سابقة عن أمله في أن تستثمر مؤسسات صينية في سوريا".

وفي هذا الشأن، قال المحلل السياسي السوري دنورة:  إن "الصين تعد بالنسبة لدمشق "شريكاً موثوقاً"، خصوصاً في المجال الاقتصادي وإعادة الإعمار".

وعن استثمارات صينية محتملة، يقول دنورة لـ"فرانس برس": "الصين لديها القدرة على إنجاز البنى التحتية في الإعمار في المناطق السكنية والمدنية بسرعة استثنائية"

ومن جهتها، ترى الباحثة لينا الخطيب، مديرة معهد الشرق الأوسط في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن، أن التوقيت مهم، حيث يواجه الأسد الآن احتجاجات مناهضة لحكومته في جنوب سوريا، بحسب موقع "المونيتور"

وأضافت الباحثة أيضاً أن الأسد يحاول من خلال زيارته إلى الصين إيصال رسالة حول بدء "الشرعنة الدولية" لنظامه، إضافة إلى الدعم الصيني المرتقب في مرحلة إعادة الإعمار.

تعزيز مكانة بكين كقوى عظمى

وتأتي زيارة الأسد في وقت تلعب بكين دوراً متنامياً في الشرق الأوسط، حيث تسعى الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إلى تعزيز مكانتها كقوة عظمى، عبر الدور السياسي الذي بات بإمكانها الانخراط به أكثر في ظل الانكفاء الأمريكي عن العديد من القضايا، إذ تُشير التحركات الدبلوماسية لبكين، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط، إلى اهتمام أكبر بالمسائل السياسية، ومحاولة لعب دور رئيسي في أبرز ملفات المنطقة، حسبما أفادت وكالة "بلومبرغ" الإخبارية الأمريكية.

ويقول المراقبون إن "الصين التي تواجه محاولات أمريكية لمحاصرتها، وستحاول الرد على تلك الخطوات، من خلال تعزيز حضورها السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط وبالتأكيد فإن سوريا هي إحدى البوابات". 

وأضافوا أن "الصين ترنو إلى تعزيز حضورها في الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي كانت تقليدياً ضمن دائرة النفوذ الأمريكي، وتشكل سوريا بالنسبة إلى بكين أهمية جيوسياسية، فضلاً عن كون البنية الفكرية لحكومة الأسد تتناغم معها".

مبادرة الحزام والطريق

وتحاول بكين الترويج لخطتها "طرق الحرير الجديدة" المعروفة رسمياً بـ"مبادرة الحزام والطريق"، وهي مشروع ضخم من الاستثمارات والقروض يقضي بإقامة بنى تحتية تربط الصين بأسواقها التقليدية في آسيا وأوروبا وأفريقيا. وانضمت سوريا في يناير (كانون الثاني) 2022 إلى مبادرة "الحزام والطريق".

وفي حديثه لوكالة "سبوتنيك" الروسية عن هذه الزيارة، يرى المحلل الصيني والخبير في الشؤون الآسيوية، تشاو تشي جيون، أن "دعوة بكين للرئيس الأسد لزيارة الصين، تنبع من موقفها الداعم لسوريا في حماية سيادتها وسلامة أراضيها، حيث إن التعاون بين الصين وروسيا وسوريا في الشرق الأوسط، يعزز بشكل أكثر فاعلية استعادة السلام في المنطقة ويضعها على مسار التنمية الصحيح. وعلاوة على ذلك، من الممكن الجمع بين مبادرة "الحزام والطريق" الصينية واستراتيجية التنمية الروسية جنوباً في الشرق الأوسط، لتشكيل قناة رئيسية جديدة للاتصال مع أفريقيا والبحر المتوسط وأوروبا".

وتجدر الإشارة إلى أن العام الحالي شهد تغيرات على الساحة الدبلوماسية السورية، تمثلت باستئناف دمشق علاقتها مع دول عربية عدة على رأسها المملكة العربية السعودية، واستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية، ثم مشاركة الرئيس السوري في القمة العربية في جدّة في مايو (أيار)، للمرة الأولى منذ أكثر من 12 عاماً.

وتسارعت التحولات الدبلوماسية على الساحة العربية بعد اتفاق مفاجئ بوساطة صينية أُعلن عنه في مارس (آذار)، وأسفر عن استئناف العلاقات التي كانت مقطوعة بين السعودية وإيران.

وقال تشاو تشي جيون، بهذا الشأن، إن "نجاح الوساطة الصينية لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران هذا العام، دفعت الجامعة العربية إلى السماح لسوريا، بالعودة للجامعة العربية، وهذا يعني أن المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، بدأ يشهد تغيرات كبيرة، والعلاقة الاستراتيجية التي كانت تسيطر عليها الولايات المتحدة في الأصل تفككت تماماً"، مؤكداً أن "زيارة الأسد للصين ستدفع هذه التغييرات إلى مستوى جديد".

والشهر الماضي، نجحت الصين أيضاً في إضافة المزيد من الأعضاء إلى كتلة "البريكس"، وهي مجموعة مؤثرة من الاقتصادات الناشئة، حيث انضمت إليها الإمارات والسعودية ومصر وإيران.