أرمن يغادرون ناغورنو قره باغ في سبتمبر الماضي.
أرمن يغادرون ناغورنو قره باغ في سبتمبر الماضي.
الثلاثاء 19 ديسمبر 2023 / 15:32

ناغورنو قره باغ... الصراع المنسيّ في أوراسيا

اجتمعَ الأسبوع الماضي ممثلون من الحكومتين الأرمينية والأذربيجانية لمناقشة ترسيم حدود الدولتين، ومنطقة ناغورنو قره باغ، وكان هذا الاجتماع أحدثَ تطور في الفصل الأخير من الصراع المستمر الذي دامَ أكثر من 3 عقود بين البلدين، حسب مارك تيمنيكي، الصحافي المختص بالشؤون الأوراسية.

تحاول الدولة الأرمينية مساعدة هؤلاء النازحين

وقال تيمنيكي، وهو باحث غير مقيم في مركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي، في مقاله بموقع "ناشونل إنترست": منذ أواخر ثمانينات القرن العشرين، نشبَ قتال بين أرمينيا وأذربيجان على منطقة ناغورنو قره باغ. وإلى الآن لقي آلاف مصرعهم بسبب هذا النزاع، وأُصيب آخرون بجراحٍ دامية. وعلى مدى العقود القليلة الماضية، أبرم الطرفان اتفاقات وقف إطلاق نار، وما برحت المفاوضات بين البلدين مستمرة.
لكن، وقعت انتهاكات لوقف إطلاق النار، واستمرت الأعمال القتالية، وباءت محادثات السلام بالفشل باستمرار.

وفي الآونة الأخيرة، حاولت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبيّ تهدئة الصراع عن طريق تقديم مساعدات إنسانية ومالية. غير أن هذه المساعدات لم تُجدِ نفعاً.
وفي الوقت عينه، توسطت روسيا وتركيا في وقف إطلاق النار عام 2020 خلال مناوشات متجددة بين أرمينيا وأذربيجان.

وفي نهاية المطاف، خُرِقَ اتفاق وقف إطلاق النار هذا أيضاً، ولم تتمكن روسيا وتركيا من لَمْ شمل المسؤولين الأرمن والأذربيجانيين على طاولة مفاوضات جديدة.

 

استمرار عجز المجتمع الدولي

وبسبب استمرار عجز المجتمع الدولي عن التوصل إلى حلٍ سلمي، تولى الأذربيجانيون زمام الأمور أخيراً، ففرضوا حصاراً على ممر لاتشين الرابط بين أرمينيا وناغورنو كاراباخ، ولعام كامل تقريباً، كان الأرمن في المنطقة يعانون الأمرّين من محدودية الوصول إلى الغذاء والدواء والوقود.
ووردت تقارير تفيد أيضاً بحالات نقص الموارد في ناغورونو كاراباخ، وأن الأرمن يعانون من الجوع.

وشنّت القوات الأذربيجانية هجوماً وحشيّاً على المنطقة، ومنذ فترة وجيزة من القتال، أعلن الأذربيجانيون عن سيطرتهم على الإقليم، وشرعَ آلاف الأرمن يلوذون بالفرار حتى أن أكثر من 100 ألف من أصل أرمني نزحوا من المنطقة.

 


وتحاول الدولة الأرمينية مساعدة هؤلاء النازحين، ففي الآونة الأخيرة، وافقت الحكومة اعلى "إجراءات تحديد المعاشات التقاعدية وصرفها لمَن هم من ناغورونو قره باغ"، وسيسعى البرنامج إلى مساعدة الأرمن النازحين من ناغورونو كاراباخ بسبب الهجوم الأذربيجاني الأخير.
ورغم ذلك، لن يسري برنامج المعاشات التقاعدية سوى على الذين بلغوا سن التقاعد، فضلاً عن ذلك، سيستمر هذا النوع من المساعدات حتى يونيو (حزيران) 2024 فقط، مما يعني أن المنتفعين بهذه المساعدات سيحصلون عليها لمدة 6 أشهر فقط.

وأخيراً، سيُحتسب مبلغ المعاش التقاعدي وفقاً للتشريعات المحلية، مما يعني أنه من غير الواضح مقدار المساعدات المالية التي سيحصل عليها هؤلاء الأرمن فعلاً.

صعوبة تلبية احتياجات النازحين

وأشار الباحث إلى أن هناك تعقيدات أخرى أيضاً. أولاً، لن يسري المعاش التقاعدي على الذين ما زالوا في سن العمل.

ثانيّاً، فرَّ أكثر من 100 ألف من أصل أرمني من ناغورنو قره باغ، وسيحتاج هؤلاء اللاجئون إلى الغذاء والملبس والمأوى، وهم يعقدون الآمال على الانضمام إلى القوة العاملة.

ونظراً للتدفق الكبير للنازحين إلى أرمينيا، من المرجح أن تواجه الدولة "صعوبات كبيرة في تلبية احتياجات النازحين". وقد يفضي ذلك إلى مشكلات إضافية للحكومة الأرمينية.
وفقاً للبنك الدولي، بلغَ معدل البطالة في أرمينيا في عام 2022 نحو 12.6%، علاوة على ذلك، أفادَ برنامج الأغذية العالمي بأن معدل الفقر في أرمينيا في عام 2022 بلغ 27%. ووردَ أيضاً أن 21% من السكان يعانون انعدام الأمن الغذائي.
وهذا كله يعني أن ما يقرب من ربع سكان أرمينيا يرزحون تحت خط الفقر، ولا يتمتع خُمس الأرمن بإمكانية الحصول على الغذاء الكافي لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

ونظراً لهذه التحديات، وفي ظل التدفق الأخير للاجئي ناغورنو قره باغ، يرجح الباحث أن يفاقم ذلك تعقيد الأمور لأرمينيا، ورغم ذلك، تحاول الحكومة الأرمينية التصدي لهذه التحديات كي تتمكن من رعاية هؤلاء الأفراد.
وفي الوقت ذاته، ينتقل الأذريون الآن إلى منطقة ناغورنو قره باغ، إذ تعكف الحكومة الأذربيجانية على دمج المنطقة بالكامل في أراضيها.

ولم تُحدِّد الحكومة الأذربيجانية كيف ستحمي الأرمن الذين لم يفروا من المنطقة خلال الهجوم الأخير.

وأخيراً، لم يتفاوض المسؤولون الأذربيجانيون بعد على نقل ملكية منطقة ناغورنو كاراباخ مع الأرمن. فرغم أن أذربيجان أعلنت استعادتها للمنطقة، هناك شكوك كثيرة تحوم حول ما سيحدث لاحقاً.
ما زالت الأوضاع في ناغورونو قره باغ وحولها متوترة عموماً، حيث ذكر المسؤولون الأذربيجانيون أنهم استعادوا الأراضي، وأن جهود إعادة إدماج الأرمن ستبدأ، ولكن لا يوجد توجيه يُذكَر بشأن كيفية إنجاز ذلك.
وفي الوقت ذاته، واجه المسؤولون الأرمن أزمة لاجئين، إذ يحاولون مساعدة هؤلاء الأفراد على الاندماج في بلدهم. ولا تزال هذه التحديات بلا حل.
واختتم الباحث مقاله بالقول: "في ظل المحاولات الفاشلة التي أقدمَ عليها المجتمع الدولي لحل الصراع، أمسى أفراد من المنطقة للأسف ضحايا لهذه الحرب المنسيّة. فقد خذلهم المجتمع الدولي. ولا ينبغي التغاضي عن هذا الظلم. ولا يمكن أن يتكرر هذا التقاعس مجدداً".