دبابة ميركافا في إسرائيل.
الثلاثاء 28 نوفمبر 2023 / 19:24
في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، تقف روسيا في صف "حماس". فقبل الهجوم المروع الذي شنته الحركة يوم 7 أكتوبر(تشرين الأول)، حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يرسم لنفسه صورة صانع سلام يستطيع الحديث مع جميع اللاعبين الرئيسيين (المتعارضين غالباً) في الشرق الأوسط، كإسرائيل وإيران، إلى جانب وكلائهم كحزب الله وحماس، لكن رد فعل موسكو على هجوم حماس يمثل خروجاً جذرياً عن استراتيجية العلاقات العامة طويلة الأمد، وفق آنا بورشفسكايا زميلة أولى في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
على إسرائيل إعادة تقييم ومعايرة علاقتها مع موسكو
وقالت آنا بورشفسكايا في مقالها بموقع
"1945" إن الكرملين امتنع عن إدانة حماس بشكل مباشر، فيما انتظر بوتين عشرة أيام لكي يتصل ببنيامين نتانياهو. وبعد ذلك شبّه الحصار الإسرائيلي على غزة بحصار ألمانيا النازية للينينغراد. ومع تصعيد وكلاء إيران أعمالهم في عموم الشرق الأوسط ضد إسرائيل والقوات الأمريكية، فإن علاقة إسرائيل التي كانت ذات يوم دافئة مع روسيا سوف تتغير.
موقف وسط في الشرق الأوسط .. مع التحيز
وتقول الكاتبة إن التصعيد المستمر يشمل كلاً من روسيا وإيران، وهذا أمر مهم لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وكلتاهما تتعرضان للهجوم من قبل وكلاء إيران. ومن المتوقع أن يستفيد بوتين من التصعيد الإقليمي؛ لأنه يشكل إلهاءً للغرب وحلفائه وشركائه عن أوكرانيا. لكن الأهم من ذلك أنه يعْمد أيضاً على الأرجح إلى تأجيج هذا التصعيد بدلاً من الاكتفاء بجني الثمار.
وهذه المرة ربما يكون منخرطاً في تشكيل المنطقة والعلاقات، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على الجميع. وبصرف النظر عن علاقات روسيا طويلة الأمد والمتزايدة عمقاً مع إيران، أشارت التقارير إلى ازدياد الجهود بين طهران ودمشق وموسكو لطرد الولايات المتحدة من سوريا، حيث زاد الجيش الروسي تحرشه بالقوات الأمريكية في سوريا خلال الصيف، بما في ذلك التسبب بأضرار للمسيرات الأمريكية.
وتنحسر هذه الجهود أمام الهجمات اليومية على القواعد العسكرية الأمريكية، التي أعقبت هجوم حماس في 7 أكتوبر. وتعتبر التقارير التي تحدثت في الآونة الأخيرة عن احتمال نقل منظومة بانتسير إس-1 المضادة للطائرات من مجموعة فاغنر في سوريا إلى حزب الله في لبنان أمثلة أخرى على الجهود التي تبذلها روسيا لتمكين التصعيد المتواصل.
والمؤكد، حسب الكاتبة، أن هذا النقل لن يعقّد العمليات العسكرية الإسرائيلية على امتداد حدودها الشمالية بشكل جوهري، لكن هذا لا يلزم. فمن الممكن أن يكون هدف هذا التصعيد مجرد إرسال رسالة أو صب الزيت على النار بتفاقم القضايا القائمة، حتى لو كانت صغيرة ولا تكاد تذكر من الناحية العسكرية بالنسبة للوضع العام للقوى المتعارضة.
فإسرائيل لديها ما يكفي من أمور تعالجها في ظل احتدام الحرب في غزة، حيث أفادت التقارير أن ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران أطلقت مسيرات وصواريخ باتجاه إسرائيل، كما يطلق حزب الله الصواريخ باستمرار من لبنان باتجاه هضبة الجولان.
ومن جانبها، تبعث موسكو بإشارات مفادها أنها لا تقتصر على التصعيد مع الولايات المتحدة، بل تصعّد أيضاً مع إسرائيل حليفة الولايات المتحدة، فيما نجد أن خطاب الكرملين ومغازلته لحماس يوحيان بأنه يرى أن مثل هذا التصعيد يصب في مصلحته تماماً، ولولا ذلك لما اتبع بوتين ببساطة هذا النهج، ولسارع إلى تقديم التعازي إلى إسرائيل وإدانة حماس. وفي هذا السياق، كان عرضه لاحقاً بالقيام بالوساطة سيبدو أكثر مصداقية في عين إسرائيل.
وفيما يتعلق بالسبب الذي يجعل بوتين يرى أن التصعيد يصب في مصلحته، هناك صورة استراتيجية أكبر يجب أخذها في الاعتبار. فاختيار بوتين جانباً محدداً في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس يوحي بأنه حسب أن تكلفة تدهور العلاقات بين روسيا وإسرائيل ترجح فوائد الانحياز الأقرب إلى القوى المناهضة لأمريكا في الشرق الأوسط، ومن ثم يلتزم بالمساعدة على تأجيج المشاعر المعادية لأمريكا والمعادية لإسرائيل في العالم العربي وخارجه.
الشرق الأوسط في الفوضى
في غضون ذلك، تقول الكاتبة، تشجع الفوضى الزائدة السلطوية التي تقوّض النظام العالمي الليبرالي، بما في ذلك من خلال التصعيد مع حلفاء الولايات المتحدة، الأمر الذي يساعد بوتين على خوض حربه في أوكرانيا. وبالنسبة لبوتين، فإن القضية لا تعنى على الأرجح بحماس بقدر ما تعنى بإيران، التي ساعدت بتوفيرها المسيرات الانتحارية الجيش الروسي على ترويع الأوكرانيين، وتعكف موسكو حالياً على بناء مصنع لإنتاج هذه المسيرات بكميات كبيرة، وفقاً لأحدث صور بالأقمار الاصطناعية. وينبغي ألا نستغرب صعوبة تتبع كيفية وصول الأسلحة الروسية إلى وكلاء إيران، ومن ضمنها حماس، لأن توزيعها يتم عادة بواسطة إيران.
ورأت الكاتبة أن لا مفاجأة في ميل بوتين إلى حماس على حساب إسرائيل مشيرة إلى أن بوتين دائماً ما كان يميل أكثر إلى القوى المناهضة لأمريكا في المنطقة، وأبرز مثال على ذلك ما حدث في سوريا، حيث اختار بوتين أحد الجانبين في سبتمبر (أيلول) 2015 عندما تدخل لدعم الرئيس السوري بشار الأسد.
وجاء هذا التدخل بروسيا إلى عتبة باب إسرائيل في المقام الأول، وبسيطرة روسيا على الأجواء السورية، تمكنت من المحافظة على ميزتها على إسرائيل، وبالتالي أصبحت إسرائيل تعتمد على حسن نية روسيا لكي تنفذ ضرباتها ضد القوات المدعومة من إيران في سوريا.
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، انخرطت إسرائيل في عملية توازن صعبة، محاولةً المحافظة على علاقة إسرائيل مع موسكو مع اعترافها بتداعيات غزوها لأوكرانيا، لكن كما كان غزو روسيا لأوكرانيا حدثاً غيّر العالم، فقد تغير الشرق الأوسط في 7 أكتوبر، والآن يستغل بوتن هذه اللحظة استغلالاً كاملاً.
موقف جديد
وبعد أن قرر بوتين وقوف روسيا في صف حماس مهما كانت النتائج، ينبغي على إسرائيل إعادة تقييم ومعايرة علاقتها مع موسكو، الأمر الذي قد ينطوي على بذل المزيد فيما يتعلق بأوكرانيا.
وأضافت الكاتبة أنه يمكن لإسرائيل أن تبادر بدعوة الرئيس الأوكراني زيلينسكي وغيره من كبار القادة الأوكرانيين للحضور إلى غزة ومراقبة العمليات العسكرية وإجراء مناقشات حول التحديات والدروس المستفادة من تجاربهما المشتركة في الحرب.
وبالنظر إلى أن حماس أعطت "روسيا اليوم" ، إمكانية الوصول إلى شبكة أنفاق غزة، فبإمكان إسرائيل أيضاً دعوة وسائل الإعلام الأوكرانية للكتابة عن هذه التجربة وتغطية الحرب الإسرائيلية ككل؛ فمن شأن دعوة الصحفيين الأوكرانيين أن تساعد على التصدي للسرديات الروسية في الشرق الأوسط. وقد نجحت موسكو حتى الآن في إبراز سرديتها في المنطقة، ومن الأهمية أن نتحدى هذه السرديات.