الشيخ محمد بن زايد أثناء مشاركته في قمة القاهرة للسلام (وام)
الشيخ محمد بن زايد أثناء مشاركته في قمة القاهرة للسلام (وام)
الأربعاء 1 نوفمبر 2023 / 19:09

الإمارات.. حراك دبلوماسي وإنساني من أجل غزة

لا تحتاج الإمارات إلى من يتحدث عن دورها الكبير لوقف الحرب على غزة. ويوماً بعد يوم، منذ بداية الأزمة، تتكشف ملامح هذا الدور، الذي يمكن تقسيمه إلى حراك دبلوماسي مكثّف تقوم به الخارجية الإماراتية بقيادة الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، ودور إغاثي غير مسبوق عبر حملة "تراحم من أجل غزة" بمشاركة شعبية واسعة.
ليس من عادة الإمارات إغراق مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات عن جهودها المتواصلة، فهي لا تمنّ على أحد، ولا تتفاخر بما تنجزه يومياً في هذا الملف، ولا تعرف شمالها ما تنفقه يمينها، لأن هذه هي شيم الكبار التي تعلمناها من الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه. الإمارات تقوم بدورها المحوري في صمت ودأب في كل المحافل الدولية لأنها تعرف أن هذه مسؤوليتها التاريخية، ودورها الإنساني الذي ارتضته لنفسها، ويشهد به القاصي قبل الداني، لاسيما شعوب العالم التي مرت بأزمات إنسانية عصفت بها، فكانت الإمارات في طليعة من وقف بجانبهم في محنتهم.
كان موقف الإمارات واضحاً منذ اليوم الأول، ضد استهداف المدنيين ومع غوث الأطفال والنساء والمسنين، وفي كلمته أمام مؤتمر القاهرة للسلام قبل أيام، أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "أن الأولوية القصوى والعاجلة خلال المرحلة الحالية لتقديم الدعم الإنساني للمدنيين في قطاع غزة وضمان ممرات إنسانية آمنة ومستقرة لمواصلة تقديم المساعدات الإغاثية والطبية، في ظل الوضع الإنساني الخطير في القطاع".
 

تراحم من أجل غزة

كلمة الشيخ محمد بن زايد، كانت تأكيداً جديداً أن الإمارات هي مدرسة الإنسانية، وموطن التراحم، ومنبع المروءة والشهامة، وقد ترجمت هذه المعاني كلها سواء في التبرعات المالية التي أعلن عنها الشيخ محمد بن زايد، أو في الحملة الإغاثية "تراحم من أجل غزة" التي تعد واحدة من أكبر الحملات الإغاثية، وقد شارك فيها أكثر من 17 ألف متطوع ومتطوعة من مختلف إمارات الدولة، وما زالت مستمرة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، تجمع الإعانات لأهالي غزة، في تجسيد لقيم العطاء والتضامن الإنساني المتأصلة في كافة فئات المجتمع الإماراتي.
الحملة التي نُظمت في "الاتحاد أرينا" بالعاصمة أبوظبي، بالتعاون مع هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، وفي "فيسيتفال أرينا" في دبي، بالتعاون مع دبي العطاء، وفي مركز "البيت متوحد" في الشارقة بالتعاون مع جمعية الشارقة الخيرية ومؤسسة القلب الكبير، استطاعت منذ انطلاقها أن تجمع 1250 طناً من مواد الإغاثة الغذائية والصحية والطبية، وتجهز 60 ألف حزمة إغاثية، تنوّعت بين حزم مخصصة للأطفال والأمهات والحزم الغذائية.
وإذا كانت الحملة الإنسانية مستمرة، وطائرات الإغاثة الإماراتية التي شكلت جسراً إلى مطار العريش المصري لإدخال المساعدات عبر معبر رفح، ما زالت متواصلة لتأمين احتياجات الفلسطينيين الضرورية، فإن الدور السياسي والدبلوماسي للإمارات بدأ منذ اليوم الأول، وما زال مستمراً، موظّفة في ذلك تأثيرها وعلاقاتها وثقلها السياسي الكبير.
 

جهود إنسانية

ومنذ اندلاع الصراع كثفت الإمارات جهودها الدبلوماسية عبر أكثر من محور، محور يتضمن القمم الدولية التي يحضرها رئيس الدولة أو من ينوب عنه، ومحور يتضمن الاتصالات الثنائية مع زعماء العالم واستقبال القادة وإجراء مباحثات معهم حول الأوضاع في غزة وضرورة الدفع نحو وقف إطلاق النار، ثم الشروع في مسار السلام. أما المحور الثالث فيتضمن التحرك الفاعل داخل مجلس الأمن الدولي، لعرض وجهة النظر العربية، والدعوة لهدنة إنسانية، وإدانة استهداف المدنيين.
والمواقف التي سجلتها الإمارات خلال الأسابيع الثلاث الماضية، أكثر من أن تحصى، فخلال ست جلسات عقدها مجلس الأمن حول الحرب في غزة، لم تغب الإمارات، بل كانت صوتاً فاعلاً وقوياً وصادعاً بالرؤية العربية والدفاع عن الإنسانية، وتكفي الإشارة إلى موقفها القوي يوم 25 أكتوبر حين رفضت التصويت على مشروع القرار الأمريكي لعدم دعوته إلى وقف إطلاق النار في غزة، وأيضاً طلب الإمارات عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن عقب إعلان إسرائيل توسيع عملياتها البرية، فضلاَ عن الكلمة القوية التي ألقتها ريم الهاشمي وزيرة الدولة الإماراتية لشؤون التعاون الدولي، وأكدت فيها موقف الإمارات الإنساني، ودعت لاعتماد قرار بوقف إطلاق نار فوري ومستدام في غزة، وأكدت مجدداً "رفض الإمارات القاطع لأوامر إسرائيل بإخلاء أكثر من مليون شخص من شمال غزة إلى جنوبها".
 

دور تاريخي

تكشف هذه التحركات التي لم تتوقف يوماً، موقف الإمارات الواضح مما يحدث في غزة، وهو موقف تاريخي وليس وليد اليوم، بل هو أحد ثوابت السياسة الخارجية الإماراتية التي وضعها الأب المؤسس الشيخ زايد، والذي لا يستطيع أحد أن يزايد على ما قدمه من دعم لفلسطين، بل لكل العرب، وقد قال يوماً "دعمنا للشعب الفلسطيني سيستمر حتى يحقق هذا الشعب طموحه في إقامة دولته المستقلة". وهذا الدور استكمله أبناؤه من بعده، فها نحن نجد الشيخ محمد بن زايد يؤكد خلال كلمته في قمة القاهرة للسلام: "أن الإمارات لن تدخر جهداً خلال الفترة المقبلة من أجل كل ما يدفع الأمور نحو السلام والاستقرار بالتعاون مع أشقائها وأصدقائها في المنطقة والعالم".
وما نقرأه في كلمة الشيخ محمد هو الفعل وليس مجرد كلام، إنه يتحدث عن ما تقوم به الإمارات بالفعل، وهذا هو ديدن قادة الإمارات، رجال أفعال لا أقوال، فخلال الفترة الماضية ـ منذ بدء الحرب ـ أجرت الإمارات أكثر من 70 اتصالاً ولقاء وقمة مع قادة ووزراء ومسؤولين أمميين ودوليين، أكدت خلالها رؤيتها السياسية والاستراتيجية الداعية إلى سلام عادل وشامل وآمن ومستدام، والذي من دونه ستظل المنطقة رهناً للعنف، ما يستنزف جهودها ويبدد آمال شعوبها في التنمية والرخاء.
إن ما قامت به الإمارات خلال الأيام الماضية، منذ بدأت الحرب في غزة هو جزء من دورها الإنساني والدبلوماسي، مؤكدة موقفها الثابت من القضية الفلسطينية، وساعية إلى الخروج بالمنطقة من أتون اللهب الذي اشتعل فيها، ويهدد بالتمدّد ما لم يتدخل العقلاء لوقفه.
كلي يقين أن الإمارات ـ موطن الإنسانية وأرض القادة الحكماء ـ لن تألو جهداً ولن تتوانى عن توظيف كل إمكاناتها لوضع حدّ لما يحدث في غزة، وستواصل جهدها الإنساني والسياسي، حتى تضع الحرب أوزارها. ولن تتوقف عند هذا، بل ستكمل مسيرتها ودورها المحوري في دعم السلام العادل والشامل بما يحقق أمن المنطقة واستقرارها.