السبت 30 سبتمبر 2023 / 09:49

الانتشار سلاح ذو حدين

أصبحت المسؤولية مضاعفة على المرسل فكل مواطن يمثل بلاده بمجرد أن يمسك هاتفه ويشارك الآخرين رأيه

في احتفالية في سفارة الدولة في برلين قبل عدة سنوات عرضنا فيلماً وثائقياً قديماً بالأبيض والأسود لرجل إماراتي يمشي حافياً في رمال الصحراء ممسكاً لجام بعيره واضعاً نعاله تحت إبطه، ويسألني أحد المدعوين الألمان مستفهماً "لماذا لا يلبس نعاله؟ يبدو بأنه يستمتع بالمشي في الرمال الناعمة"، فقلت له مبتسماً "رمال ناعمة ملتهبة. لا يا سيدي لم يكن ذلك من باب المتعة، بل لضيق العيش، لم يلبسها حتى لا تبلى".

اتسعت حدقات عينيه فلم يكن يتوقع هذه الإجابة وصمت لحظات ورد قائلاً "تلك صورة تجسد كفاح الإنسان، حدثوا أبناءكم عنها كثيراً".

نشأت بعدها صداقة بيننا شرحت لي أوجهاً عدة لألمانيا وثقافة شعبها، وقد يكون العامل المشترك لدى الشعب الألماني إيمانه بحكمته القائلة "دع ما تصنع يداك يتحدث عنك". 

لا تعني الحكمة الألمانية المذكورة أن تظل صامتاً وألا تتحدث عن إنجازاتك، ومن حق كل مواطن أن يتحدث عن بلاده ولكنه حق مشروط، وشرطه ألا تبعث رسائل للغير فيساء تفسيرها، وتضع القائل في منطقة رمادية ويتهم إما بالتباهي أو بالغرور.

هذا النوع من الرسائل لا يخدم صورة الدولة، والافتخار بالمنجز وسرده للغير هو مسؤولية، وباستطاعة الإماراتي أن يبرر ويستند إلى أرقام وإحصائيات، ولكن في نفس الوقت عليه أن يسأل كيف ستفسر رسالته عند الغير؟ فالذي يقال قد يختلف عن الذي يفهم.

إن شبابنا في دولة الامارات، وهم غالبية شعبنا وأمله ومستقبله وبهجته، لم يعيشوا مرحلة قبل وبعد الاتحاد، والحاضر قد يبدو بعيداً جداً عن الماضي الذي يحدثهم عنه كل خمسيني إماراتي. المسافة شاسعة، والشباب يستمدون ثقتهم بأنفسهم من مصداقية الحاضر الذي يرونه أمام أعينهم، وينعكس ذلك على رسائلهم عبر القنوات الشبكات الاجتماعية، وهو أمر طبيعي.

ولأن الحدود الجغرافية قد تلاشت بين الدول في عصر التواصل الرقمي، فلا توجد رسالة لجمهور محلي وأخرى لجمهور خارجي، أصبحت المسؤولية مضاعفة على المرسل، فكل مواطن يمثل بلاده بمجرد أن يمسك هاتفه ويشارك الآخرين رأيه.

التواصل مع العالم مفتوح وكل رسالة تؤثر في الرأي العام، إيجاباً أو سلباً، وصفاء النية عند كتابة تغريدة أو نشر فيديو لا يضمن حسن تلقيها من الناس، ولكن من غير المقبول أن تضع نفسك في موقف غير لائق ليتم تصويرك وأنت تعلم علم اليقين بما يدور حولك، هو أمر مرفوض لأنه يستفز المجتمع حتى وإن لم يشعر الفاعل نفسه بالحرج.